أول تقييم منصف وضعه رئيس أمريكي للصراع العربي ـ الإسرائيلي

أول تقييم منصف وضعه رئيس أمريكي للصراع العربي ـ الإسرائيلي

جيمي كارتر من مواليد 1924، ولد في مدينة بلينز في ولاية جورجيا الأمريكية، خدم في القوات البحرية كفيزيائي حتى 1953, انتخب عضوا في مجلس شيوخ ولاية جورجيا، وفي 1970 انتخب حاكما للولاية. في 1976 فاز كمرشح للرئاسة عن الحزب الديمقراطي ليصبح الرئيس التاسع والثلاثين للولايات المتحدة في الفترة من 1977 إلى 1981.
تميزت فترة رئاسته بتوقيع اتفاقات كامب ديفيد للسلام في الشرق الأوسط وكذلك أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية في إيران. وبعد مغادرته البيت الأبيض تفرغ للمشاركة في السياسات الدولية كوسيط للسلام، من خلال مركز كارتر وهو بحسب مؤسسه: مؤسسة غير ربحية تمنع النزاعات وتقدم الحلول لتسويتها وتهتم بتحسين الصحة حول العالم وتعزز الحرية والديمقراطية. منح جائزة نوبل للسلام عام 2002, ألف 21 كتابا, منها: المشاركة في الأزمنة الطيبة، فضائل الشيخوخة، نقطة تحول، التفاوض, وكتاب قيمنا المعرضة للخطر الذي اعتبرته "نيويورك تايمز" الكتاب الأول في أفضل الكتب بيعا.
أثار كتابه "فلسطين السلام لا التمييز العنصري" موجة جدل واسعة في الأوساط السياسية والصحافية الأمريكية والعالمية، وقوبل بحملة عنيفة من العداء والتشهير من قبل المنظمات الصهيونية التي اعتبرته خروجا عن الخطوط الحمراء التي تمس إسرائيل والقضايا اليهودية، وانحيازا للفلسطينيين في صراعهم مع اليهود, ما دفع 14 عضوا من مركز كارتر لتقديم استقالتهم معلنين في رسالة وجهوها إلى كارتر أنهم ينسحبون نتيجة فقدانهم الاحترام السابق للمركز ولمؤسسه! وجاء في رسالة الاستقالة: "نحن نشعر بقلق عميق إزاء تصريحات الرئيس وكتاباته ونرفع رسالة الاستقالة التالية إلى مركز كارتر"، وفي رسالة أخرى وجهوها إلى كارتر نفسه قال الأعضاء المستقيلون: "في كتابك الذي يتناول الصراع بين إسرائيل وجيرانها حملت إسرائيل وحدها مسؤولية حل الصراع وانحزت إلى جانب واحد، وبكل وضوح. لقد تخليت عن دورك التاريخي كوسيط لتصبح محاميا عن أحد الأطراف".
يقدم الكتاب وربما لأول مرة تقييما محايدا وضعه أمريكي سبق أن شغل منصبا رسميا رفيعا، للصراع العربي ـ الإسرائيلي، دون مراعاة للخطوط الحمراء اليهودية - الصهيونية إزاء كل ما يمس الدولة اليهودية وسمعتها, وهو يعلن بكل وضوح عن الانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة لحقوق الإنسان وانتهاك مقررات المجتمع الدولي ومراوغة ساستها وضربهم بالاتفاقات التي أبرمتها حكومات إسرائيلية سابقة مع جيرانها العرب وغير ذلك عرض الحائط, ما يمكن اعتباره إنصافا للقضايا العربية في عيون المجتمع الأمريكي الذي اعتاد نمطا واحدا من الترويج السياسي اليهودي المعادي للعرب والمسلمين عبر أجيال وأجيال.
يقع الكتاب في 16 فصلا، إضافة إلى الخلاصة والملاحق، ويضم جدول الأحداث التاريخية الذي أحله المؤلف مكان المقدمة، عرضا تاريخيا موجزا لأهم الأحداث التاريخية في فلسطين بدءا من رحلات إبراهيم عليه السلام (1900ق.م) وانتهاء بالحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان (2006).
