التوقعات بإيجاد بدائل للنفط غامضة وتخمينية.. و"أوبك" ليست سببا في ارتفاع الأسعار

 التوقعات بإيجاد بدائل للنفط غامضة وتخمينية.. و"أوبك" ليست سببا في ارتفاع الأسعار

[email protected]

يتميز تاريخ البترول منذ اكتشافه بكميات تجارية بنزاعات دولية بين القوي الذي يستهلك البترول والضعيف المنتج لهذه السلعة الحيوية الاستراتيجية. وتنامى دور النفط ليتبوأ محورا أساسياً في السياسة العالمية والتنمية الاقتصادية، وبدأ يتبلور دور النفط كمحرك أساسي في وقائع الصراعات العالمية منذ بداية القرن العشرين، وبالأخص مع انتهاء الحرب العالمية الأولى التي أبرزت الحاجة إلى تأمين هذا المصدر المهم للطاقة في الإنتاج الصناعي والعمليات العسكرية ومنذ عام 1920، والحاجة إلى النفط تتزايد وأسعاره كانت تتذبذب بين الهبوط والصعود، طبقاً للأحداث العالمية السياسية وأضحى محط أنظار الساسة وصانعي القرارات الاقتصادية المؤثرة في مسيرة الاقتصاد الدولي.

تراوحت أسعار النفط الخام خلال الفترة من عام 1948 وحتى نهاية الستينات بين 2.50 و3 دولارات للبرميل. ثم ارتفع سعره من 2.50 عام 1948 إلى نحو ثلاثة دولارات عام 1957 واستقرت عند هذا السعر تقريبا حتى عام 1970م وكانت شركات النفط العالمية أو ما تعرف بـالأخوات السبع أو مجموعة السبع أخوات، وهو اللقب الذي أطلقه أنريكو ماتيه الإيطالي على تلك الشركات الاحتكارية التي كانت تتحكم في نفط العالم إلى حدود عام 1973م. وتضم: ستاندراد أوف نيوجرسي الأمريكية، مجموعة رويال دوتش شل الهولندية - الإنجليزية، شركة البترول البريطانية bp، شركة جلف كوربوريشن الأمريكية، وشركة تكساكو الأمريكية، وشركة موبيل أويل الأمريكية، وشركة البترول الفرنسية. وبعد أن أوقفت الدول العربية تصدير النفط الخام إلى الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية ردا على دعمها لإسرائيل خلال حربها مع العرب، تضاعف سعر النفط الخام مع نهاية عام 1974 أربع مرات متجاوزا 12 دولارا للبرميل. ثم استقرت أسعار النفط العالمية من عام 1974 وحتى عام 1978 ما بين 12.21 دولار للبرميل و13.55 دولار للبرميل.

نشأة أوبك
تأسست منظمة الدول المصدرة للنفطOil Producing Exporting Countries واختصاراً "أوبك" عام 1960م وبعضوية كل من المملكة العربية السعودية، إيران، العراق، فنزويلا، والكويت ثم انضم إلى عضويتها فيما بعد عدد آخر من الدول المنتجة للنفط ليبلغ عددها الآن 11 دولة عضو بعد أن انسحبت الإكوادور. وكان مقرها بداية في سويسرا ثم انتقل مقرها عام 1965 إلى فيينا في النمسا. وكان الغرض من إنشاؤها هو ضمان حقوق الدول المنتجة في صناعة النفط التي كانت تخضع وقتها لاحتكارات شركات النفط العالمية أو ما يعرف بـالأخوات السبع العالمية كما أسلفنا. وتشكل صادرات منظمة أوبك حالياً ما يقارب 28 مليون برميل يومياً أو نحو نصف صادرات العالم من النفط الخام.
