رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل غدا السكن حلماً؟!

[email protected]

إنشاء الهيئة العامة للإسكان يمثل أملاً للكثير من المواطنين في طريق البحث عن المسكن. إذ إن ارتفاع سوق العقار مع انخفاض مستويات الدخل وعدم توافر بدائل التمويل أدت إلى ارتفاع أعداد الباحثين عن السكن. والمشكلة في تزايد مستمر مع تزايد أعداد السكان مما يزيد من تشاؤمية الوضع المستقبلي لقطاع الإسكان على المديين القريب والبعيد على حد سواء، الأمر الذي يحتم علينا العمل بكل ما أوتينا من قوة مالية وإمكانات فكرية لتصميم سياسات تكفل لكل مواطن فرصة الحصول على مسكن مقبول وبتكلفة معقولة. وهذا الهدف يجب أن يمثل صلب استراتيجيات العمل الاقتصادي في الدولة لسبب واحد فقط هو أن امتلاك المنزل يرتبط ارتباطا مباشراً بمسألة الولاء والمواطنة، إذ إن ارتباط المواطن بالوطن يشتق بشكل مباشر من امتلاكه مكاناً يحويه ويحوي أبناءه داخل وطنه. لذا فإن السياسات الضريبية في كثير من الدول تصب في سبيل دعم تملك المنازل، إذ إن ملكية المنزل تجعل المواطن أكثر حرصاً على سلامة المسكن وعلى الاستقرار الأمني وتطور الخدمات في منطقة سكنه، لارتباطه بها لفترة أطول.
إن التحديات التي ستواجه الهيئة العامة للإسكان كبيرة، فمن جانب ستواجه الهيئة قطاعاً تراكمت مشاكله على مدى أكثر من 20 عاماً ونمواً سكانياً يزداد يوماً بعد يوم. ومن جانب آخر ستواجه الهيئة قوى الأطراف المستفيدة (والمتنفذة) من الوضع الحالي. وهنا سننتظر لنرى الطريق الذي ستسلكه الهيئة العامة للإسكان ممثلة في أمينها العام الدكتور شويش المطيري، في قيادة وإصلاح قطاع الإسكان الذي سيمثل أحد أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد السعودي خلال العقدين المقبلين. فعلى الجانب الأول يواجه قطاع الإسكان مشكلة تزايد متسارع في الطلب على الوحدات السكنية، ينتج بشكل أساسي عن تزايد معدلات النمو السكاني في المملكة. إذ يمثل السكان من الفئة العمرية ما دون 20 عاماً ما نسبته 50 في المائة تقريباً (49.7 في المائة). أما نسبة السكان من الفئة العمرية ما دون 34 عاماً فيقدر بما يزيد بقليل على الـ 75 في المائة (75.3 في المائة). هذه الأرقام تدل على ازدياد مطرد خلال الـ 20 أو الـ 30 سنة المقبلة على الطلب ليس على الإسكان فقط، ولكن على جميع القطاعات الخدمية الأخرى كالصحة والتعليم. لكن المشكلة المتعلقة بالإسكان أن فاتورته تمثل الوزن الأكبر في سلة الاستهلاك السعودي، إذ يقتطع الإسكان ما لا يقل عن 40 في المائة من دخل المستهلك السعودي، الذي تناقصت قيمته الحقيقية بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة.
المشكلة أن الدراسات والبيانات الرسمية المتعلقة بسوق الإسكان محدودة جداً وهو ما يجعل عملية التنبؤ بأوضاع القطاع صعبة جداً. وخلال بحثي عن بيانات ودراسات متعلقة بهذا القطاع لم أستطع الحصول إلا على تقارير صادرة عن شركات عقارية خاصة، وجميعها تشير إلى أرقام مخيفة من حيث الطلب المستقبلي على الوحدات السكنية، مما يثير تساؤلاً عن مدى موضوعية هذه التقديرات بالنظر إلى استفادة هذه الشركات المباشرة من عملية المبالغة تلك. ومع ذلك فليس هناك بد من الرجوع إليها لتقدير حجم المشكلة في ظل عدم توافر البديل، فقد توقعت دراسة أعدتها شركة دار الأركان ونشرتها "الاقتصادية" أن يزداد الطلب على الإسكان خلال عام 2008 بمعدل 63.1 في المائة، لكن التقرير مع ذلك لم يشر إلى ما إذا كانت هذه الزيادة تراكمية بالنسبة إلى سنة أساس سابقة أم أنها تمثل نسبة الزيادة في سنة واحدة. ولا أعرف ما هدف الشركة من نسبة نمو الطلب السكاني إلى سنة أساس سابقة، إلا إذا كان ذلك الهدف إظهار النسبة بشكل أكبر بكثير مما هو عليه معدل التغير من سنة إلى أخرى لاحقة لها.
والهيئة الجديدة وقيادتها الإدارية ستواجه تحديين مهمين على المستوى الاقتصادي الجزئي. الأول يتعلق بإصلاح الوضع التنافسي المشوه في قطاع الإسكان والناتج عن احتكارات مارسها متنفذون في قطاع الاستثمار العقاري على مدى الـ 40 سنة الماضية. ومواجهة هؤلاء ستكون أشبه بحرب العصابات إذ يملك هؤلاء نفوذاً في كل القطاعات بما يكفل لهم حماية مصالحهم الشخصية. أضف إلى ذلك أن الهيئة - وكما يدل عليه مسماها - لن تكون مسؤولة مباشرة عن إصلاح القطاع العقاري، أي أن المشكلة ستتعدى الإطار الذي ستعمل فيه الهيئة ومن ثم سيشكل ذلك تحدياً كبيراً لها. التحدي الآخر يتمثل في تعميق سوق الوحدات السكنية، وهو الذي أعتقد أن الهيئة تمسك بمفاتيحه وما عليها إلا إحسان إدارة هذا الملف. وهنا أشير إلى فكرة سابقة طرحها الزميل الدكتور مقبل الذكير على صفحات "الاقتصادية" تتضمن أهمية دخول الحكومة كضامن لا كمقرض في سوق التمويل العقاري، مما يوفر الفرصة لدعم كبير للسوق ومن ثم زيادة المعروض من الوحدات السكنية بشكل يستوفي الطلب الناتج عن الزيادة السكانية المطردة. ولتعقد وتشعب موضوع التمويل الإسكاني فسأترك الحديث عنه إلى مقال آخر إن شاء الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي