فتح النوافذ على "سابتكو" (1 من 2)

[email protected]

ضمن الإصلاحات الاقتصادية المتضمنة رفع كفاءة مختلف القطاعات والتوجه نحو التخصيص والتحرير، أعلنت وزارة النقل بتاريخ 6/2/2008 عن تحرير قطاع النقل البري بالحافلات بين المدن وداخلها خلال ستة أشهر بعد احتكار طويل من قبل شركة النقل الجماعي "سابتكو" ينتهي منتصف 1429 هجرية. وكانت خطوة تحرير النقل البري وفتح باب المنافسة متوقعة منذ فترة طويلة ضمن سياق تحرير عدد كبير من القطاعات بما يتماشى مع استراتيجية التخصيص الوطنية كما كان متوقعاً قبل ذلك تحرير قطاع النقل الجوي الداخلي الذي كان محتكراً من قبل الخطوط السعودية وتم الترخيص لشركتين بهدف تحرير القطاع. بيد أن هناك اختلافا كبيرا بين احتكار النقل الجوي الداخلي واحتكار النقل البري الداخلي، فاحتكار النقل الجوي الداخلي من السهل تطبيقه من خلال شاشة الرادار والمطارات المحلية بما يضمن تمتع المحتكر بفوائد الاحتكار التي تتناسب طردياً في معظم الأحيان مع تناقص رفاه المستهلك وانتفاعه من الخدمة المقدمة، إلا أن من الصعب التحكم وتطبيق قرارات احتكار النقل البري الداخلي مع السماح بالنقل البري الخارجي للناقل البري السعودي المنتمي للقطاع الخاص. فواقع الحال يشير إلى أن قطاع النقل الخاص السعودي كان ناشطاً في العمل على خطوط النقل الداخلي، وحتى ضمن حدود المناطق وداخل المدن. وكدلالة على توقع تحرير قطاع النقل البري الداخلي، قامت "سابتكو" بخطوات لافتة خلال العامين الماضيين حين تعاقدت مع شركة استشارات عالمية لإعادة هيكلتها بشكل كامل وبما يتفق مع ظروف السوق والتحديات الجديدة وفي مقدمتها سياسات التحرير. وقد تكون الشركة في مرحلة تؤهلها حالياً للعب تحت قوانين السوق، كما تشير إلى ذلك المبادرات الخدمية الجديدة والتقنيات والأنظمة المعلوماتية المتطورة التي تستهدف مختلف الشرائح السوقية.
بداية، كما تقول النظرية الاقتصادية، وكحال الهيكل الاحتكاري في كل صناعة، فالعوائد والأرباح غير العادية - فوق معدل التوازن في السوق كاملة التنافسية - التي يحققها المحتكر تغري المنافسين بالدخول إلى السوق واقتطاع جزء من الأرباح التي يحققها المحتكر ممثلاً في شركة النقل الجماعي في مثالنا هذا لحين زيادة عدد وحجم المنافسين ووصول السعر التوازني والأرباح المتحققة لجميع الأطراف لمستوى التنافسية الكاملة. وفي الوقت ذاته، فإن البيئة الاحتكارية وسهولة تحقيق الأرباح تؤدي بالمحتكر أو شركة النقل الجماعي إلى عدم الاهتمام بمعدلات الكفاءة ورفع هامش الربح بجانب عدم الاهتمام بخدمة العملاء والزبائن وشكاواهم، ففي نهاية اليوم ليس للعميل والزبون خيار آخر في النقل البري - إن لم يكن يعلم عن شركات الظل، وسيعود في النهاية إلى شركة النقل الجماعي المحتكرة رغماً عن أنفه، ولسان حال تعامل الشركة وخدماتها في وقت مضى يدل على ذلك.
ولاختلاف حالة ومعطيات النقل البري عن النقل الجوي، فإن تأثير وتداعيات تحرير قطاع النقل البري المحتمل بعد نحو ستة أشهر على صناعة النقل البري وهيكل التسعير والخدمات ليست مطابقة للنظريات تماماً أو كما يتوقع لسيناريوهاتها المراقب البعيد عن واقع سوق النقل البري السعودية. فسوق النقل البري في المملكة، على الرغم من أنها محتكرة نظرياً، إلا أن هذا الاحتكار ليس مطبقاً تماماً، والخروقات لنظام الاحتكار الحالي تجعل توصيف هيكل السوق السعودية للنقل البري - من وجهة نظري - باحتكار القلة، أي ليس باحتكار تام، كما أنه ليس بمنافسة كاملة نظراً لتقنين الاحتكار من قبل الجهات المعنية. فهناك عدد كبير من شركات النقل البري الخاص تقوم بالعمل على الخطوط الداخلية والإعلان عن رحلاتها وأسعارها في الطرقات أيضاً. والسؤال، ماذا يترتب على احتكار القلة الخفي في الوضع القائم حالياً، وعند تحرير القطاع رسمياً بعد نحو ستة أشهر؟ هل ستكون النتيجة مزيداً من الخيارات ابتداء كما حصل في حالة النقل الجوي، وخدمة أفضل نسبياً كذلك، ثم تأتي مرحلة التكتل وتنسيق "احتكار القلة" مع توزيع الوجهات والطرق بما يضمن تحقيق أعلى قدر من الأرباح للاعبين في السوق كما حدث في التكتل على تقاسم خطوط الرحلات الداخلية بين الناقلين الجويين؟ هناك الكثير من التساؤلات والكثير من السيناريوهات التي تنتظر الإجابات، إلا أن الثابت هو حتمية تغير الهيكل الحالي بما فيه نظم التسعير ومستوى الخدمات وتوافرها لقطاع النقل البري.
فالمتوقع أن يكون أوائل الواقفين أمام طابور تراخيص النقل البري الداخلي في وزارة المواصلات بعد نحو ستة أشهر هم شركات النقل البري "الخارجي" الكبرى في المملكة نظراً لكونها الأعلم بالسوق وخفاياها بجانب الإلمام بقواعد اللعبة قبل وبعد الترخيص لكون البعض من شركات الظل، أو من الشركات التي لها نشاطات نقل داخلي تم تصميم طرقها وعملياتها بإتقان للالتفاف على قرار احتكار النقل في الأعوام الماضية بجانب حمل ترخيص نشاط مغاير يموه طبيعة الأعمال. وبجانب الشركات القائمة التي ستتقدم للحصول على التراخيص، فدخول مستثمرين جدد يعد من المسلمات، حيث إن توافر السيولة في الاقتصاد السعودي يفتح مجالاً رحباً أمام ظهور مبادرات استثمارية Venture Capital من جانب أفراد أو مجموعات مستثمرين ترى بعض الزوايا الاستثمارية في تحرير قطاع النقل البري التي لا يراها غيرها. فللإيضاح، إن قطاع النقل البري يحتمل الكثير من التنوع في الخدمات ونماذج الاستثمار كخدمة شرائح سوقية معينة أو تقديم خدمات معينة تتطلبها بعض الشرائح السوقية وبالإمكان التفوق في توفيرها، أو بتصميم خدمات نقل تكاملية لأنشطة اقتصادية أخرى كالنشاط السياحي. فمثلاً، قد يتم إشهار شركات نقل عام تقدم خدمات رخيصة برسوم أقل من غيرها وبحافلات أقدم من المستخدمة حالياً بجانب وجهات وتوقيتات تقلل من التكاليف التشغيلية أو قد تكون الشركة مخصصة لمسافري الخمس نجوم وكبديل لتوافر حجوزات الطيران، كل ذلك يعتمد على نموذج الأعمال الذي يتم اتباعه.
وفي ختام هذه الحلقة، فإن فوائد التحرير وإيجابياته من الناحية النظرية وواقع قطاع النقل البري عموماً تشير إلى أن الصورة العامة للنقل البري ستشهد المزيد من التنوع نظراً لتحول بعض شركات النقل البري الداخلي العاملة في الظل إلى شركات مرخصة، دخول مستثمرين جدد، وبدء ظهور خدمات نقل بري تستهدف شرائح مختلفة وبنماذج أعمال لا يمكن التنبؤ بها من الآن دون أن تكتمل أركان الصورة بمعرفة توجهات الجهات التنظيمية والتشريعية ومدى تطبيق النظم والمواصفات المطلوبة في قطاع النقل البري على أرض الواقع. ولكن، بجانب الإيجابيات المتوقعة لتحرير القطاع، إلا أن هناك آثارا جانبية، مخاطر، ومتطلبات يجب الوفاء والالتزام بها لضمان صحة قطاع النقل البري ونجاح عملية التحرير للتأكد من عدم خروج هذا القطاع عن السيطرة وأسس التنظيم للوفاء برفع مستوى رفاه المواطنين الذي يعد الهدف النهائي لقرار تحرير قطاع النقل البري دون ريب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي