رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المشروع الحضاري الإسلامي بين جهل أبنائه وظلم أعدائه

[email protected]

معظمنا يعرف قصة الصحابي الجليل ربعي بن عامر رسول قائد معركة القادسية سعد بن أبي وقاص مع رستم قائد الفرس في معركة القادسية عندما عرض على ربعي بن عامر أن يعطي قائد المسلمين مائة دينار ويعطي كل جندي بضعة دنانير ويعودوا من حيث أتوا ، فقال ربعي بن عامر لقد ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلي عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلي عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلي سعة الآخرة".
تذكرت هذه القصة عندما قال لي أحد الأقارب إن أحد زملائه في العمل كان يعامل هندوسيا يعمل فراشا لديهم معاملة سيئة على اعتبار إنه كافر فاسد المعتقد، وأنه (أي قريبي) رفض تلك المعاملة، وقال لزميله إن الهندوسي هذا يعاني نبذا شديدا من مجتمعه لكونه من طبقة المنبوذين، وإنه لا يمكنه أن يرتقي بحالته مهما بذل من جهود، وإن هذا الهندوسي دائما ما يتساءل عن سر سماح السعوديين للأجانب خصوصا من أبناء القارة الهندية بإمامتهم في الصلاة رغم التفاوت في الحالة الاقتصادية والمكانة الوظيفية.
وللعلم فإن المجتمع الهندوسي يتكون من أربع طبقات رئيسة واستُحدثت طبقة خامسة تعرف بطبقة "الشودرا" أو "المنبوذين"، وهي تشمل أهل الحرف المتدنّية من وجهة نظر الهندوسية وتتكون هذه الحرف من حفّاري القبور وعمال نظافة دورات المياه وخلافه، ولا شك أن اعتناق هذا الهندوسي الديانة الإسلامية (التي تخرج العباد من عبادة العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ) يشكل له مخرجا من أزمته، وهذا هو سر انتشار الدين الإسلامي بالدعوة بالحسنى أكثر من انتشاره بالسيف، فهو دين العدل والحرية والمساواة والرحمة والكرامة إلى غير ذلك من القيم الإنسانية السامية.
إذن المشروع الحضاري الإسلامي هو مشروع قيم إنسانية وأخلاقية رفيعة متى ما شاعت بين الناس أيا كانوا حسنت أحوالهم وارتفعت مستويات معيشتهم وسمت أهدافهم بالشكل الذي يجعل منهم عمارا للأرض وللأنفس على حد سواء، وعندما تبنى المسلمون الأوائل المفاهيم السليمة للمشروع الحضاري الإسلامي - كما وصفها ربعي بن عامر - انطلقوا في مشارق الأرض ومغاربها فاتحين محررين للإنسان الذي كان يعاني في معظم بقاع الأرض العبودية والامتهان، وهو ما جعل المسلمين الداخلين في الإسلام نتيجة هذه الفتوحات يسهمون في المزيد من الفتوحات الإسلامية لنشر المبادئ والقيم التي أسهمت في تحريرهم وتحسين مستوى معيشتهم والسمو بأنفسهم إلى غايات تتناسب وطبيعة الإنسان الإنسانية المتفردة بين المخلوقات كافة.
جهل أبناء الإسلام اليوم بهذا المشروع الحضاري السامي جعلهم يقدمون الإسلام للآخرين على أنه دين الحلال والحرام بدل الانطلاق من قيمه السامية ومفاهيمه الرفيعة (الكرامة، الرحمة، الحرية، المساواة، التيسير، العدل.. إلخ)، ولكون الحياة المادية يطغى عليها الحرام أكثر من الحلال رأى غير المسلمين في الإسلام دين المنع والتحريم والتضييق بدل أن يكون دين التيسير والتطوير والتوسيع على الناس، فنفروا منه بدل الإقبال عليه.

خصوم الإسلام أيا كانوا يعلمون سر نجاح هذا الدين وانتشاره وهم يعرفون تمام المعرفة أن أي مجموعة تعتنق هذا الدين دون شوائب عرقية أو طائفية أو إثنية ستكون مجموعة مزودة بثقافة قوية تدفعهم إلى الأمام في المجالات كافة، كما تمكنهم من التأثير في الآخرين بكل بساطة إضافة لكونها ثقافة لا يمكن اختراقها بأي شكل من الأشكال، لذا فهم يحرصون أشد الحرص على إبعاد المسلمين عن الفهم السليم للمشروع الحضاري الإسلامي، كما يحثونهم على الخروج إلى العالم الآخر بصورة ينكرها ويبغضها الجميع، وليس ذلك فحسب بل يسهمون في توفير كل ما يساعدهم على الخروج بتلك الصورة، حتى بتنا نرى إسلام "العدل والحرية والمساواة والرحمة والسلام والمحبة والعطاء والإنتاجية والإنسانية" وقد أصبح إسلام "الإرهاب والقتل والتضييق على الحريات والتمييز العنصري".
ولا أعتقد بكفاية ما يقوم به البعض اليوم من أبناء الإسلام المخلصين، وخصوصا من أبناء السعودية من جهود للذود عن حياض الإسلام من خلال رفض ما يطرحه الآخرون حول دموية الإسلام وتخلف معتنقيه، حتى وإن حصلوا من بعض رجال الغرب على شهادات براءة للإسلام من التخلف والإرهاب ونبذ للآخرين.
نعم لا أعتقد أن ذلك يكفي دون أن نقوم ببرامج تطبيقية على مستوى عالمي لتقديم قيم الإسلام السامية ومفاهيمه الرفيعة كحلول مثلى لكثير مما تعانيه الإنسانية اليوم من مشكلات اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، وسياسية، ودليلي على ذلك النتائج الباهرة التي حققتها إنجازات الشؤون الصحية لفصل التوائم من جميع أنحاء العالم، حيث أسهمت هذه الإنجازات في بناء صورة مملكة الإنسانية "حاضنة الحرمين" في معظم بقاع الأرض.

ختاما، أجزم أنه حان الوقت للتفكير في مشاريع عملية تطبيقية لتقديم حضارة الإسلام إلى الآخرين دون التعرض لمناسباتهم وسلوكياتهم بشكل يثير حفيظتهم ويؤسس لموقف سلبي حيالنا، وذلك بتبني قضايا إنسانية على مستوى عالمي مثل قضايا الطفولة والمحافظة على قيم الأسرة، ومكافحة الأمراض والتمييز العنصري، ومن الأفضل أن يكون ذلك من قبل جمعيات أهلية مقرها السعودية مهبط الوحي وراعية حضارة الإسلام ورسالته السامية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي