احتكار النشاط المصرفي الخليجي
طرأت على القطاع المصرفي الخليجي خلال العقود الثلاثة الماضية العديد من التطورات التي أسهمت ليس في تغيير هيكله، ونشاطاته، ودوره في نمو اقصادات دول مجلس التعاون الخليجي واستدامتها فحسب، وإنما في وصوله إلى حالته الحالية من التباين بين التنافس الإقليمي، والاحتكار المحلي.
تثير حالة التباين بين التنافس الإقليمي، والاحتكار المحلي العديد من التساؤلات حول حجم نشاط القطاع المصرفي الخليجي، وهيكله الاقتصادي المنشود، وتوجه النشاط بأكمله نحو التنافس الإقليمي، أو الاحتكار المحلي، أو كليهما معاً في المستقبل القريب؟
حاولت دراسة الإجابة عن هذه التساؤلات عن طريق دراسة هيكل القطاع المصرفي الخليجي خلال الفترة من بداية 1993 إلى نهاية 2002. فترة اقتصادية طويلة تزامنت معها العديد من التطورات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية على الأصعدة الخليجية المحلية، والإقليمية.
نشرت الدراسة قبل عام في مجلة "العلوم المصرفية والمالية"Journal of Banking & Finance تحت عنوان "هيكلة السوق و ظروف المنافسة في مصارف دول مجلس التعاون الخليجي".
هدفت الدراسة إلى تحليل درجة احتكار النشاط المصرفي الخليجي خلال الفترة من بداية 1993 إلى نهاية 2002 من خلال دراسة العلاقة بين هيكلة السوق المصرفية الخليجية وظروف المنافسة بين مصارف دول مجلس التعاون الخليجي.
هناك سببان دعما اختيار هذه الدراسة عوضا عن غيرها من دراسات المنافسة كمنظور مشاهدة لواقع هيكلة السوق المصرفية الخليجية وظروف المنافسة بين مصارف دول مجلس التعاون الخليجي.
السبب الأول، التطورات الهيكلية في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي للتتواءم و متطلبات التكامل الكامل مع منظمة التجارة العالمية في المستقبل القريب.
والسبب الثاني، استمرار تواضع دور المؤسسات الحكومة الخليجية، كمؤسسات النقد و المصارف المركزية، في دعم عملية إنشاء كيانات مصرفية دولية تستطيع مواجهة ظروف المنافسة على الصعيد الدولي.
اعتمدت الدراسة على ثلاثة معايير لقياس درجة احتكار النشاط التجاري معمول بها في أدبيات ودراسات الاحتكار والمنافسة. المؤشر الأول، نسبة تمركز النشاط التجاري CRk، والهادف إلى قياس درجة احتكار النشاط التجاري بين مجموعة من المؤسسات التجارية المتماثلة العاملة في سوق تجارية واحدة.
والمؤشر الثاني، مؤشر هيرفندال - هيرشمان HHI، و الهادف إلى قياس درجة تمركز النشاط التجاري في سوق تجارية واحدة. والمؤشر الثالث، مؤشر هاي الإحصائي H-statistics، والهادف إلى دمج نتائج المؤشرين الأول والثاني ضمن خلاصة موضوعية حول درجو احتكار النشاط المصرفي الخليجي.
اعتمدت التحاليل الإحصائية على مصدرين من مصادر المعلومات. المصدر الأول، التقارير السنوية لـ 52 مصرفا خليجيا للفترة من بداية 1993 إلى نهاية 2002. والمصدر الثاني، التقارير السنوية لمؤسسات النقد والمصارف المركزية الخليجية للفترة من بداية 1993 إلى نهاية 2002.
تباين التوزيع الجغرافي لهذه المصارف الـ 52 بين مصارف بحرينية، ستة مصارف، ومصارف كويتية، سبعة مصارف، ومصارف عمانية، خمسة مصارف، ومصارف قطرية، ستة مصارف، ومصارف سعودية، عشرة مصارف، ومصارف إماراتية، 18 مصرفا.
