فقه القواعد
في قواعد أحكام الشريعة (المشقة تجلب التيسير)، وهذا معنى كلي مبناه جملة من دلائل الكتاب والسنة العامة والخاصة، وهذا القاعدة الكلية أجرى الفقهاء عليها جملة من التطبيقات، وصارت مناطا لجملة من مفصل الأحكام التي خُرجت على الأحكام المنصوص عليها في هذا الباب. وفي الجملة فهذه القاعدة من أخص القواعد في ترتيب الأحكام، لكن يبقى أن ثمة قدرا من الإجمال في المشقة المقتضية للتيسير، وحد التيسير الذي يمكن.
والمقصود أن هذه القاعدة مبنية على جملة من الأصول والأدلة، ولا يقع تطبيق مناسب لها إلا من فقيه عارف بدلالات الألفاظ، ويكون عارفا بفروع الفقهاء؛ إذ من المحفوظ أن من المشقة ما يحتمله التكليف، وإن كان في مفصل دلائل الشارع عناية برفع المشقة عن المكلفين، تلك المشقة التي قصد الشارع رفعها حتى يقع فقه واعتدال في تخريج الفروع على القواعد تخريجا مناسبا من حيث المنهج الفقهي، فإن الإجمال المصاحب لكلمة (المشقة، والتيسير) هو سبب كثير من الوهم، إما بوجه من الإفراط أو التفريط عند حديث العهد بالعلم، وقد قال الإمام أحمد: (أكثر ما يخطئ الناس من جهة المجمل والقياس).
وهنا فإن من فاضل الفقه القصد إلى ضبط المصطلحات إلى وجه من المعاني العلمية المرتبة بعيدا عن الذوق العارض المتحصل من الطبيعة البشرية المتقلبة، فربما أغلق ما مقتضى الشريعة اليسر فيه، وربما كان ما يظن يسرا تجاوزا لحكم مضى به نص أو إجماع ونحو ذلك، وهذا يتولد عن أخذ الحقائق العلمية بنفس من الذوق وإملاء الطبيعة. والواجب اعتبار هذا الباب وغيره من العلم بما شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بوجه من الفقه الراسخ الذي مضى عليه أئمة الفقهاء، حتى يصار إلى تحصيل ضبط لمقاصد الشارع وما تضمنته هذه الشريعة من اليسر المذكور في مثل قوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) مع تعظيم أمر الله ورسوله وصدق الاتباع، والله الهادي.