رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الهيئة العامة للإسكان على صفيح أزمة ساخنة

[email protected]

أصبحنا ولله الحمد في المملكة العربية السعودية نستشرف المستقبل ونتوقع معطياته بعد أن كان رمضان يدخل على معظمنا بشكل مفاجئ رغم أن تاريخه مسجل في الرزنامة التي في مكاتب معظمنا، وهو أمر يسرنا جميعا حيث نستطيع أن نعد العدة للاستفادة من فرص المستقبل من ناحية وتجنب مخاطره من ناحية أخرى، من خلال التخطيط السليم والتنظيم الأمثل للجهود والطاقات لتحقيق الأهداف المرسومة، وأكاد أجزم بأن مستقبل السوق الإسكانية قتل تحليلا وتشخيصا وتوقعا وأفكارا منذ ثلاث سنوات تقريبا حتى أصبحنا منذ أكثر من سنتين نرى مستقبل السوق الإسكانية إذا لم يتم تداركها بحلول فاعلة وسريعة لموازنة الطلب المتزايد من الوحدات السكنية بعرض يناسبها كما ونوعا مدعوم بآليات تمويل متعددة تمكن المواطنين من شراء الملائم منها في ربيع العمر لا في خريفه.
وهو ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار المساكن وإيجاراتها التي بدأت تلتهم أكثر من ثلث دخول المواطنين الشباب من الطبقة المتوسطة وما دونها فضلا عن كبار السن الذين تقاعد بعضهم وهو ينتظر أن يمتلك المسكن الحلم، حتى أصبح العقار عموما والإسكان منه على وجه الخصوص المتهم الثاني بعد المواد الغذائية في ارتفاع معدلات التضخم بشكل غير معقول وغير محتمل "حيث بلغ الارتفاع أعلى رقم سجل منذ 25 سنة" وهو ما حدا بمجلس الوزراء إلى اتخاذ جملة من القرارات والتوصيات لكبح جماح التضخم العقاري، وكان من تلك القرارات التعجيل بتكوين الهيئة العامة للإسكان التي صدر القرار السامي بإنشائها لزيادة نسبة تملك المساكن من خلال توفير السكن المناسب وفق الخيارات الملائمة لاحتياجات المواطنين، ووفق برامج تضعها الهيئة، من بينها تيسير حصول المواطن على مسكن ميسر تراعى فيه الجودة ضمن حدود دخله في الوقت المناسب من حياته.
وما أشبه اليوم بالبارحة فكما أنشئت هيئة السوق المالية على صفيح ساخن، ها هي الهيئة العامة للإسكان تباشر أعمالها على صفيح أزمة إسكانية ساخنة متزايدة بمرور الزمن حيث ارتفاع أسعار المساكن والإيجارات بشكل زاد من معدلات التضخم بما لا للطبقة المتوسطة وما دونها قبل به، وهو تضخم مقرون بارتفاع في أسعار مواد البناء والعمالة وضعف كبير في قوى السوق الإسكانية حيث ندرة الشركات العقارية المطورة وشركات وبرامج التمويل الإسكاني الخاص، ونقص في منظومة التشريعات والأنظمة والإجراءات.
ماذا نتوقع من الهيئة العامة للإسكان أن تعمل في هذه الظروف غير الطبيعية ؟ فالكل يريد إنجازات سريعة فالوقت ليس في صالح الجميع، بالرغم من أن الدورة التطويرية لحي سكني ترواح من 3 إلى 5 سنوات في أحسن الأحوال، وبالرغم من ندرة الأراضي التي تمتلكها الحكومة في النطاق العمراني للمدن الرئيسية، وبالرغم من ضخامة الأموال المطلوبة لتمويل تطوير وشراء المساكن بمئات المليارات من الريالات، وبالرغم من غياب شبه كامل للبنية التحتية المتمثلة في البيئة التنظيمية والتشريعية لصناعة قطاع العقار والمساكن.

ماذا نتوقع من الهيئة العامة للإسكان أن تفعل لمعالجة القضية الإسكانية؟ هل تباشر في وضع الاستراتيجية لمدة سنتين من الزمان مع بذل الجهود لسحب مهامها من الجهات الأخرى؟ أو تعكف على إعداد اللوائح التنظيمية والإجرائية لمدة مماثلة، أو تنطلق في أعمال تنفيذية دون خطط ودون لوائح منظمة مع التصادم مع الأجهزة الحكومية الأخرى؟
لست متشائما، ولكني لست متفائلا أيضا، فالقضية شائكة ومعقدة وتتداخل وتتضارب فيها المصالح، خصوصا مصالح الكبار ذوي النفوذ والتأثير، لذا فإني أقترح أن تحلل الهيئة واقع السوق الإسكانية من حيث نقاط القوة والضعف والفرص المتاحة والعوائق القائمة، وتتعامل مع هذا الواقع من خلال معادلة بسيطة تقول بضرورة رفع نسبة المعروض من المساكن بمختلف أنواعها من ناحية ورفع نسبة برامج التمويل الإسكاني بكافة أنواعه من ناحية أخرى مع الالتزام بسياستين مهمتين، الأولى تقول بعدم فصل طبقة المحتاجين غير القادرين على الاستفادة من برامج الإقراض والتمويل الحكومية والخاصة في كانتونات خاصة ومصنفة، والثانية تقول بتعزيز قوى السوق الإسكانية الخاصة من خلال تنظيم السوق الإسكانية وحماية عناصرها وتهيئة البنية المناسبة للمستثمرين لإقامة المشاريع الإسكانية، وكلي ثقة بأنها ستجد من الآليات السريعة التي تدفع بالمعادلة باتجاه زيادة المعروض، خصوصا أن لدينا براعم قوية وذات تجارب ناجحة من ناحية التطوير والتمويل.
ختاما أود أن أؤكد حقيقة مفادها أن أهم الفئات وأكبرها هي فئة أصحاب الدخول المتوسطة الذين يستطيعون الالتزام بدفعات تقارب قيمة الإيجارات التي يدفعونها حاليا لمساكن مستأجرة، وهم يحلمون بسكن يملكونه يحقق لهم الاستقرار الاجتماعي والنفسي ويقيهم شر ارتفاع الإيجارات غير المتوقع، وعلى الهيئة العامة للإسكان تشجيع القطاع الخاص من خلال الدعم المالي وتطوير الأنظمة والإجراءات لإنشاء مساكن مناسبة لهم وتوفير برامج تمويلية تمكنهم من شراء المناسب منها بضمان دخولهم الشهرية وقيمة المسكن المتعاظمة، وهو ما لا يتحقق إلا من خلال تعزيز قوى السوق الإسكانية وتفعيل عناصرها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي