من الجزائر إلى فنزويلا وصولا إلى الرياض.."أوبك" والدور العالمي

من الجزائر إلى فنزويلا وصولا إلى الرياض.."أوبك" والدور العالمي

يأتي انعقاد ثالث قمة في تاريخ المنظمة الدولية للدول المصدرة للنفط" أوبك" في الرياض، لتأكيد حرص أعضاء المنظمة على استقرار أسواق البترول العالمية بما يخدم مصالح الدول المنتجة والمستهلكة والصناعة البترولية والاقتصاد العالمي وبالأخص اقتصادات الدول النامية. وستركز القمة خلال عقدها لمدة يومين على ثلاث قضايا وهي توفير إمدادات الطاقة تدعيم الرخاء العالمي وحماية البيئة إضافة لجهود المنظمة في استقرار أسواق النفط العالمية. وكانت القمة الأولى لأوبك قد عقدت في الجزائر عام 1975، في حين استضافت فنزويلا القمة الثانية عام 2000 ويبلغ عدد الدول الأعضاء 12 دولة وهي السعودية، الجزائر، أنجولا، إندونيسيا، إيران، العراق، الكويت، ليبيا، نيجيريا، قطر، الإمارات وفنزويلا.

"أوبك" تاريخ من الأزمات

منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) منظمة دائمة، أنشئت من قبل حكومات كل من إيران والعراق والكويت والسعودية وفنزويلا، وذلك خلال انعقاد أعمال مؤتمر بغداد في الفترة من 10 إلى 14 أيلول (سبتمبر) 1960، وبعد ذلك انضمت تسع دول أخرى إلى عضوية المنظمة إلى جانب "الدول الأعضاء المؤسسة" الخمس، والدول التسع هي: قطر (1961)، إندونيسيا (1962)، الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية (1962)، الإمارات العربية المتحدة (1967)، الجزائر (1969)، نيجيريا (1971)، الإكوادور (1973-1992)، الجابون (1975-1994)، أنجولا (2007). وكان المقر الرئيسي للمنظمة خلال السنوات الخمس الأولى من إنشائها يقع في مدينة جنيف السويسرية، ثم انتقل إلى العاصمة النمساوية فيينا في 1 أيلول (سبتمبر) 1965.
ويتمثل الهدف من وراء إنشاء منظمة أوبك في تنسيق السياسات البترولية بين الدول الأعضاء، وتوحيدها من أجل تأمين أسعار عادلة ومستقرة للبترول للدول المنتجة، وتأمين إمدادات فاعلة واقتصادية ومنتظمة للدول المستهلكة، وكذلك تأمين عوائد مجزية للقطاعات المستثمرة في هذه الصناعة.
ومرت "أوبك" منذ إنشائها بمحطات مهمة وخطيرة، ففي الستينيات الميلادية من القرن الماضي، مثلت هذه الحقبة الفترة التي تم فيها تأسيس المنظمة، في مسعى من الدول الأعضاء إلى تجسيد حقوقها الشرعية في سوق البترول الدولية التي تهيمن عليها شركات النفط المتعددة الجنسيات، المعروفة في ذلك الحين باسم "الأخوات السبع"، وكانت المنظمة تمارس أنشطتها بصفة عامة في ذلك الوقت في الظل، حيث قامت المنظمة في تلك الفترة بتحديد أهدافها، وتأسيس الأمانة العامة للمنظمة، التي انتقلت من جنيف إلى فيينا في عام 1965، كما عملت على تبني عدد من القرارات، وإجراء المفاوضات مع الشركات.

فترة السبعينيات

وفي فترة السبعينيات الميلادية من القرن الماضي بزغ نجم منظمة أوبك، حيث تمكنت الدول الأعضاء في المنظمة من التحكم في قطاعات الصناعات النفطية المحلية في بلدانها، وأصبحت لها الكلمة العليا فيما يتعلق بمسألة تحديد أسعار النفط الخام في أسواق البترول الدولية، وقد شهدت هذه الفترة أزمتين اثنتين فيما يتعلق بمسألة أسعار النفط، الأولى كانت بسبب الحظر النفطي الذي فرضته الدول العربية في عام 1973، والثانية بسبب اندلاع الثورة الإيرانية في عام 1979، والتي غذتها في ذات الوقت التقلبات الكبيرة في السوق البترولية، وقد شهدت أسعار النفط خلال هاتين الأزمتين ارتفاعا حادا، وقد عقدت القمة الأولى لرؤساء ورؤساء حكومات الدول الأعضاء في المنظمة في الجزائر في شهر مارس 1975، وخلال هذه الفترة، وبالتحديد في عام 1971، انضمت نيجيريا إلى المنظمة، وهي تعتبر آخر الأعضاء الحاليين انضماما إلى المنظمة.