ولقد واجهت "أوبك" معارضة كبيرة منذ إنشائها، وتهميش لدورها الأساسي خلال السنوات الأولى من عمر المنظمة، وهو عدم إمكانية التحكم في كمية النفط الخام التي يصدرها أعضاؤها لتتجنب إغراق أو التضييق على السوق الدولي. ولكن في عمرها الثالث عشر دخلت "أوبك" مرحلة جديدة ومجالات جديدة وذلك بعد تداعيات حرب تشرين الأول (أكتوبر) في منطقة الشرق الأوسط حيث يقع معظم إنتاج النفط، وأثبت قطع الإمدادات هشاشة الوضع النفطي العالمي واعتماد الدول الصناعية عليه، كما أن الثورة الإيرانية في عام 1979م والحرب العراقية - الإيرانية مجتمعتين رفعتا من أسعار النفط الخام العالمي لأكثر من الضعف من 14 دولارا للبرميل إلى أكثر من 35 دولارا للبرميل عام 1981، ثم ما لبثت وتدهورت الأسعار بعد ذلك بعامين وحاولت "أوبك" أن تتدخل بتقنين الإنتاج إلى مستوى تستقر عنده الأسعار، ولكن لم تنجح منظمة أوبك في ذلك بسبب أن معظم أعضائها لم يتفقوا وكانوا ينتجون كميات أعلى مما خصص لهم وأدى ذلك إلى انهيار الأسعار في منتصف عام 1986 إلى ما دون العشر دولارات للبرميل، مما دفع الأوبك إلى الاتفاق على هدف سعر 18 دولارا للبرميل ولكن استمرت الأسعار منخفضة إلى غزو الكويت عام 1990م التي رفعت الأسعار بسبب المخاوف من نقص الإمدادات ثم تراجعت الأسعار وانخفضت إلى ما دون مستواها منذ عام 1973م. ولظروف عديدة، نجحت "أوبك" في عام 1996م في ضبط الحصص لفترة وجيزة وبدأت الأسعار تدخل في موجة تصاعدية إلا أن تلك الموجة لم تدم طويلا وبدأت في التدهور سريعاً في بداية عام 1998م نتيجة لتأثير عوامل خارجية منها الأزمة الاقتصادية في آسيا، وتفادياً للانهيار الكلي لأسعار النفط التي وصلت إليها آنذاك، لم تجد مجموعة دول أوبك للحفاظ على أسعار النفط إلا أن تتفق بشكل جماعي من خلال إمداد العالم باحتياجاته النفطية بصورة تتسق مع احتياجات الدول المستهلكة والمنتجة ومتطلباتها وذلك بالتحكم في كمية النفط الذي تنتجه، وقامت "أوبك" بتخفيض إنتاجها بمقدار ثلاثة ملايين برميل في عام 1999م، وبدأت الأسعار في الارتفاع إلى حدود 25 دولاراً للبرميل، واتبعت المنظمة خطة تهدف في ذلك إلى أن يكون سعر سلتها في نطاق 22 و28 دولارا للبرميل، وبمعنى آخر تطبيق ما يعرف بآلية ضبط الأسعار Price band mechanism، التي بمقتضاها تتم زيادة الإنتاج أو تخفيضه بين حد أدنى إذا وصل السعر 22 دولاراً وحد أعلى إذا بلغ سعر البرميل 28 دولارا للبرميل من سلة "أوبك"، ونجحت تلك الآلية خلال السنوات اللاحقة لتطبيقها بحيث ارتفع السعر خلال الفترة بين سنة 2000 و2003 إلى نحو 25 دولاراً للبرميل وتدرج إلى أن وصلت الارتفاعات إلى المستويات الحالية مما يدل على عجز "أوبك" في موازنة السوق النفطية نظراً لما توضحه موجات الارتفاع والانخفاض الحاد في الأسعار منذ إنشاء "أوبك" وحتى الآن، وخاصة الفترة ما بعد عام 2000م، فبرغم الارتفاع المستمر لأسعار النفط على فترة طويلة نسبياً إلا أن الطلب لا يزال على مستويات عالية وفي صعود مستمر.
ومن أسباب العجز الذي تواجهه "أوبك" كمنظمة منذ إنشائها، صعوبة العمل الجماعي بين أعضائها نظراً لتعدد الأطياف والاختلافات بينهم، وفي كثير من الأحيان قد لا تتفق مصالحهم بالضرورة نظراً لاختلافاتهم السياسية والجغرافية ومدى احتياجاتهم، وغالبا ما يصعب التوصل إلى إجماع على سياسة المنظمة الاقتصادية حيث يوجد في المنظمة دول تمتلك احتياطيات هائلة مع قلة تعداد سكانها نسبيا وترى البيع بأسعار معقولة للنفط، وتوجد دول بتعداد سكاني كبير وموارد قليلة وتضغط نحو رفع الأسعار. كما أن البعض يحتفظ بعلاقات طيبة مع الدول المستهلكة، والآخر من الأعضاء لا يشارك في تلك العلاقة. كما أن هناك عدم ثقة بين الأعضاء بشأن الالتزام بالفعل بالحصص المتفق عليها نظراً للتباين بين الأعضاء. ولقد كان الانخفاض المستمر في العوائد النفطية نتيجة سياسات الدول الصناعية أحدث اختلالا في ميزان المدفوعات وأثر سلبياً حتى في الاستقرار الاجتماعي لبعضهم وأوقعت كثيرا من أعضاء منظمة "أوبك" في فخ المديونية، ونتج عن شح الموارد تلك إلى العزوف عن الاستثمار في صناعة النفط نفسها وتقلصت الاستثمارات اللازمة لتوسيع طاقة إنتاج النفط، وتلاشت على سبيل المثال الاستثمارات في التنقيب عن حقول جديدة كما تناقصت الاستثمارات الموجهة للعناية بالحقول النفطية المنتجة، مما تسبب في تراجع قوتها ومستواها الإنتاجي، وحسب التقديرات العالمية فإن تلك الفترة من الكساد في أسعار البترول (1985م - 2000م) أسهمت في انخفاض نحو 15 في المائة من الطاقة الإنتاجية لدول أوبك. ولم تعر الدول الصناعية تلك الحقائق أي اهتمام من جانب، بالرغم من أهمية "أوبك" في استقرار الإنتاج التي برهنت عليه في السنوات السابقة على تطبيق السياسات البترولية المتفق عليها بسرعة وبدقة جنبت العالم الكثير من الصدمات النفطية الكثيرة التي كان من الممكن حصولها بسبب الانقطاع المفاجئ في الإمدادات. وتأسيساً على ذلك فإن ارتفاع الأسعار ليس بسبب "أوبك" وتقنينها الإنتاج كما يوحي البعض، فجميع الدول الأعضاء في منظمة أوبك بلغوا الحد الأقصى في الإنتاج نظراً لعدم توجيه الاستثمارات اللازمة لتنمية والحفاظ على القطاع النفطي لقلة الموارد، وتأسيساً على ذلك فلا صحة لما يثار من الجدل الاقتصادي والسياسي في البلدان المستهلكة، مما يقود ممثلي وقيادات تلك الشعوب من رجال السياسة في تلك البلدان إلى إثارة جدال سياسي ابتزازي لممثلي وقيادات تلك الشعوب من رجال السياسة في تلك البلدان المنتجة حول الدول المنتجة واستقرار أنظمتها السياسية، وعن تأمين إمدادات النفط للأسواق العالمية وتهديد تلك الدول الأعضاء في منظمة أوبك، التي في معظمها صغيرة، وابتزازها عسكري وحتى احتلالها كما هي الحال مع العراق، أو ابتزاز اقتصادي أو سياسي كما هي الحال مع إيران، أو حتى القانوني كما هي الحال الآن باتمام أمريكا الدول المصدرة للنفط بالاحتكار وإصدار قانون من شأنه أن يجرم الأوبك كمنظمة احتكارية تتلاعب بالأسعار، وما قد يترتب عليه رفع الحصانة عن أعضائها وتجريمهم بالتسبب في رفع أسعار البترول عن طريق الاحتكار، وأنهم يمثلون دولا شرهة تسعى إلى زيادة هوامشها الربحية من دون مراعاة تأثير ذلك في الاقتصاد العالمي. وفي خضم تلك المنازعات المختلقة والابتزاز القانوني والتهديد بالملاحقة القضائية، التي من الواضح أن ليس لها مستند قانوني أو اقتصادي، نرى أنه لا بد من طرح هذا الموضوع بشقيه السياسي والاقتصادي من وجهة نظر المنتجين التي لا تتعارض مع مبادئ القانون الدولي ويحقق طموحاتنا والتصرف بحرية مطلقة في ثرواتنا الوطنية الذي يجب أن يكون مستندا إلى واقع النفط الذي يكون التعامل معه بقدر كبير من التبصر والدراية والحكمة للتعرف على متغيراته ولاستيعاب معطياته. إن الاستراتيجية النفطية والقرارات التي تتخذ في شؤون النفط هي قرارات يجب أن يكون مضمونها يتناسب مع المنفعة الاقتصادية والاجتماعية للدول الأعضاء مع تعظيم دالة النمو الاقتصادي تحت المحددات المعروفة للمصدرين في تأمين حقهم من السوق ومكانتهم في الاحتياطي النفطي والعالمي وفائدته من العملية الإنتاجية التي يقوم بها تحت ظروف المحددات الجيولوجية والاقتصادية للاحتياطيات النفطية.
فالقرارات المتعلقة بالنفط يجب ألا تنصب فقط على قرارات تتمخض عن ردود أفعال أو عن نتائج السوق العالمية التنافسية التي تتحكم فيها الظروف العالمية من حرب وسلم أو نمو أو ركود اقتصادي أو تتحكم فيها الدول الصناعية الكبرى المستهلكة للنفط سواء أكان ذلك بالنية أم بالنتيجة، فمن صالح الدول الصناعية الكبرى أن تعمل على تحييد إمكانات اللاعبين الآخرين في السوق وتحميلهم المسؤولية السياسية والاقتصادية والقانونية ...إلخ. فعندما أخذت المملكة كأكبر منتج للنفط في المنظمة بزمام المبادرة في تحديد أسعار النفط الخام بحكم موقعها كمرجح للإنتاجSwing Producer ضحت المملكة في وقت من الأوقات بإنتاج كميات من النفط فاقت كثيراً احتياجاتها المالية ولم يتسع الوقت للتخطيط لاستيعابها، مما أدى إلى نتائج سلبية كبيرة على اقتصادياتها الوطنية، وسيطرة السلوك الاستهلاكي، وارتفعت معدلات التضخم المالي وتراجع سعر صرف الدولار الأمريكي الذي يمثل العملة الرئيسية للإيرادات النفطية..الخ، ثم انخفض سعر النفط وزاد إنتاج الأعضاء الآخرين في الأوبك وانخفض إنتاج المملكة كمنتج مرجح، وقلت وارداتنا المالية وتضخم العجز المالي مما أحدث أيضاً آثاراً سلبية معاكسة للحالة السابقة. لقد واجهت السعودية الطفرة المفاجئة بالفرح والطمأنينة ثم واجهت الانخفاض المفاجئ بالقلق وعدم الارتياح، وكانت استراتيجيات "أوبك" لا تعدو كونها آنية ولم تجد دوافع قوية لتبني سياسات ومقاييس تحد من التذبذبات في الدخل، ولم تتخذ استراتيجية أو سياسة تخدم المدى الطويل، وأن الأسباب وراء ارتفاع أسعار البترول في الوقت الراهن هي نتيجة للطلب العالمي المتزايد مع محدودية القدرة الإنتاجية ليس فقط من دول أوبك، بل أيضاً من الدول خارج "أوبك".
والاستراتيجية النفطية الفاعلة تؤخذ من متغيرات النفط الرئيسية التي تؤثر فيه كوحدة اقتصادية تعكس وجوهه المتعددة وأهميته كمادة أولية، وأهم مصدر للطاقة والصناعة من جهة، ومن جهة أخرى كمورد نادر وثروة ناضبة غير متجددة تنتهي باستنضابها، ورأسمال وطني عام موقوف تعد عائداته إيرادات رأسمالية عامة غير متكررة ويشكل أساس الدخل القومي والحكومي الذي يمثل دخل ناتج من جراء بيع أصل ناضب. كل هذا يحتم علينا تمييز هذه الثروة وعائداتها وأنها ليست كأي سلعة أخرى أو منتج آخر كالإنتاج الزراعي المتجدد أو الصناعي القائم على أساس تراكمي. وربما يتساءل أحدنا وهو محق في ذلك، أنه إذا اتبعنا هذا المنظور الشمولي للنفط مع الأخذ بالتزامات منظمة أوبك الدولية فلربما ينتج عنه تعارض في مصالح طرفي المعادلة المنتج والمستهلك، ولكنه معروف أن التعارض قائم وأزلي لا يمكن إزالته في سوق المزادات السياسية التي تتبعها الدول العظمى مع باقي دول العالم صغيرة وكبيرة. ولكن من الممكن تخفيض حدته. وبنظرة تجرد، ومن مبدأ العدل والإنصاف لماذا نتحمل المسؤولية الدولية وعبء سد حاجة الدول الصناعية الكبرى على حساب حاجات الدول الأعضاء في "أوبك" ومقدراتها وثرواتها النادرة. فهل قامت تلك الدول التي تتوقع من "أوبك" التضحيات تلو التضحيات في غلة نادرة كالنفط، هل قامت بدورها العالمي كأكبر منتج للغذاء والدواء، وقبلت بالمسؤولية في التسبب في مجاعات وفقر ومرض بعض دول العالم نتيجة لاحتكارها هاتين الغلتين القابلتين للتجديد التراكمي؟
ويتطلب الواقع الحالي من الدول المنتجة والمصدرة للنفط جميعاً التعامل مع الدول المستهلكة بواقعية وبعمل سياسي عقلاني وذي نظرة استراتيجية واضحة بدلا من المصادمات مع هذا أو ذاك على المستوى الدولي، ومن دون أعطاء تبريرات واهية عن أسباب ارتفاع أسعار البترول. والاستراتيجية النفطية يجب أن تنطلق من أساس عامل النضوب لهذه الغلة النادرة، وبشقيه الجيولوجي والاقتصادي مع إعطاء الثقل للشق الأول حيث إن الاستنتاج يكون دقيقاً وأقرب تقديراً للواقعية العلمية بخصوص نضوب مخزون معين، أما العامل الثاني وهو النضوب الاقتصادي المبني على الطريقة التي يتم بها استخراج البترول من المكمن والعناية بذلك، وأيضاً التوقعات غير المؤكدة مثل التوقع بعزوف العالم عن استعمال النفط لوجود بدائل أخرى أرخص ثمناً، فإن ذلك مهم من جهة أن نعتني بالمكامن والطريقة التي يتم بها استخلاص البترول من المكمن، ومن جهة أخرى فإن التوقعات بإيجاد بدائل للنفط فإن ذلك يكتنفه بعض الغموض، فهو تخميني، خاضع للتحاليل والتوقعات النظرية السياسية والاقتصادية. فالنضوب الفني أو الجيولوجي وتثمين المخزون بتقادم الزمن والعناية بالآبار والمكامن هو الذي يجب أن يكون الركيزة والمحور الذي تدور عليه جميع الخطط الاستراتيجية لتفادي النضوب الاقتصادي، مع الأخذ بعين الاعتبار التعويض المناسب للمورد الطبيعي الناضب وعن تضحيته بالأرباح المستقبلية، وأن هذا التعويض يأتي كجزء من سعر السوق. أي أن سعر السوق يجب أن يعكس التضحيات المباشرة وغير المباشرة التي يتحملها المالك من جراء إنتاج أو استخراج مورد طبيعي ناضب. حيث إن الندرة لهذا الاحتياطي تزداد كلما زاد معدل الاستخراج بينما تزداد تكلفة الاستخراج كلما امتد الاستخراج إلى مخزونات أو احتياطيات ذات جودة أو نقاء أقل. واختصارا، فإن الندرة وتناقص الاحتياطي يجب، في حد ذاته، أن يكون له تعويض اقتصادي مناسب، كتعويض عن العائدات المستقبلية التي تضيع مقابل استخراجه في الوقت الحاضر، كما أن اختلاف الجودة بين فترات الإنتاج وعوامل التضخم وعامل الغموض وعدم التأكد يجب أن تدرك وتؤخذ في الحسبان أيضا، فمنذ وقت طويل ومفهوم سعر البترول ومدخوله للدول المنتجة يكون نوعا ما مرتبطا بتكلفة إنتاجه، ثم تحسن الوضع وارتبط سعره بالتعويض عن برميل من النفط تم استهلاكه بالفعل، ولكن لا يزال سعر البترول داخل الدول المستهلكة للنفط وبعد إضافة الضريبة الهيدروكربونية يرتبط داخليا بتكلفة إحلال مصدر آخر معادل للطاقة محل برميل النفط, فأوروبا تفرض رسوماً تقدر بـ 70 في المائة على أسعار المشتقات البترولية المكررة، بينما تفرض أمريكا نحو 40 في المائة، وهذا الفارق في السعر يجب أن يكون من حق الدول المنتجة للبترول، حيث إنه من العدل أن يرتبط سعر البرميل توازنياً وتعادلياً بسعر تكلفة إحلال مصدر آخر معادل للطاقة محله.

استراتيجي وخبير في شؤون النفط

الأكثر قراءة