تحديات الطاقة: التشكيك في قدرات المنتجين والاستثمار والتمويل والأيدي العاملة والبيئة
خرجت الجلسة الأولى من الندوات التي تسبق "قمة أوبك" المقرر عقدها يومي السبت والأحد في الرياض, التي كانت تحت عنوان "النفط والغاز: الأوضاع الحالية والتوقعات المستقبلية", بتأكيدات أن قطاع الطاقة في العالم يكتنفه "عدم اليقين أو التردد", من حيث مستوى الطلب أو الأسعار في السنوات المقبلة, وهذا الوضع بدوره يحدد بوصلة الاستثمارات المتعلقة بالاستكشافات والتصدير في الدول المنتجة. وعبر الدكتور سوبروتو الأمين العام السابق لمنظمة "أوبك" عن ذلك خلال الجلسة بقوله "إن اليقين في قطاع الطاقة .. هو "عدم اليقين".
وشارك في هذه الجلسة التي بدأها المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المدنية بكلمة ترحيبية ورأسها الدكتور شكيب خليل وزير الطاقة والمناجم في الجزائر, محمد هامل رئيس إدارة دراسات الطاقة في منظمة "أوبك" في فيينا, المهندس عبد الله العليم وزير الكهرباء والماء وزير النفط بالوكالة في الكويت, جالو تشيريبوجا زامبرانو وزير المناجم والنفط في الإكوادور, روبرت مابرو من معهد أكسفورد لدراسات الطاقة, والدكتور سوبروتو الأمين العام السابق لمنظمة أوبك. وتناولت الجلسة التحديات المستقبلية في قطاع الطاقة (النفط والغاز) والتوجهات الاستثمارية في ظل هذه التحديات.
وحددت الجلسة التحديات المرتبطة بالنفط في خمسة عناصر هي: التشكك في قدرة المنتجين على تلبية الطلب, الحصول على التمويل لضخ مزيد من الاستثمارات, زيادة الأسعار بما ينعكس سلبا على الاستثمار, توافر الأيدي العاملة في قطاع الطاقة, وخفض الانبعاثات من أجل حماية البيئة.
الجلسة بدأت بكلمة ترحيبية للوزير النعيمي أكد خلالها أن هذا الاجتماع (قمة أوبك ولقاء الوزراء المعنيين), يأتي في لحظة خصوصية مرتبطة بالأوضاع السياسية الدولية والتطور الاقتصادي العالمي, مشيرا إلى أن القمة تستحضر هذه الجوانب من خلال العناصر التي حددتها للمناقشة وهي: توفير الإمدادات النفطية, دعم الرخاء, وحماية البيئة.
وأكد الوزير أن هناك جملة من التحديات تواجه قطاع النفط في العالم, وهذه التحديات تجعل التعاون بين المنتجين والمستهلكين ملحا ويجب أن يكون تعاونا مطلقا يستهدف بالدرجة الأولى خدمة شعوب الكرة الأرضية جمعاء.
الوزير الجزائري الدكتور شكيب خليل الذي رأس الجلسة, بدأ الجلسة بالتأكيد على أن هناك احتياطيات نفطية تلبي حاجة مستقبل الاقتصاد العالمي, تتماشى مع الطلب على الطاقة الذي يتزايد مع مرور الوقت, مشيرا في هذا الجانب إلى تزايد الطلب من دول جديدة مثل الصين والهند, لكنه يشير إلى أنه رغم ارتفاع الطلب في الصين إلا أن متوسط استهلاكها لا يتجاوز أربعة براميل للفرد سنويا, في حين يصل في الولايات المتحدة إلى 20 برميلا لكل فرد, وهناك دول أقل من برميل. ويورد الوزير خليل هذه المقارنات للإشارة إلى أن الطلب المتنامي في الصين ليس كافيا لدفع الدول المنتجة إلى ضخ استثمارات إضافية للتنقيب والإنتاج. وأضاف أن الاستثمار في هذه القطاع يدفعنا للتفكير في "أن هناك عوائد كبيرة للاستثمار", وهذه العوائد هي المحفز الأول لمزيد من الاكتشاف والتصدير. الوزير الجزائري ختم حديثه بتجديد تأكيدات وزراء "أوبك" بأن لدى المنظمة التزاما أدبيا تجاه تلبية الطلب العالمي على النفط.
في شأن الاستثمار نشير هنا إلى أن المهندس علي النعيمي أعلن في مؤتمر صحافي قبل يومين أن إنتاج المملكة حاليا يبلغ تسعة ملايين برميل يوميا، وهناك خطة للوصول إلى 12.5 مليون برميل يوميا، كما أن هناك فائضا في الإنتاج يبلغ 2.3 مليون برميل يوميا، إلى جانب أن الرياض تسعى لإضافة نحو 500 ألف برميل من الزيت العربي الخفيف يوميا.
محمد هامل رئيس إدارة دراسات الطاقة في منظمة "أوبك" في فيينا, بدأ ورقته التي عرضها أمام الجلسة التي ستشرف الطلب على النفط حتى عام 2030, بالتأكيد على أن النفط سيظل مصدرا أساسيا للطاقة حول العالم خلال الـ 23 عاما المقبلة, وسيستقطع قطاع النقل أكثر من نصف الطلب. وقال إن دول الغرب ستبقى المستهلك الأكبر حتى ذلك العام, وسيبقى استهلاك الصين – رغم نمو الطلب فيها – أقل خمس مرات من استهلاك أمريكا. وقال هامل إن الفترة المقبلة ستشهد ظهور موارد نفطية غير تقليدية في دول "أوبك", حيث سيزداد إنتاج الغاز وكذلك المنتجات النفطية, لكن ذلك يتطلب من الدول المنتجة وتحديدا "أوبك" تطوير قدرات التكرير والتصنيع بحيث يتم تسليم المستهلكين منتجات نفطية, وهذا سيرفع من مستوى الطلب والاعتمادية على النفط في الدول المستهلكة.
ولخص رئيس إدارة دراسات الطاقة في "أوبك" التحديات التي تواجه قطاع الطاقة حول العالم أربعة عناصر. أولها, التشكك والريبة في مستوى الإنتاج والتساؤلات في الغرب حول قدرة الدول المنتجة وخاصة "أوبك" على تلبية الطلب, وهذا يؤثر بدوره في الاستثمارات في الاستكشافات, فقد يقود هذا التشكك إلى تخفيض الدول المستهلكة اعتمادها على النفط وهذا الأمر يؤثر بالتالي في اتجاهات الدول المنتجة إلى مزيد من الاستثمارات, وباختصار فأن مستوى العرض يسير جنبا إلى جنب مع مستوى الطلب.
التحدي الثاني, هو التمويل, ويقول هامل إن الحصول على التمويل ليس صعبا, لكن الممولين ربما يشوب قراراتهم بعض التردد وسيربطون ذلك بالتقديرات المستقبلية للأسعار, وهو أمر من الصعب تقديره باعتبار أن الأسعار ترتهن حاليا للمضاربات بالدرجة الأولى ثم لقدرات مصافي التكرير (العنصران موجودان بشكل أكبر في الدول المستهلكة وتحديدا في أمريكا وأوروبا).
التحدي الثالث هو زيادة الأسعار إلى مستويات قياسية تنعكس بدورها سلبا على الاستثمار ومستوى الطلب العالمي. أما التحدي الرابع فاعتبره هامل متركزا في الأيدي العاملة وندرتها في هذا القطاع وارتفاع تكلفتها, وهذا يتطلب تطوير تقنيات حديثة تتجاوز هذا التحدي وتلبي في الوقت نفسه متطلبات البيئة. والتحدي الخامس هو خفض الانبعاثات الغازية من أجل حماية البيئة, لكن هامل يقول إن هذا التحدي يجب أن يتحول إلى فرص بحيث نتوسع صناعيا واستثماريا في استخدام تقنيات تحافظ على البيئة وتبقي النفط عنصرا رئيسا في الطاقة العالمية. ختم هامل ورقته بالتأكيد على أن دول "أوبك" تضخ مليارات الدولارات في الاستثمارات في قطاع النفط وهذا انعكاس على التزامها بضمان الإمدادات.
المهندس عبد الله العليم التقط الحديث للإشارة إلى أن بلاده الكويت تضخ استثمارات إضافية للاستشكاف النفطي وسترفع إنتاجها إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا عام 2008, وهو أورد هذا الرقم للتأكيد على أن الأسعار الحالية في الأسواق لا ترتبط بالإنتاج وهي تخضع لعوامل عديدة من بينها آلية التسعير في أسواق المال, واستشهد بما أصاب سعر النفط خلال أزمة أسواق المال وهي الأزمة التي حدثت بفعل الرهن العقاري عالي المخاطر في أمريكا في آب (أغسطس) الماضي.
وزير نفط الإكوادور أكد أن المستقبل يتسم بالنمو على النفط, لكن التشكيك يسود أوساط المستهلكين والمنتجين على حد سواء حول مستويات النمو واستمراريتها. وأكد الوزير جالو أن دول "أوبك" لا شك مطالبة بإيجاد تقنيات تراعي البيئة في استثماراتها, على أن يقابل ذلك ردة فعل إيجابية من المستهلكين.
روبرت مابرو من معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة, اتفق مع الوزراء أن الغموض يكتنف مستقبل أسعار النفط وبالتالي فهناك وجهات نظر متناقضة حول الاستثمار في القطاع فكل وجهة نظر تخص مستوى الاستثمار تبنى على توجهات الأسعار, لكن مابرو أكد أن الطلب على النفط سيزيد 13 مليون برميل سنويا بحلول عام 2015 أي بواقع 1.5 مليون برميل يوميا. وتابع أن هناك عوامل أخرى تدخل على خط الاستثمار غير مستوى الأسعار, وهي الشركات المستثمرة التي يحدد قرارها المساهمون فهل يؤيدون توجهات الشركة أم يرفضونها, وموقف المساهمين سيتم وفقا لما يتاح لهم من تقديرات دقيقة عن الأسعار مستقبلا, كما أن شركات التنقيب والحفر تتخذ قرار الاستثمار وفقا لمعطيات تراعي حجم الآبار واحتياطياتها, وفتح الباب للشركات للاستكشاف لا يعني أنها ستتنافس على الفرصة بل ستخضعها لحسابات دقيقة حول الحجم الذي ستستخرجه من هذه المواقع. ويضيف مابرو عاملا آخراً يرتبط بالاستثمار في قطاع النفط وهو العامل السياسي، ويضرب هنا مثلا بالعراق الذي لم تتمكن الشركات حتى الآن من العمل فيه وإخراج نفطه للأسواق العالمية. ويختم مابرو مداخلته بالقول إن "أوبك" بالفعل لا تحدد أسعار النفط، فالسعر مرتبط بما يحدث في الأسواق المالية, وهذا العامل ربما يحد من الاستثمارات في دول "أوبك" فهي لا تستطيع وضع تقديرات للأسعار تبني عليها قرارات الاستثمار فربما تقود أسواق المال السعر إلى مستويات متدنية لا تتوافق مع المليارات التي تضخها الدول في الاستكشافات.
سوبورتو الأمين العام السابق لمنظمة "أوبك" بدأ حديثه بالقول إنه شخصيا يتوقع أن يتخطى سعر البرميل عتبة 100 دولار (كرر أقول هذا من وجهة نظر شخصية), وأعاد هذا التقدير إلى ثلاثة عوامل هي: المضاربة في بورصات النفط, الشتاء, وتدهور الدولار.
ثم عرج الأمين السابق على استهلاك النفط، مشيرا إلى أن العالم يستهلك حاليا 84 مليون برميل يوميا 29 مليون برميل منها من داخل "أوبك", وقال إن الإنتاج من المنظمة يزيد ويقابله تناقص في الإنتاج من خارجها, وهذا يعني أن مسؤولية دور الشركات النفطية الوطنية في "أوبك" تزيد, وهذا يعني أيضا تحديدا جديدا للمنظمة, حيث يتزامن مع ذلك ارتفاع تكلفة الإنتاج ونقص الأيدي العاملة في القطاع.
في جانب حديثه عن مأمونية الإيرادات ضرب مثلا بمضيق ملقا بين ماليزيا وإندونيسيا الذي يعبره يوميا 12 مليون برميل من النفط باتجاه الدول المستهلكة في آسيا, وهذا يحدث مخاوف من حدوث تصادمات بين الناقلات وبالتالي حدوث إشكالية بيئية, وهو يقترح التوسع استثماريا في خطوط الأنابيب التي تنقل النفط متى ما توافرت العناصر الجغرافية المواتية، وذلك لتجاوز مثل هذه الإشكالية مستقبلا, ويعتقد أنه من شأن هذا التوسع الرفع أيضا من مستوى الطلب على النفط في العالم. سوبروتو ختم حديثه بالتأكيد على أن "عدم اليقين" يشوب مستقبل النفط من حيث الأسعار والإنتاج أيضا, لكن "أوبك" رغم ذلك ماضية في اتباع نهجها الذي راعته منذ تأسيسها عام 1970 وهو: رفاهية العالم, رفاهية شعوبها، الحفاظ على البيئة.