صندوق النقد : ارتفاع أسعار النفط لن يضر الاقتصاد العالمي
أكد متحدث باسم صندوق النقد الدولي، أن ارتفاع أسعار النفط العالمية سيترك على الأرجح تأثيرا محدودا فقط في نمو الاقتصاد العالمي نظرا لأن الارتفاع مدفوع بنمو قوي في الطلب وليس بنقص في المعروض. وقال المتحدث ديفيد هاولي في إفادة صحافية دورية "نتوقع استمرار ارتفاع الأسعار". وأضاف "تداعيات أسعار النفط تبدو محكومة ولاسيما أن ارتفاع السعر مدفوع بنمو قوي مستدام في الطلب من أسواق ناشئة مثل الصين وليس بنقص في المعروض". وقال هاولي إن ارتفاع أسعار النفط يتفاقم من جراء توترات سياسية وطقس سيء في خليج المكسيك. وأضاف أنه يعكس أيضا شحا متزايدا في العوامل الأساسية بما في ذلك تباطؤ المعروض وتراجعات أكبر من المتوقع في إنتاج حقول نفطية ونمو الطلب.
واخترق النفط الخام مستوى 98 دولارا للبرميل للمرة الأولى الأربعاء الماضي وجرى تداوله بسعر 97.50 دولار أمس الأول، مقتربا بذلك من المستوى الحرج 100 دولار للبرميل الذي يخشى بعض المحللين من أن يكون نقطة اختلال التوازن للاقتصاد الأمريكي الذي يجاهد بالفعل وسط تدهور في سوق الإسكان وتباطؤ في النمو.
وتواجه الدول الرئيسية المستهلكة للنفط في آسيا وكبار المنتجين العالميين مشكلة مشتركة تتمثل في الدعم الكبير الذي توفره حكوماتها لأسعار الوقود في وقت تقترب فيه أسعار النفط من 100 دولار للبرميل. وبالقطع فإن ردود فعل هذه الدول ستتباين. فدول الخليج يمكنها أن تستخدم حصيلة بيع النفط في سد الفجوة بينما يتعين على
الدول الآسيوية المستهلكة للنفط سحب الدعم تدريجيا. لكن المحللين يتفقون على أن الطرفين سيبقيان القوى الرئيسية المحركة للطلب العالمي على النفط.
وتمثل الدول التي تبيع وقود وسائل النقل بأقل من سعر السوق أكثر من نصف النمو العالمي في الاستهلاك ولذلك فإن لنظم الدعم فيها أثرا كبيرا في السوق من الناحية النظرية. ويبدو أن سياسات دعم الأسعار في آسيا تتراجع. لكن زعماء المنطقة كانوا يتحركون ببطء في الماضي عندما كان الأمر يتعلق بتعهدات بإصلاح نظم الأسعار ولا يبدو أن الطبقة المتوسطة التي يتزايد حجمها ستفعل شيئا أكثر من مجرد إبداء الاستياء فيما يتعلق بأسعار الوقود.
وقال أشوك كريشنا نائب رئيس قسم التكنولوجيا بشركة شيفرون جلوبال داونستريم "لا أعتقد أن الطلب سينخفض بسبب الأسعار في أي وقت قريب. فلا شيء مما أراه في الصين أو الهند أو الولايات المتحدة سيتسبب في ذلك حقا". وأضاف في تصريحات للصحافيين خلال مؤتمر عن صناعة التكرير عقد في بكين "أسافر إلى الهند فأرى ازدهار الطبقة المتوسطة. هناك سوق استهلاكية هائلة ولا أعتقد أنهم سيشعرون بالقلق لزيادة السعر خمسة أو عشرة روبيات للجالون الآن". وانتهت الأسبوع الماضي مقاومة الصين على مدى 17 شهرا لزيادة أسعار الوقود عندما أدى نقص واسع النطاق إلى زيادة الأسعار فجأة بنسبة 10 في المائة. وطلب رئيس وزراء ماليزيا من حزبه هذا الأسبوع الاستعداد لزيادة الأسعار وربما تزيد الهند أسعار الوقود الأسبوع المقبل.
وفي حين تنحني آسيا أمام عاصفة ارتفاع الأسعار فإن الدول الغنية المنتجة للنفط في منطقة الشرق الأوسط لديها حوافز متزايدة لتوفير الوقود الرخيص بما يدعم النمو الاقتصادي. فأغلب حكومات المنطقة التي تتمتع بزيادة كبيرة في حصيلة صادرات النفط تبيع الوقود بأسعار مدعمة أو بسعر التكلفة وأي زيادة في الأسعار قد تثير استياء شعبيا.
وقال ديفيد كيرش مدير معلومات الأسواق في مؤسسة بي إف سي إنرجي الاستشارية من واشنطن في مكالمة هاتفية "الحكومات في الخليج ترى أن أحد تكليفاتها الأساسية توفير الطاقة الرخيصة لشعوبها". وأضاف "الأهم من ذلك وعلى نحو متزايد في الخليج فإن شعوب الخليج ترى أن الحصول على الطاقة الرخيصة حق من حقوق المواطنين".
لكن الأسعار المنخفضة تشجع على زيادة الاستهلاك مما يفاقم مشكلات الإمدادات التي تعمل على رفع الأسعار العالمية. وقال مايك ويتنر رئيس أبحاث النفط لدى سوسيتيه جنرال في باريس "المناطق التي تمثل أكبر نمو في الطلب هذا العام والتي نتوقع أن تأتي منها الزيادة في الطلب العام المقبل هي الصين وبقية دول آسيا غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والشرق الأوسط". وأضاف "عندما تركز على الصين والشرق الأوسط فأبرز ما تراه هو أن الطرفين لديهما أسعار مدعمة بشدة".
وفي العام الماضي نما الطلب على النفط في الشرق الأوسط بمقدار 290 ألف برميل يوميا أي أكثر من ثلث النمو في الطلب العالمي على النفط البالغ 780 ألف برميل يوميا وفقا لبيانات وكالة الطاقة الدولية. ونما الطلب على النفط في الصين في 2006 بنحو 8 في المائة.
ومن المفارقات أن الصين تكافح للحد من نمو الطلب على الطاقة لمعالجة التلوث ومخاوف تتعلق بأمن الطاقة وتدرك أن ارتفاع الأسعار قد يكون أداة مفيدة في تحقيق هذا الهدف. وقد وعدت الصين بفرض ضريبة على استهلاك الوقود وتحرير أسواق النفط والكهرباء وهو ما سيقلل حجم فاتورة الدعم التي بلغت في العام الماضي وحده عدة مليارات من الدولارات.
لكن شبح الاستياء الشعبي والتضخم الذي سجل في آب (أغسطس) أعلى مستوى له منذ ثماني سنوات يقيد الدول التي تدعم أسعار الوقود. والمخاطر واضحة أمام الساسة. فالزيادات السابقة في الأسعار في إندونيسيا أدت إلى احتجاجات عنيفة. وفي ميانمار تحولت احتجاجات على زيادة أسعار الوقود هذا العام إلى مظاهرات ضخمة ضد نظام الحكم وأثارت اهتماما عالميا.
والمواطن العادي نادرا ما يتفهم الضغوط التي تفرضها الأسواق العالمية أو أثر ما ينفق على دعم الأسعار في مجالات أخرى من ميزانية الدولة. ويقول بيتر وهو يعمل محرر رياضي في بكين ويقود سيارة سوزوكي "يجب أن يتناسب سعر النفط في الصين مع وضعنا المحلي. فمستوى المعيشة في الصين ليس مرتفعا مثله في أوروبا".
وهناك ضغوط شعبية مماثلة في منطقة الخليج حيث إن ضخامة الايرادات تسكت أي أصوات تنادي بالتغيير. وقال فاليري مارسيل خبير الطاقة الذي يعمل في دبي لحساب تشاتام هاوس "ارتفاع أسعار النفط يؤخر إصلاحات أسعار الوقود".
وفي فنزويلا عضو أوبك وعد الرئيس هوجو شافيز هذا العام بزيادة سعر البنزين الذي قال صندوق النقد الدولي إنه أرخص الأسعار في العالم إذ يبلغ 13 بنسا للجالون. لكنه لم يفعل شيئا لتنفيذ هذا الوعد حتى الآن.