مخلخل الأمن إنما هو مزعزع لأمن نفسه .. ألا يفكر كيف يحل عليها لضعف محل القوة والكدر مكان الصفاء ؟!
أكد الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم إمام وخطيب المسجد الحرام أن استتباب الأمن في المجتمعات يأتي نتيجة لما جاءت به الشريعة الغراء من قدرة على تطبيق الحدود والعقوبات الصارمة، وقد أسهم تطبيقها في حفظ الأمة في قضاياها فيما يتعلق بالحق العام والحق الخاص.
بل إن من المسلّم في الشريعة، قطع أبواب التهاون في تطبيقها أياً كان هذا التهاون، سواء كان في تنشيط الوسطاء في إلغائها، أو الاستحياء من الوقوع في وصمة نقد المجتمعات المتحضرة.
فحفظاً للأمن والأمان؛ غضب النبي على من شفع في حد من حدود الله بعدما بلغ السلطان، وأكد ذلك بقوله: "وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها". وما ذاك إلا من باب سد الذريعة المفضية إلى التهاون بالحدود والتعزيرات، أو التقليل من شأنها.
وأوضح الشريم أنه حين يدب في الأمة داء التسلل الأمني؛ فإن أفرادها بذلك يهيلون التراب على تراث المسلمين، ويقطعون شرايين الحياة عن الأجيال الحاضرة، والآمال المرتقبة.
وهم يخدمون بمثل هذا - عن وعي أو عن غباء – الغارة الاستعمارية على ديار المسلمين، من خلال أعمال خرقاء تزيد السقم علة، والطين بلة؛ فيطاح بالمسلمين، وتوصد أبوابهم أمام الحياة الهانئة الآمنة.
وقال إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولأجل أن نعرف حقيقة الأمن وصورته فلابد أن تكون هذه المعرفة متصفة بالشمولية، وألا تكون ضيقة العطن، مستهجنة الطرح، من خلال قصر بعض الأفهام حقيقة الأمن على ناحية حماية المجتمع من الجرائم فحسب، وأن يقصر مفهوم حمايته على جناب الشرط والدوريات الأمنية في المجتمعات عامة. كلا، فالحديث عن الأمن ليس مقصوراً على هذا التصور البسيط، إذ الحقيقة أشد من ذلك والخطب أعظم بل إن المواطن نفسه رجلاً كان أو امرأة – ينبغي أن يكون رجل أمن، ورجل الأمن ما هو إلا مواطن صِرْف فإذا استحضرنا هذا التصور بما فيه الكفاية، وجب علينا بعد ذلك أن نعلم شمولية الأمن، وأنه ينطلق بادي الأمر في عقيدة المجتمع، وارتباطه الوثيق بربه، والبعد عن كل ما من شأنه أن يوقع أفراده في الخوف بدل الأمن، والزعزعة بدل الاستقرار.
وأبان أن أول الواجبات الأمنية: البعد عن الشرك بالله في ربوبيته، أو ألوهيته، أو حكمه، أو الكفر بدينه، أو تنحية شرعه عن واقع الحياة، أو مزاحمة شرع غير شرعه معه بالغة ما بلغت المبررات المغلوطة. "?لَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـ?نَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ?لاْمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ" [الأنعام:82].
الأمن بهذه الصورة هو المطلب الأول، واعتبر أن كل مزعزع للأمن ومخلخل له إنما هو بادي الرأي يزعزع أمن نفسه ووالديه وبقية أسرته، قبل أن يزعزع أمن غيره من الناس، كل هذا يبدو واضحاً جلياً، في مثل كأس خمر، أو قتل نفس، أو جرعة مخدر، أو هتك عرض، أو إحلال فساد بين الخلق، بمثل ذلك تنسلخ مواقع مثل هذه الأمور عن إنسانيته وإسلاميته، ويتقمص شخصية الإجرام والفتك، والفاحشة والإضلال بالمسلمين؛ فيشل الحياة، ويهدم صرح الأمة.
وأشار إلى أنه متى امتد شذوذ المرء ليشمل الآخرين، ويمس من أهله ومجتمعه فإنه لا محالة، يعرض نفسه لحتفه بالغاً ما بلغ من العنفوان والشجاعة، وإلا لو فكر مزعزع الأمن ملياً في مصير والده ووالدته حينما تأخذهما الحسرات كل مأخذ، وهما اللذان ربياه صغيراً، يتساءلان في دهشة وذهول، أمِن المعقول أين يكون من ولدناه تحت ناظرنا معول هدم لأمن المجتمع وصرحه؟!!
وتساءل فضيلته أما يفكر مزعزع الأمن في زوجه وأولاده الذين يخشى عليهم الضياع من بعده والأسى من فقده؟! ألا يشعر أن زوجه أرملة - ولو كان حياً؟!-.
وأضاف ألا يفكر مزعزع الأمن كيف يحل عليه الضعف محل القوة، والهم من نفسه محل الفرح، والكدر مكان الصفاء؟! حيث لم يعد يؤنسه جليس ولا يريحه حديث، قلق متوجس، كثير الالتفات. فكيف يصل إلى منشوده ومبتغاه؟! بعد أن يسأم الحياة بفعله الشاذ، والذي سيجعله قابعاً في غياهب السجون بسبب جرمه، فضلاً عما يخالج أنفاسه وأحاسيسه، من ارتقاب العقوبة كامنة.