بين ألن جرينسبان ومحافظ مؤسسة النقد السعودي
حتى لو كان ألن جرينسبان هو من نصح دول الخليج بتعويم عملاتها، وحتى لو قال محافظ مؤسسة النقد السعودي بوجوب بقاء السياسة النقدية كما هي دون تغيير، سنظل نطالب برفع قيمة الريال أمام الدولار مع بقاء الارتباط به حتى توحيد العملة الخليجية الموحدة. لقد قال جرينسبان بتعويم العملة الخليجية لأن ذلك سيخفض معدلات التضخم، وهو محق في ذلك لو كانت دول الخليج أكثر تنوعاً في صادراتها، أو أن صادرات النفط تسعر بسلة عملات متنوعة. ولذلك فالتعويم ليس خياراً آنياً، ولا يمكن تطبيقه في المملكة بالذات لعدة أسباب، أهمها استمرار اعتمادنا على مصدر وحيد للدخل هو النفط (المسعر بالدولار)، وضرورة وجود مجلس لإدارة العملة، لا تمتلكه المملكة، ولا تمتلك الخبرة الكافية في ذلك المجال. وسيكون اقتراح جرينسبان محقاً في المدى الطويل وفي حال تنوع اقتصاد المملكة أو توحيد العملة الخليجية المخطط له في 2010.
ولا لإصرار صانعي السياسة النقدية على الاستمرار ببقاء سعر صرف الريال أمام الدولار ثابتاً، كما هو الآن عند 3.75 ريال لكل دولار، ذلك أن الريال السعودي يجب أن يعكس اقتصاداً سعودياً قوياً، على عكس الدولار الذي يشهد تراجعاً مع تراجعات الاقتصاد الأمريكي. ورغم أن الرئيس الأمريكي يريد دولار قوياً فهو لا يعني ما يقول. فالاقتصاد الأمريكي بدأ يشهد تحسناً ملحوظاً في ميزان مدفوعاته والحساب الجاري وتحسناً كذلك في عجز الموازنة الحكومية، ناهيك عن أن دولاراً ضعيفاً سيساعد الاقتصاد الأمريكي على الحفاظ على مركزه في التجارة الدولية كأكبر شريك للتجارة الدولية مع الدول الرئيسة، وبالتالي الحفاظ على دوره في الاقتصاد العالمي، ويبدد المخاوف التي ترى أن مراكز التجارة العالمية بدأت تتجه إلى الشرق. أما بالنسبة للمملكة، فليس هناك مبرر لرفع قيمة الريال إلا المخاوف من التكلفة على الاقتصاد المحلي. ولم نر أو نسمع أرقام تلك التكلفة من صانعي القرار المالي، فنحن نريد معرفة حجم تلك التكلفة، وهل تبرر هذا التمسك بالسياسة النقدية الحالية؟
لقد قلت في عدة مناسبات إن رفع قيمة الريال أمام الدولار مع بقاء الارتباط به سيرفعان الدخل الحقيقي للمواطن والمقيم، وسيزيدان القوة الشرائية، وسيغنيان عن رفع المرتبات العشوائية وغير المدروسة، وسيعكسان قوة اقتصادنا المحلي الذي يشهد ارتفاعاً استثنائياً في الاستثمارات، وفائضاً كبيراً في ميزان المدفوعات، مع فائض متواصل وقوياً في موازنة الحكومة. إن مخاوف صانعي القرار من انخفاض ميزان المدفوعات، وقيمة الاستثمارات الأجنبية، وانخفاض مستويات الفوائض في الميزانية لا تبرر التشبث بالسعر الحالي للريال أمام الدولار، لأن بقاء القيمة الحالية للريال يعني أن القيمة الاسمية للاقتصاد الكلي مرتفعة للغاية، كما هو الحال في معدلات التضخم المرتفعة حالياً. أما فعلياً (حقيقياً) فإن الاقتصاد السعودي يشهد تباطؤاً كما أشارت معدلات النمو الاقتصادي الحقيقي في السنتين الأخيرتين. وحتى نشهد ارتفاعاً حقيقياً في مؤشرات النمو الاقتصادي (ميزان المدفوعات، الموازنة العامة للدولة، ودخل الأفراد) لا بد من رفع قيمة الريال أمام الدولار. لأن ذلك ببساطة سيساعد على خفض معدلات التضخم، وبالتالي زيادة القوة الشرائية للريال.
نحن لا نحتاج إلى جهابذة في الاقتصاد مثل ألن جرينسبان ليرشدنا إلى الحلول، نحن نحتاج إلى التخلي عن المحافظة الشديدة في تغيير السياسات الحكومية، ونقدم على التغيير. فنحن في عصر يشهد تغيرات كبيرة ومتسارعة في الاقتصاد الدولي، وفي وضع اقتصادي مناسب جداً، وإذا لم نمتلك الشجاعة ونقدم على تغيير جريء في سياستنا النقدية الآن، فإن عوامل اقتصادية خارجية قد تجبرنا على التغيير في الوقت الخاطئ، لتصبح تكلفة التغيير عندئذ مرتفعة ومؤلمة للغاية.