الصين والهند تقودان تغييرا هيكليا في السوق النفطية

الصين والهند تقودان تغييرا هيكليا في السوق النفطية

تتجه السوق النفطية إلى حدوث تحول هيكلي يتمثل في تقدم كل من الصين والهند للحلول محل الولايات المتحدة واليابان كمحركين أساسيين لهذه السوق، وبكل ما يعنيه ذلك من انعكاسات بسبب حجم استهلاكهما المتزايد من الطاقة، واحتمال تحولهما إلى الفحم بصورة متزايدة لمقابلة احتياجاتهما، الأمر الذي يساعد على زيادة الانبعاثات الغازية وتأثير ذلك في قضايا مثل التغيير المناخي.
ففي تقريرها الأخير عن توقعاتها السنوية بالنسبة لسوق الطاقة الصادر الأسبوع الماضي في باريس، أوردت الوكالة الدولية للطاقة سيناريو يتميز بالتشاؤم للسنوات المقبلة حتى عام 2030، مع تزايد احتمالات حدوث شح في الإمدادات واستمرار تصاعد الطلب من هاتين الدولتين بسبب حجمهما السكاني الكبير، ولدى كل منهما ما يزيد على مليار نسمة، إلى جانب سياسات اقتصادية تقوم على تحقيق نمو سنوي كبير يحتاج بدوره إلى طاقة إضافية. ويمكن أن يؤدي هذا الوضع إلى بروز أزمة شح حقيقية في الإمدادات في غضون سبع أو ثماني سنوات، وأن سيناريو حدوث انقطاع في الإمدادات لا يمكن تجنبه أو وضعه خارج الاحتمالات كلية بعد عام 2015، الأمر الذي يمكن أن ينجم عنه تصاعد ضخم في الأسعار.
ويعود ذلك إلى تزايد احتمالات ضعف النمو في إمدادات النفط من المنتجين خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك)، فإنتاج بحر الشمال أصبح في حالة تدهور مستمرة تصل إلى 20 في المائة، وكل من روسيا والنرويج، وهما أكبر منتجين خارج (أوبك)، تظل إمكانية زيادة إنتاجهما محكومة بنسبة نمو محدودة، كما أن إنتاج دول بحر قزوين لا يزال محكوما بالتعقيدات السياسية، وكون المنطقة مغلقة تحيط التعقيدات بمسارات نقل نفطها إلى الأسواق العالمية. وحتى منطقة الشرق الأوسط، التي تظل خزان النفط الرئيسي من ناحية حجم الاحتياطيات، فإن بعض الحقول المنتجة للنفط فيها وصلت إلى قمة إنتاجها وتقدمها في العمر. كما أن بعض علامات الاستفهام بدأت تلف الأرقام الخاصة بحجم الاحتياطيات. فسداد الحسيني، الذي عمل من قبل نائبا لرئيس شركة أرامكو لشؤون الإنتاج، ويدير مكتبا للاستشارات، أبلغ مؤتمرا نفطيا في لندن أخيرا أن نحو 300 مليار برميل يمكن حذفها من حجم الاحتياطيات التي تعلنها دول (أوبك)، وهو يرجع ذلك إلى فترة عقد الثمانينيات عندما بدأت (أوبك) في تطبيق نظام الحصص، وأحد معايير تحديد حجم الحصة لكل دولة يتمثل في حجم الاحتياطي النفطي لكل دولة.
والدول صارت تتقدم بأرقام يتم اعتمادها كما هي، وليس هناك مراجعة مستقلة لها لمعرفة مدى تطابقها مع الواقع حقيقة، كما أن تلك الأرقام لم تتغير عبر سنوات طويلة، الأمر الذي يثير تساؤلات عن مدى مصداقيتها. هذا إضافة إلى تقدم العمر ببعض الحقول المنتجة.
ويرى الحسيني أن بعض الحقول الكبيرة في منطقة الخليج تم استنزافها بنسبة تصل إلى 41 في المائة، وبسبب هذا الوضع فهو يرى أنه من الممكن إضافة مبلغ 12 دولارا لسعر البرميل مع زيادة كل مليون برميل يوميا في الطلب كل عام.
وترى الوكالة أن العالم يمكن أن يشهد نموا في حجم الطاقة المستهلكة يصل إلى 55 في المائة بنهاية العقد الثالث من هذا القرن، وأن نصف هذه الزيادة سيأتي من الصين والهند. ومع عدم قدرة الشركات النفطية العالمية على الوصول إلى مناطق الاحتياطيات خاصة في منطقة الشرق الأوسط، بسبب السياسات المعتمدة في تلك الدول، فإن وضع الإمدادات والطاقة الإضافية التي يمكن توفيرها قد لا تتواءم مع الطلب المتنامي. ويمكن أن تصل إلى 116 مليون برميل يوميا من 85 مليونا في الوقت الحالي. فالصين مثلا يتوقع لها أن تزيد من حجم استهلاكها من 7.1 مليون برميل يوميا العام الماضي إلى 16.5 مليون بحلول عام 2030. كما أن الهند من جانبها تحقق نموا وبصورة أسرع، إذ يتوقع لحجم استهلاكها أن يرتفع من 2.6 مليون برميل يوميا إلى 6.5 مليون، علما أن هذه التوقعات تقوم على احتمال حدوث تباطؤ اقتصادي، وإلا لتم رفع هذه الأرقام.
ومع أن النفط سيظل متربعا على العرش كأحد أكبر مصادر الطاقة وبنسبة تصل إلى 32 في المائة، إلا أن الفحم من جانبه سيشهد نموا ملحوظا، إذ ستقفز نسبته في استهلاك الطاقة من 25 في المائة إلى 28 في المائة. ونحو 80 في المائة من النمو في استهلاك الفحم سيكون من نصيب الصين والهند، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى زيادة في حجم الغازات المنبعثة بسبب احتراق النفط بنسبة 57 في المائة، هذا إذا لم يحدث تغيير في السياسات التي تتبعها هاتان الدولتان، بما يساعد على كبح جماح الطلب المتصاعد الذي يمكن أن يسهم في رفع حجم واردات الصين مثلا أربعة أضعاف ما هي عليه الآن بحلول عام 2030، وهو ما يعني الولوج إلى منطقة ذات أبعاد سياسية وتتعلق بالتسعير المحلي للنفط، وإذا كان في الإمكان رفع حجم الدعم الكبير وضعا في الاعتبار التبعات السياسية لذلك، وهي خطوات يمكن التعامل معها تدريجيا كي لا تؤدي إلى حدوث اضطرابات.
وهذا الوضع هو الذي دفع نوبو تاناكا المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة إلى القول إن الوقت يجري بسرعة والوضع لا يمكن احتماله، خاصة مع ضعف حجم الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى (أوبك)، التي يمكن أن تزيد إذا تم ضخ الاستثمارات الموعودة لرفع تلك الطاقة، ومن ثم رفع نصيب (أوبك) في السوق من 42 إلى 52 في المائة بحلول عام 2030.

الأكثر قراءة