العالم لن يستغني عن النفط والغاز لتلبية نمو الطلب على الطاقة
أجمع المشاركون في الجلسة الختامية لفعاليات الندوات الوزارية المصاحبة لقمة "أوبك" والتي انتهت البارحة، على ما خرجت به في تقرير مستقل أعده باحثون متخصصون، أشار إلى أن العالم لا يمكن أن يستغني عن النفط والغاز الطبيعي لتلبية النمو المتوقع في الطلب على الطاقة، مشيرين إلى أن النمو السريع للاقتصاد العالمي يستدعي زيادات كبيرة في إمدادات الطاقة على مدى ربع القرن المقبل.
وأكد الآن كيلي، رئيس اللجنة التنسيقية في المجلس الوطني الأمريكي للبترول، في تقرير تناول مستقبل النفط في ظل وجود موارد الطاقة العالمية، أنه لابد من التوسع في كل مصادر الطاقة الاقتصادية لمقابلة الطلب، بما في ذلك الفحم والطاقة النووية والمصادر المتجددة والنفط والغاز من المصادر غير التقليدية، مبينا أن لكل واحد من مصادر الطاقة تحدياته الخاصة التي يجب التغلب عليها من أجل إنتاجه وتوريده واستعماله بشكل متزايد.
وقال كيلي في الجلسة التي رأسها البروفيسور رياض عبد اللطيف المهيدب، عميد كلية الهندسة في الإمارات، إن نتائج الدراسة التي أعدها المجلس الوطني الأمريكي للبترول بطلب من وزارة الطاقة الأمريكية لدراسة مستقبل النفط والغاز إلى سنة 2030م، تشير إلى وفرة المخزون في مواقع الإنتاج، كما أن مخزون الغاز الطبيعي يكفي لتلبية الحاجة المتزايدة إليه والتي قدرتها الاستشرافات المستقبلية للطاقة خلال فترة الدراسة.
وتناول التفرير بحث مستقبل الطاقة على مدى البعيد، إذ ركزت على الإمداد والطلب الأساسيين، مشيرة إلى أن التوازن التام بين الإمداد والطلب أمر في غاية الضرورة للأمن العالمي للطاقة، والتي منها توفير مخزونات استراتيجية كي تستجيب لانقطاع الإمدادات القصيرة.
نمو الطلب وامن الطاقة
وقال المجلس الوطني للبترول في الجلسة التي شارك فيها آري والتر، أمين عام منتدى الطاقة، عباس المجرن، أستاذ الاقتصاد من الكويت، سلام سميسم، مستشارة اقتصادية في العراق، محمد كليلا، من معهد العلوم السياسية من الجزائر، وجاري روس، من مجموعة أبحاث صناعة البترول من شركة "بيرا إنيرجي قروب"، أنه يتوقع نمو الطلب الإجمالي العالمي على الطاقة بنسبة 50 إلى 60 في المائة بحلول سنة 2030، ويعود ذلك لزيادة سكان العالم والسعي إلى تحسين مستويات المعيشة.
وحذر التقرير من أن هناك أخطارا متراكمة أمام تامين طاقة يتيسر شراؤها ويعتمد عليها لتلبية احتياجات هذا النمو، وهذه الأخطار تشمل العقبات السياسية ومتطلبات البنية التحتية وتوافر القوة العاملة المدربة، مشيرة إلى أن العالم يحتاج إلى كل موارد الطاقة التي تكون اقتصادية ومسؤولة بيئيا من أجل تأمين إمدادات كافية يمكن الاعتماد عليها.
وقال كيلي إن العالم سيواجه خلال السنوات الـ 25 المقبلة حقائق مستقبل الطاقة، والتي منها أن موارد الطاقة في العالم لم تنضب، ولكن الأخطار تتزايد نتيجة للتوسع في إنتاج البترول والغاز والطبيعي من المصادر التقليدية التي ظل الاعتماد عليها تاريخيا، وهذه الأخطار تخلق تحديات كبيرة أمام تلبية الطلب الإجمالي المتوقع على الطاقة.
وأكد أن تقليل هذه المخاطر يتطلب توسيع جميع مصادر الطاقة بما في ذلك الفحم والطاقة النووية والكتلة الحيوية ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى، والبترول والغاز من المصادر غير التقليدية، مبينا أن كلا من هذه المصادر تحديات كبيرة تتعلق بالسلامة أو البيئة أو السياسة أو عقبات اقتصادية، ومايترتب على ذلك من متطلبات بنية تحتية من أجل التطوير والتوريد.
وشدد التقرير على أنه يحب عدم الخلط بين "استقلالية الطاقة" وتقوية أمن الطاقة، إذ إن مفهوم استقلال الطاقة يعد غير واقعي في المستقبل المنظور، حيث يمكن تعزيز أمن الطاقة للولايات المتحدة، من خلال إبطاء
نمو الطلب وتوسيع وتنويع إمدادات الطاقة الداخلية وتقوية التجارة والاستثمار العالميين في الطاقة، مؤكدة أنه لا يمكن تحقيق أمن الطاقة لأمريكا دون تحقيق أمن الطاقة للعالم.
تقديرات الطاقة المستقبلية
يقول التقرير إن العالم يستعمل اليوم نحو 86 مليون برميل من النفط يوميا، إلا أن الاكتشافات الجديدة تستغرق من 15 إلى 20 سنة منذ مرحلة التنقيب حتى بداية الإنتاج الفعلي، كما أن إنشاء منصة بترول جديدة كبيرة قد يكلف مليارات الدولارات.
وزادت" هناك تفاوت كبير في تقديرات النفط المستقبلية بحيث تراوح بين أقل من 80 مليون برميل يوميا و120 مليون برميل في اليوم في سنة 2030، والسبب في هذا التفاوت الكبير هو الاختلاف في فهم مدلول هذه الأرقام غير الأكيدة.
وقال التقرير إن الكتلة الحيوية اليوم والتي تتكون من الأخشاب وروث البهائم الذي يحرق من أجل الحصول على الحرارة والإيثانول لا تشكل أكثر من 1 في المائة، من الطاقة المستمدة من النفط، كما شهد العالم نموا سريعا في انتاج الطاقة من الرياح والطاقة الشمسية، إلا أنه لا يشكل إلا 1 في المائة، وتمثل إمدادات الطاقة الهيدروكهربائية 2 في المائة من حجم الطاقة اليوم، فيما تسهم الطاقة النووية بنحو 6 في المائة من الطاقة العالمية.
وأضاف" يشكل الفحم اليوم ثاني أكبر مصدر للطاقة بعد النفط، ويتوقع عموما أن يوفر مزيج الفحم والغاز والنفط أكثر من 80 في المائة من احتياجات العالم من الطاقة في سنة 2030م، مما يفاقم التحدي المتمثل في تقييد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
خريطة الطاقة العالمية
يؤكد التقرير أن النمو في إنتاج الطاقة يلقى دعما من التجارة الدولية والأسواق المفتوحة إضافة إلى الاستثمارات الرأسمالية الموجهة نحو إنتاج الطاقة وتوريدها. ويتوقع المحللون زيادة حادة في استهلاك الطاقة في الدول النامية، بينما ينخفض إنتاج النفط والغاز الطبيعي في أمريكا وأوروبا، ويتطلب هذا الوضع زيادة كبيرة في التجارة الدولية في مجال النفط والغاز الطبيعي مما يستدعي إعادة رسم خريطة الطاقة في العالم.
ويؤكد المحللون - ممن يتوقعون النمو في شحنات النفط والغاز والطبيعي المسيل - أهمية تامين وسائل نقل وتجارة وتوريد فاعلة. بينما تثير في الوقت نفسه قلقا يتعلق بالجغرافيا والسياسية والبيئة والأمن.
وأضافوا" تمر أكثر من نصف حركة الطاقة بين الأقاليم المختلفة في العالم عبر خمس نقاط" قابلة للاختناق" من بينها: قناة السويس وخليج البوسفور ومضيقي هرمز وملقة.
الاستثمار في تطوير الطاقة العالمية
نوه التقرير إلى أن على الدول المستهلكة - ومنها أمريكا - استقطاب موردي الطاقة وتشجيع التجارة الحرة والاستثمار لزيادة الإنتاج العالمي من الطاقة والبنية التحتية، كما يتعين أن تتضمن المفاوضات الدولية وحول التجارة والدبلوماسية بشكل مستمر المواضيع الخاصة بالطاقة وذلك لإرساء حكم القانون والاستقرار المالي والفرص العادلة في الوصول إلى الطاقة والتطوير المسؤول بيئيا لمصادر الطاقة.
التصدي لتحديات الطاقة
وأوصى المجلس الوطني الأمريكي للبترول في تقريره بانتهاج خمس استراتيجيات أساسية لمساعدة الأسواق على التصدي لتحديات الطاقة إلى سنة 2030 وما بعدها، وقال" جميع هذه الاستراتيجيات مهمة إذ لا يوجد حل واحد سهل للتحديات المتعددة التي نواجهها، غير أننا على يقين من أن سرعة الأخذ بهذه الاستراتيجيات والالتزام بتطبيقها لتعزيز قدرة أمريكا على التنافسية.
وتلك التوصيات هي: ترشيد الطلب المتنامي على الطاقة وذلك بزيادة كفاءة النقل والاستعمالات المنزلية والتجارية والصناعية، توسيع وتنويع لإنتاج الطاقة من الفحم والطاقة النووية والكتلة الحيوية والطاقات المتجددة، دمج سياسات الطاقة مع السياسات التجارية والاقتصادية والبيئية والأمنية والخارجية، تقوية التجارة والاستثمار العالميين في الطاقة، وتوسيع دائرة الحوار مع الدول المنتجة والمستهلكة لتحسين أمن الطاقة عالميا.
وأوصى المجلس بتعزيز القدرات العلمية والهندسية وخلق فرص طويلة الأمد للبحث والتطوير في كل مراحل نظام العرض والطلب للطاقة، إلى جانب ضرورة تطوير الإطار القانوني والتنظيمي للتمكين من التقاف الكربون وعزله.
آراء المشاركين
ثم تحدث عدد من المشاركين في جلسات النقاش حيث أوضح جاري روس، من مجموعة أبحاث صناعات البترول، ( بيرا إنيرجي قروب ) أن للنفط طابعا فريدا لارتباطه بقطاع النقل الذي لا يمكن الاستغناء عنه في حياتنا اليومية .
وقال " إن النفط يتم استهلاكه من قبل الدول النامية أكثر من غيرها لأن النمو الاقتصادي يتطلب كميات كبيرة من النفط ".
وعزا ارتفاع أسعار برميل النفط لمجموعة من الأسباب منها ما هو سياسي كالحرب في العراق أو اقتصادي وليس نقصا في الإمدادات كما هو مشاع.
وحول تأثير "أوبك" في سعر النفط أكد أن المنظمة لها تأثير في السعر بشكل محدود جدا ولفترة وجيزة.
بعد ذلك تحدث أمين عام منتدى الطاقة، آرني والتر، حيث شدد على أهمية وجود الشفافية في مجال التعامل في الطاقة والنفط داعيا إلى تطوير البرامج لحماية البيئة من التأثيرات النفطية.
وأعرب عن اعتقاده أن الاعتماد على النفط سيستمر لمدة طويلة على الرغم من التحدث عن وجود بدائل للنفط مشيرا إلى أهمية تطوير تقنيات الطاقة البديلة لتوفيرها بسعر معتدل.
ودعا إلى أهمية وجود حوار بين المستهلكين والمنتجين للتوصل إلى اتفاق فيما يتعلق بالطاقة وإنتاجها بسعر مناسب للجميع.
من جهته، بين أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت، عباس بن علي المجرن، أن الدراسات التي أجريت حول موارد الطاقة اشتملت على موضوعات كثيرة مثل تكاليف التنقيب عن النفط والغاز والفحم والتقنيات المستخدمة فيها مستعرضا التحديات التي تواجه استخدامات الطاقة سواء على المستوى البشري أو البيئي.
وتحدثت المستشارة الاقتصادية العراقية سلام سميسم عن أهمية تقوية الصناعات النفطية وتطويرها وذلك باستثمار الارتفاع الحالي لأسعار النفط لتحقيق ذلك.
ودعت "أوبك" إلى المحافظة على حصتها في السوق العالمية. أثر ذلك تحدث الأستاذ في معهد العلوم السياسية في الجزائر، محمد سليم كليلا، عن أهمية تعليم وإرشاد الناشئة للمحافظة على وسائل الطاقة وترشيد استعمالهم له مشددا على أهمية تطوير أساليب المحافظة على الطاقة ومواردها وتخصيص الموارد المالية للمحافظة عليها.