حملة توعوية لرفع الثقافة الاستثمارية

في الوقت الذي تعقد المنتديات الكبيرة والمتنوعة من مختلف الجهات وفي مختلف المناطق، وفي الوقت الذي يكثف الإعلام بكل أشكاله التغطية الاقتصادية يوماً بعد يوم ويعطيها الساعات الطويلة من التغطية، نجد أن الفجوة تزداد بين المواطن "العادي" وبين ما يخرج من تلك الأحداث. بطبيعة الحال الحراك المكثف الذي بدأت المملكة تشهده منذ سنوات وكأننا في ورشة عمل يدل على أن هناك رغبة في التغيير وهناك قناعة وإرادة سياسية في الوصول إلى خدمة المواطن أيا كان موقعه، لكن كما قلنا هناك تفاوت كبير بين ما نشاهده ونسمعه ونقرأه وبين الواقع المعاش للمواطن!

والدليل على ما أقول في هذه القصة التي أود أن يسمح لي القارئ الكريم أيا كان موقعة أن أسردها كما وقعت قبل عدة أيام وبسببها كتبت هذا المقال، ذهبت في إحدى الليالي إلى أحد المطاعم السريعة ووقفت أمام شباك الطلبات الخاص بالسيارات، وإذا بالشخص الموجود لأخذ الطلبات وهو شاب سعودي في أواخر العشرينيات من العمر كما يبدو وقبل أن أطلب طلبي، بادرني ببرود شديد بسؤال لم أمتلك إلا أن أصمت لثوان حيث لم أستوعب الموقف رغم أن السؤال بسيط وعفوي! فما كان مني قبل أن أجيب عن السؤال إلا أن أسأله: هل عرفتني؟ قال: لا. قلت وعلى أي أساس تسألني هذا السؤال؟ قال: أريد أن أفهم! قلت في نفسي يا الله إلى هذا الحد نحن بعيدون عن المواطن. طبعاً أقصد بنحن الجميع وبالذات الجهات الرسمية!!!

طبعا السؤال كان عن الاكتتاب الأخير لشركة زين وبالتحديد قال إن الرسالة التي وصلته من الجهة التي اكتتب عن طريقها تقول إنه مدين بنحو 830 ريالا ودائن 2170 ريالا. ويسأل هذا الشاب عن ماذا يعني ذلك وكم اكتتب له في كيان؟ تخيلوا معي حجم المشكلة. قد يسأل أحدكم: وأين المشكلة؟ أقول إن المشكلة تكمن في معرفة حقوقك الاقتصادية وإدارة المالية للسواد الأعظم من المواطنين .. كيف تتم؟ من يساعدهم؟ إذا كان هذا الشاب وهو في العشرينيات من عمرة لم يفهم أنه تم الاكتتاب له بعدد 83 سهما في "زين" مما يعني أنه تم خصم 830 ريالا وإرجاع الباقي لحسابه والبالغ 2170 ريالا.

بعض الإخوة المسؤولين رمى الكرة في ملعب المواطن في كل ما يحصل له من مشكلات ومن خسائر ومن تضخم. إذن هل نأتي بمواطنين من الدول الإسكندنافية حتى يستطيع المسؤول إنجاز عمله في دعة وراحة بال؟ نعم المواطن بحاجة إلى وعي وثقافة في إدارة أموره اليومية من مالية وغيرها. ولكن السؤال الكبير: من أين سيأتي هذا الوعي؟

حبيبنا الإعلام .. الحديث عنه ذو شجون كما يقال. وكما قال الكاتب تركي الدخيل وحسب رؤية زميل له! الإعلام إما من فئة "الجمهور عاوز كده" وإما من فئة " ليضرب القارئ رأسه بالحيط". وهو فعلا إما تسطيح وإما تسديح!!! وحتى نكون منصفين فقد شهدنا في الفترة القصيرة الماضية ومنذ 2005م تقريبا تغيرا وحراكا إعلاميا كبيرا وواضحا ولكنه لا يزال دون مستوى المهنية المطلوبة ودون المأمول تحقيقه، والدليل يظهر جلياً في التغطية الإخبارية والتغطية الاقتصادية تحديداً. لكن المشكل أن الرغبة في زيادة نسب المشاهدة حتى وإن كان على حساب المعلومة الدقيقة لا تزال الهم الأول. طبعاً مع غياب المحاسبة والمسألة، ولا أقصد المسألة الرقابية من خلال وزارات الإعلام العربية، ولكن من خلال أن التصريح بمعلومة خاطئة أو تزيف الحقائق أو محاولة استخدام الإعلام للتوصيات والأغراض الشخصية يعني أن هناك من سيحاسبه بناء على طلب المتضرر كما في سوق الأسهم. وكلي أمل أن الوثيقة الأخيرة لوزراء الإعلام العرب ستساعد، وإن كنت أعتقد أنها ذات أبعاد سياسية أكثر من تنظيمية.

أعتقد، وبالذات فيما يخص الشأن الاقتصادي، أننا كجهات مسؤولة كل فيما يخصه أمام تحد حقيقي في العمل مع الإعلام بكل أطيافه وأهدافه، الحكومي منه والخاص للعمل على رفع الثقافة الوطنية الاقتصادية على جميع مستوياتها سواء في معرفة الإدارة المالية الأسرية أو الجوانب الاستثمارية للمواطن البسيط، وكيف يتم وضع برامج الادخار والاستثمار حسب الدخل والمصروف لكل مواطن وأسرته. ويكفينا تجربة سوق الأسهم، وإذ يبدو أن لا أحد استفاد من التجربة وإن كانت مرة حتى كالعلقم على الجميع. وكنت أتمنى على الحكومة أن ترصد مبالغ كبيرة لهدف واحد وهو زيادة الوعي الاستثماري والادخاري لدى المواطن العادي لأن جزءا كبيرا من فشل السياسات وباعتراف الكثير من مسؤولي الجهات يعود إلى الوعي والثقافة العامة التي ترفض التغيير وإن كان ذلك في صالحهم على المدى الطويل.

وأقترح أن تبدأ هيئة سوق المال كما فعلت في 2006م عندما قادت حملة توعوية جيدة لا أعلم لماذا توقفت! أن تكون طوال العام وفي جميع مدن المملكة وقراها، سواء من خلال المحاضرات المباشرة أو الإعلانات الواضحة والبسيطة أو من خلال برامج تلفزيونية وإذاعية وصحافية مدعومة. اعلموا أننا جميعاً مسؤولون أمام الله عن مساعدة المواطن كي يساعد نفسه وأسرته في ظل هذه التكتلات الاقتصادية القادمة التي لا تبقي ولا تذر. نحن بحاجة ماسة ليس إلى إعطاء السمك كما يقال في المثل الصيني ولكن بحاجة إلى تعليم المواطن كيف يصطاده وبأي صنارة!!! فهو الثروة الحقيقية. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي