هل تبادر الوزارة "لإثارة اهتمام" الطلاب بالعلوم؟
إذا وزارة التربية والتعليم مازالت تبحث كيفية الاستفادة من التسعة مليارات ريال التي اعتمدها خادم الحرمين الشريفين لتطوير التعليم، هنا نقدم مقترحا لعله يثير اهتمام الوزارة. وهذا المقترح هو مشروع لإثارة اهتمام الطلاب بالعلوم وحفزهم إلى تطوير الاتجاهات النفسية الإيجابية للإقبال على المواد الأساسية كالرياضيات والعلوم والهندسة، والمشروع لم آت به، بل هو تجربة طرحت في أمريكا وقادها وأشرف عليها جون كريج فنتر كبير العلماء الذين قادوا الاكتشافات الكبرى في علم الجينات.
في محاضرة مهمة بعنوان (عالم يدفعه الحامض النووي DNA) ضمن محاضرات ومبلبي في بريطانيا في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أكد فنتر أن التعقيدات والمشكلات الحيوية التي يواجهها عالمنا المعاصر تتطلب الاهتمام المكثف بالعلوم حتى تتمكن البشرية من مواصلة الاكتشافات الحيوية التي تساعد على مواجهة المشكلات والمخاطر، يقول: "إن الكوكب الذي نعيش فيه في أزمة، ولذلك ينبغي أن نحشد جميع قوانا الفكرية لإنقاذه ويكمن أحد الحلول لهذه الأزمة في بناء مجتمع يتسلح بالمعرفة العلمية لكي نحافظ على بقائنا".
وهنا يشير إلى أن عملية التغيير تبدأ من الأطفال. يقول: "علينا أن نبدأ بأطفالنا: بتعليمهم، بدلا من الاستذكار، ملكات الاستكشاف والتحدي وحل المشكلات في محاولة لفهم العالم المحيط بهم، وخاصة العالم الذي لا يستطيعون رؤيته والإحساس به بشكل مباشر، ولعلنا نستطيع البدء أيضا بتغيير أسلوبنا في تدريس العلوم في مدارسنا". وبعد بروز مؤشرات مخيفة لتراجع المعرفة الأساسية للعلوم في أمريكا، رأى مع زملائه العلماء في (معهد فنتر) ضرورة العمل لتغيير هذا الوضع عبر تجريب أساليب جديدة لإثارة اهتمام الطلبة بالاكتشافات العلمية. في سياق هذا التوجه، طور في معهد فنتر مختبرا متنقلا لأبحاث التسلسل الجينومي ووضع هذا المختبر في حافلة وذلك لإحضار هذا العلم إلى طلاب المدارس من سن 12 إلى 13 سنة لتفتيح مدارك هؤلاء الطلاب وإطلاعهم على أسلوب العلم في حل المشكلات وعلى مقدار الإثارة في العلم، يقول: "وبعد ذلك ومن خلال العمل مع المدارس طورنا وحدات تعليمية ليقوم بتدريسها مدرسون متحمسون للغاية عبر إعطائهم التدريب العملي المباشر. وكانت النتائج مذهلة. وفي حين أن كثيرين أعربوا في البداية عن تشككهم في جدوى البرنامج، لأنه كان جديدا ومختلفا عن خطط الدروس المعهودة، إلا أن لدينا الآن قائمة انتظار تضم أسماء الراغبين في المشاركة، ونتلقى باستمرار مكالمات هاتفية ورسائل إلكترونية من الآباء والمدرسين الذين يريدون من الحافلة أن تأتي إلى مدارسهم".
وجزء من هذا البرنامج يقوم على الدروس الميدانية للطلاب لإيضاح (أهمية العلم) في حل المشكلات، مثل استخدام الحامض النووي في مسرح الجريمة. يقول فنتر: "لو أنني درست العلوم على هذا النحو الذي يحاكي العالم الحقيقي فربما كانت تجربتي التعليمية أفضل بكثير مما كانت عليه ولتمكنت في مرحلة مبكرة من تشكيل اهتمام أقوى بالعلوم".
ثم يسوق فنتر في محاضرته تجارب أخرى مثل تجربة إحدى الجامعات في فرجينيا وذلك لتدريس العلوم والتي تركز على تدريس الطلاب لكي يقوموا بمحاكاة العلماء عبر تشجيعهم للقيام بتجارب صمموها بأنفسهم بدلا من التجارب الموجودة في الكتب التي عفا عليها الزمن، ويرى فنتر أن هذا الأسلوب يحقق المتعة الفكرية، يقول: "لا توجد متعة فكرية أعظم من طرح الأسئلة التي تبدو في ظاهرها سهلة حول الحياة، ثم تصميم تجربة للعثور على الأجوبة والعثور على اكتشاف جديد". وهذا الأسلوب في التعامل مع العلوم مهم لأننا ـ كما يقول ـ في حاجة إلى أجيال من الأطفال تضرب بجذورها في أرض الواقع وتتعلم اتخاذ القرارات استنادا إلى الأدلة المتوافرة ليكون ذلك فلسفة حياتهم.
هذا المشروع البسيط لإثارة الاهتمام بالعلوم يمكن تبنيه في المملكة لإثارة اهتمام الطلاب وتعزيز اتجاهات الإيجابية نحو العلوم، فإذا كانت أمريكا وبريطانيا وألمانيا قلقة على مستوى تعلم العلوم والرياضيات في مدارسها، فماذا نقول نحن؟
وإن بناء قاعدة قوية في العلوم الأساسية الهدف منه تكوين بيئة معرفة قادرة على توليد العلماء وبالتالي تقديم الاكتشافات والحلول العلمية للمشكلات التي يواجهها مجتمعهم وتواجهها البشرية. هذا برنامج بسيط، ولكن فائدته عظيمة، فهل تبادر الوزارة بالتعاون مع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم إلى تبني مثل هذا المشروع؟
* (نص المحاضرة نشر كاملا في مجلة "المجلة" العدد 1463 بتاريخ 24/2/2008).