شركات الصين بين الاستحواذ الأجنبي والأمن الاقتصادي
عندما تنظر إلى قائمة أكبر 500 شركة عالمية حسب تصنيف مجلة "فورتشن" السنوي لعام 2007 (Fortune Global 500) فإنه لا يدهشك أن تكون 162 منها شركات أمريكية فهذا تصنيف عادل للقوة الاقتصادية الأمريكية، ولكن دائما تحاول البحث عنمن يزاحم القوة الأمريكية تجاريا على مستوى الشركات. ولذلك فإني دائم الشغف بالنظر إلى عدد شركات القوة الاقتصادية القادمة من الصين، فوجدتها 24 شركة في قائمة أكبر 500 شركة على مستوى العالم في عام 2007 بعد أن كانت ثلاث شركات فقط في عام 1996. نعم خلال عشر سنوات دخلت 21 شركة صينية القائمة العالمية وخلال السنوات الأخيرة الماضية خصوصا نرى ذلك التزايد في حجم الشركات الصينية بشكل غير مسبوق وقد يراه البعض طبيعيا في ظل الوجود الكبير للمنتجات والشركات الصينية حول العالم والذي يصل إلى 1.7 تريليون دولار في عام 2006. ليس هذا فحسب، بل إن متوسط العائد على المبيعات للشركات الصينية يزيد بنسبة نحو 10 في المائة على متوسط العائد على المبيعات لبقية الشركات العالمية في تصنيف مجلة "فورتشن" لأكبر 500 شركة عالمية.
ولكن ما السبب في ذلك؟
نعم الاقتصاد الصيني ينمو بمعدل 10 في المائة سنويا ومن الطبيعي أن هذا النمو يأتي من خلال نمو شركات القطاع الخاص ومساهمتها في رفع الناتج المحلي الإجمالي الصيني بشكل مؤثر، ولكن يبدو أن نمو الشركات الصينية يأتي بدوافع مختلفة وبأسباب تمس الأمن الاقتصادي الصيني بشكل يحد من المخاطر أو لنقل أكثر تحديدا بوصفها بالتحديات التي قد يواجهها الاقتصاد الصيني مستقبلا خصوصا في ظل المنافسة السياسية – الاقتصادية التي تواجه الصين من قبل القوى الاقتصادية الكبرى حاليا ممثلة في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.
ولذلك فإنه من وجهة نظري إن وصول وتزايد عدد الشركات الصينية في قائمة أكبر 500 شركة على مستوى العالم في عام 2007 هو انعكاس للسياسية الاقتصادية المحلية للصين من خلال تشجيع الاندماجات والاستحواذات على مستوى الشركات المحلية الصينية بشكل يقلل الخطر المحتمل أو لعلي اسميه القلق المستقبلي للاقتصاد المحلي الصيني على مستوى الملكية وبالتالي على مستوى المنافسة والإنتاج وتمتد لتصل النمو العالمي الاستثماري للشركات الصينية لتصل إلى القلق الأكبر وهو وضع الصين على الخريطة العالمية اقتصاديا وطبعا سياسيا، ولذلك فإن هناك حراكاً كبيراً على مستوى الاستحواذات والاندماجات بين الشركات الصينية وكذلك على مستوى التقليل من عمليات الاستحواذ الأجنبي خصوصا الغربي على الشركات الصينية خصوصا الشركات الصينية الكبيرة حتى وإن كانت عروض الاستحواذ مجزية استثماريا. والحديث هنا فقط على مستوى الاستحواذ الأجنبي وليس على مستوى الاستثمار الأجنبي على العموم خصوصا الاستثمار المباشر، فالاستثمار الأجنبي أثرى الاقتصاد الصيني وأسهم بشكل كبير في نموه بالشكل الذي نراه اليوم من خلال مجموع الاستثمار الأجنبي في الصين الذي يصل إلى أكثر من 700 مليار دولار.
لعل قراءتي هذه الفرضية يأتي من خلال أرقام وأعداد الاندماجات المحلية مقارنة بالاستحواذ الأجنبي على شركات صينية والتي توضح أن الفرق الكبير جداً في عمليات الاستحواذ المحلية والأجنبية ومنها على سبيل المثال 14 مليار دولار قيمة الاستحواذات الأجنبية للشركات الصينية في عام 2006 بزيادة قدرها 75 في المائة عن 2005!!، خصوصا ونحن نعلم أن الصين أصبحت مصنع العالم فلماذا لا يكون هناك استحواذات للشركات الغربية العملاقة على شركات صينية قائمة لهدفين رئيسيين أولها تقليل تكلفة الاستثمار من خلال الاستحواذ على شركات قائمة تملك الخبرة المحلية في الإنتاج والثاني هو زيادة الحصة السوقية للشركات الأجنبية صينيا وعالميا من خلال الاستحواذ على شركات قائمة وإخراجها من المنافسة!! ولذلك قامت وزارة التجارة الصينية في العام الماضي بإقرار تنظيم جديد فيما يخص الاستحواذ الأجنبي على الشركات الصينية يعطي الوزارة إشرافاً أكبر في إقرار أي استحواذ جديد، وقبل إقرار التنظيم الجديد قامت الوزارة برفض عملية الاستحواذ التي تقدمت بها مجموعة كارلسل (الأمريكية) للاستحواذ على 85 في المائة شركة أكسهو (الصينية) العملاقة. وللحديث بقية.