" أحكام قضائية عقارية (4) "
ومن أحكام المدونة القضائية الصادرة عن وزارة العدل: الصك رقم 39/6/6 الصادر عن المحكمة الكبرى" العامة" في الدمام بتاريخ 14/1/1414هـ والمتضمن دعوى شخص على آخر غائب ويذكر المدعي أن الغائب قد باعه كامل بيته الموصوف في الدعوى بموقعه ومساحته ووثيقة التملك, وأن البائع قد تسلم الثمن ووقع على وثيقة المبايعة, ووعده أن يفرغ له العقار لدى الجهة المختصة " كتابة العدل" إلا أنه لم يحضر في الموعد, وأنه لم يجده بعد ذلك, وقد قدم البائع وثيقة المبايعة للمحكمة والمتضمنة تأكيد ما ورد في دعواه من جهة البيع, كما أحضر شاهدين شهدا على صحة البيع وتفاصيله, وجرى تعديلهما, ثم قرر القاضي أنه جرى البحث عن المدعى عليه الغائب بواسطة الجهات المختصة في السجن والمستشفى ومن خلال عمد الأحياء, كما جرى الإعلان في صحيفة "اليوم" بإقامة الدعوى وضرورة مراجعة المدعى عليه للمحكمة, وبعد هذه الإجراءات واستنادا إليها فقد قرر القاضي ثبوت واقعة البيع, وأن ملكية البيت انتقلت إلى المشتري المدعي, وأن الغائب على دعواه متى ما حضر, وقد صدق الحكم من محكمة التمييز بالقرار رقم 145 في 19/3/1414هـ.
وتعليقا على هذا الحكم أشير إلى ما يلي:
أولا: الواضح من الحكم أخذه بما تقرر في الفقه الحنبلي – وهو المستقر قضاء في المحاكم- أنه يُحكم للغائب بالبينة, وهي هنا وثيقة المبايعة, والشاهدان العدلان, أما في حال لم يوجد بينة فإن القضاء – في الغالب – لا يحكم له, وهذا يؤكد: ضرورة توثيق المبايعات, والأشهاد عليها, وهو ما ورد الأمر به في الآية ".. وأشهدوا إذا تبايعتم..".
ثانيا: من المبادئ القضائية المستقرة في قضاء المحاكم: تقرير أن الغائب على حجته متى ما حضر, وهو مبدأ عدلي يحفظ الحقوق للطرفين, حيث لا يؤخر المدعي عن حقه, ولا يمنع المدعى عليه من تقديم بينته في حال حضوره, وكل ذلك مع توفير الضمانات اللازمة للمدعى عليه - كون الأصل خلو ذمته من الالتزامات- بالبحث عنه من خلال الجهات المختصة والإعلان في الصحف, وطلب البينة من المدعي على دعوها.
والمراد في أن الغائب على حجته هو: حقه في طلب إعادة القضية إلى المحكمة لتقديم ما لديه من بينات لنقض الحكم الصادر ضده, وهذا في الحقيقة هو ما تقرره قوانين المرافعات, وأخذ به نظام المرافعات الشرعية في المملكة لاحقا, من جواز طلب التماس إعادة النظر في الأحكام الصادرة غيابيا.
ثالثا: تقرير ضرورة رفع الحكم إلى محكمة التمييز لتدقيقه, وهي ضمانة أخرى للمدعى عليه الغائب, وذلك للتحقق من صحة الجوانب الإجرائية والموضوعية وتوافقها مع الفقه والنظام.