قبيل ذكر نتائج الدراسة، فإنه من الأهمية بمكان الأخذ بعين الاعتبار طبيعة عمل المصارف الخليجية وطبيعة المظلة الاقتصادية الحاضنة لنشاطاتها، اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي.
تتميز اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بوجود العديد من المقومات الاقتصادية الداعمة لنموها واستدامتها. من أهم هذه المقومات وجود قطاعات إنتاجية نفطية، والاعتماد على الصادرات النفطية، وثبات العملات المحلية، ومستويات الأسعار، باستثناء التطورات الحالية في هذين الجانبين.
تمتد المقومات الاقتصادية أيضا لتغطي التشابه الجغرافي، وعراقة الثقافة والروابط السياسية، واللغة المشتركة، وارتفاع مستويات المعيشة، ودرجة التنسيق السياسي.
تسهم جميع هذه المقومات الاقتصادية ليس في نمو اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي واستدامتها فحسب، وإنما في تذليل أي اختلافات مباشرة أو غير مباشرة في وجهات نظرها، كما هو حاصل في التكتلات اللاقتصادية الأخرى، كالاتحاد الأوروبي والشرق الأدنى.
طرأت على هذا التكتل الاقتصادي المنسجم خلال الثلاثة عقود الماضية العديد من التطورات التي أسهمت في تغيير هيكلة القطاع المصرفي الخليجي ونشاطاته، ووصوله إلى حالته الحالية من التباين بين التنافس والاحتكار.
من أهم هذه التطورات السياسات المالية لدول مجلس التعاون الخليجي في جانب تخصيص ملكية المؤسسات المالية، و فتحها أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ضمن سياسة الانفتاح الخليجي على العالم الخارجي.
توصلت الدراسة إلى عدة نتائج مفيدة تشكل في مجملها إجابة شمولية عن التساؤلات حول حجم نشاط القطاع المصرفي الخليجي، وهيكله الاقتصادي المنشود، وتوجه النشاط بأكمله نحو التنافس أو الاحتكار في المستقبل القريب.
من أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة، ما يلي:
1. سجلت القطاعات المصرفية الكويتية، والسعودية، والإماراتية مستويات التمركز الأعلى من بين القطاعات المصرفية الخليجية الستة. تشير هذه النتيجة إلى أن التنافس في هذه القطاعات المصرفية الخليجية الثلاثة هو تنافس واضح يسهم في نمو اقتصادات الدول الثلاثة واستدامتها على المدى البعيد.
2. سجلت القطاعات المصرفية البحرينية والقطرية مستويات متواضعة من بين القطاعات المصرفية الخليجية الستة. تشير هذه النتيجة إلى أن التنافس في هذين القطاعين المصرفيين الخليجيين هو تنافس متواضع يشكل في مجمله تحديا يعوق نمو الاقتصادين البحريني والقطري على المدى البعيد واستدامته.
3. سجل القطاع المصرفي العماني أقل مستوى من بين القطاعات المصرفية الخليجية الستة. تشير هذه النتيجة إلى أن المصارف العمانية تعمل تحت درجة كبيرة من الاحتكارية، مما قد يشكل تحديا يعوق نمو الاقتصاد العماني على المدى البعيد واستدامته.
تحمل هذه النتائج في طياتها العديد من الفوائد حول التحديات والفرص التي قد تواجه النشاط المصرفي الخليجي على المديين المتوسط والبعيد. من أهم هذه التحديات تواضع استدامة المصارف الخليجية البحرينية، والقطرية، والعمانية في احتواء منافسة المصارف العالمية التي حطت رحالها في الاقتصادات الخليجية، أو جار استقطابها. ومن أهم الفرص، مبادرة المصارف الخليجية الكويتية، والسعودية، والإماراتية إلى التوسع الخليجي عبر آليات التوسع المختلفة بهدف إنشاء كيانات مصرفية دولية، عوضا عن إقليمية، بهدف سد الفجوات المصرفية في البحرين، قطر، وعمان.
تحديات وفرص قد نرى استثمار بعضها في المستقبل القريب.