فترة الثمانينيات

وكانت ذروة الأحداث التي مرت بها المنظمة في فترة الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي، حيث وصلت أسعار النفط في بداية هذا العقد إلى ذروتها، وذلك قبل أن تبدأ في الانحدار والتدهور إلى مستويات متدنية جدا، الأمر الذي أدى إلى انهيار شامل في الأسعار في عام 1986، وهي الفترة التي شهدت الأزمة الثالثة فيما يتعلق بأسعار النفط، ولكن الأسعار استجمعت قواها وعادت لترتفع في الأعوام الأخيرة من هذا العقد، ولكن من دون الوصول إلى المستويات العليا التي وصلت إليها الأسعار في بدايات هذه الحقبة، كما ارتفع في هذه الفترة مستوى الوعي بضرورة القيام بعمل مشترك من قبل الدول المنتجة للنفط إذا ما أرادت تحقيق استقرار السوق النفطية بأسعار معقولة في المستقبل، كما شهدت هذه الفترة بداية بروز المسائل البيئية المتعلقة بصناعة النفط على الساحة الدولية.
وفي بداية فترة التسعينيات الميلادية من القرن الماضي، تم تفادي حدوث أزمة رابعة في أسعار النفط، وذلك بسبب الحرب التي اندلعت في منطقة الشرق الأوسط، حيث تمكنت الدول الأعضاء في منظمة أوبك من الوصول بالأسعار إلى مستويات معقولة في الأسواق النفطية العالمية، التي شهدت ارتفاعا حادا مفاجئا بسبب انتشار الذعر والهلع في تلك الأسواق، بسبب تلك الأحداث، وذلك من خلال قيام دول المنظمة بزيادة الإنتاج من النفط في تلك الفترة. وبعد ذلك بقيت الأسعار مستقرة نسبيا حتى عام 1998، وذلك عندما حصل انهيار آخر في أسعار النفط بسبب الانهيار الاقتصادي الذي شهدته دول جنوب شرق آسيا، ولكن رد الفعل الذي قامت به الدول الأعضاء في منظمة أوبك، إلى جانب عدد من الدول المنتجة الكبرى من خارج المنظمة، من خلال القيام بعمل جماعي مشترك لمجابهة هذه الأزمة، أدى في نهاية الأمر إلى العودة بالأسعار إلى مستويات مرضية، وفي نهاية العقد شهدت صناعة النفط حركات اندماج كبرى بين شركات النفط العالمية الكبرى، في الوقت الذي كانت فيه صناعة النفط تشهد تطورات تقنية هائلة، وقد أدت المفاوضات الدولية التي كانت تجري بشأن التغير المناخي، طوال هذه الفترة تقريبا، إلى التهديد بحدوث انخفاض كبير في الطلب على النفط في المستقبل المنظور.

قمم "أوبك" السابقة

تبنت المنظمة في شهر حزيران (يونيو) 1968 "إعلان المبادئ الخاصة بالسياسة النفطية في الدول الأعضاء" الذي جاء ضمن سياق القرار رقم 16-90. ودعا الإعلان الدول الأعضاء إلى اتخاذ الخطوات التالية، كلما كان ذلك ممكنا: التنقيب المباشر عن الموارد الهيدروكربونية وتطويرها، المشاركة في ملكية اتفاقيات الامتياز القائمة، التخلي التدريجي والمتسارع عن المساحات الموجودة في المناطق المتعاقد عليها حاليا، وضع قوانين حماية وصيانة من أجل تقيد شركات النفط العاملة في دول المنظمة بها، وكذلك تحديد أسعار معلنة أو فرض ضرائب على الأسعار من قبل حكومات الدول الأعضاء في المنظمة، من أجل منع تدهور العلاقة بين أسعار النفط وأسعار البضائع المصنعة التي تتم المتاجرة فيها دوليا.

قمة الجزائر

وأضاف "إعلان المبادئ Solemn Declaration"، الذي تم تبنيه من قبل الدول الأعضاء في المنظمة في القمة الأولى التي عقدت في الجزائر في شهر آذار (مارس) 1975، إرشادات جديدة فيما يتعلق بالسياسات النفطية، وذلك في ضوء تغير نمط العلاقات بين الدول المنتجة والدول المستهلكة، وقد أشارت تلك الإرشادات إلى أنه يتعين على منظمة أوبك، من خلال التشاور والتنسيق مع بقية دول العالم، أن تسعى إلى تأسيس نظام اقتصادي عالمي جديد، مبنيٍ على أسس العدالة والتفاهم المشترك والاهتمام برفاهية جميع الشعوب وازدهارها.

قمة فنزويلا

وعقدت القمة الثانية لزعماء "أوبك" في عام 2000 في العاصمة الفنزويلية كاراكاس، وقد أكدت الدول الأعضاء في المنظمة في "إعلان المبادئ الثاني" التزامها بالمبادئ الاسترشادية للمنظمة، وذلك من أجل تحقيق نظام واستقرار دائمين في أسواق النفط العالمية، بأسعار معقولة وعوائد مجزية للمستثمرين.
وقد تطرق رؤساء ورؤساء حكومات الدول الأعضاء في المنظمة إلى تعزيز دور النفط في مجال الطلب العالمي على الطاقة في المستقبل، وأكدوا الرابطة القوية التي تربط بين أمن الواردات وأمن الطلب على النفط وشفافيته، كما أكدوا الحاجة إلى تحسين سبل الحوار والتعاون بين جميع الأطراف العاملة في هذا القطاع.
كما أعادوا النقاش في مسألة الخدمة التي يقدمها النفط للعالم بصفة عامة، والحاجة إلى ربط واردات الطاقة بالتنمية الاقتصادية والتوافق والانسجام في المسائل البيئية، وذلك من أجل المساعدة على تقليل المعاناة وحالات الفقر التي تواجهها الدول النامية، وكذلك من أجل تحفيز اقتصاداتها على النمو والازدهار.

الأكثر قراءة