يتناول الفصلان الأول والثاني عوائق عملية السلام في المنطقة والانطباعات التي خلفتها زيارة المؤلف للمنطقة قبيل حرب أكتوبر 1973، حيث يصف الأجواء السائدة في إسرائيل آنذاك باعتبارها أجواء استرخاء بعد النصر الذي حققته إسرائيل عام 1967، ويقارن بشكل صريح بين التعسف والتهجير والقتل الذي تعرض له الفلسطينيون على يد الإسرائيليين وبين المعاناة التي عاشتها شعوب أمريكا الأصلية من الهنود الحمر على يد المهاجرين الأوروبيين.
يتحدث الفصل الثالث عن الفترة التي شغل المؤلف خلالها منصب رئيس الولايات المتحدة (1977-1981)، وزيارة السادات القدس والجهود التي انتهت بتوقيع اتفاقات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، وتتخلل الفصل الانطباعات السلبية التي خرج بها كارتر عن مناحيم بيجن رئيس الوزراء الإسرائيلي الليكودي آنذاك.
في الفصل الرابع يتتبع المؤلف باختصار وبلغة الأرقام تاريخ المشكلة الفلسطينية وصولا إلى فترة الاحتلال البريطاني ووعد بلفور وقرار التقسيم الذي انتهى بسيطرة اليهود على 77 في المائة من أراضي فلسطين، وتشريد 700 ألف فلسطيني عام 1948 تلاهم 320 ألف نازح عربي بعد حرب هاجروا بعد حرب 1967 ويخرج في نهاية الفصل بمقارنة بين أسلوب الحكم (الديمقراطي) في إسرائيل وبين أنظمة الحكم العربية التي تفتقر إلى الديمقراطية ومؤسساتها.
الفصل الخامس مخصص للحديث عن رأس الهرم السياسي في الدول العربية المحيطة بفلسطين، والانطباعات التي كونها المؤلف من خلال لقاءاته مع كل من الرئيس السوري حافظ الأسد، الملك الأردني حسين بن طلال، الرئيس السادات، الرئيس اللبناني أمين الجميل وياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ويختم المؤلف الفصل بالحديث عن خادم الحرمين الشريفين فهد بن عبد العزيز.
الفصل السادس يتناول فترة ما بعد الرئاسة وهو بعنوان "سنوات ريجان 1981-1989"، ويبدأها المؤلف بالحديث عن مركز كارتر الذي تنتشر مشاريعه في 65 أمة منها 35 دولة إفريقية والمركز يهتم ـ بحسب المؤلف ـ بمشاريع الصحة وتطوير الزراعة وتعزيز الديمقراطية وترويج السلام. والأحداث الرئيسة في هذا الفصل هي: الغزو الإسرائيلي للبنان 1982, وفضيحة صفقة الأسلحة الأمريكية لإيران بوساطة إسرائيلية.
في الفصل السابع يصور كارتر معاناة الأسر الفلسطينية تحت الاحتلال، وينقل تقارير المنظمة الإسرائيلية لحقوق الإنسان التي بينت أن 12 أسرة فلسطينية في المتوسط تفقد بيوتها مقابل كل شخص متهم بالمشاركة في أعمال عنف ضد الإسرائيليين, وتقيم هذه المنظمة السياسة الإسرائيلية باعتبارها تشكل خرقا خطيرا للقانون الإنساني الدولي بحيث يمكن اعتبارها جريمة حرب, أما المحكمة الإسرائيلية العليا فمهمتها إيجاد التبريرات لهذه السياسة. كما ينقل المعاناة المستمرة من الانحياز وعدم المساواة بين المستوطن الإسرائيلي ونظيره الفلسطيني حيث يستهلك الأول خمسة أضعاف الماء المخصص للثاني, إضافة إلى الظلم الناتج عن إعاقة وصول المساعدات الإنسانية الدولية للفلسطينيين وغيرها.
الفصلان الثامن والتاسع تم إفرادهما للحديث عن: فترة رئاسة جورج بوش الأب، مؤتمر مدريد1991, فوز حزب العمال بالانتخابات 1992، توقيع اتفاقية أوسلو واغتيال إسحق رابين على يد متطرف يهودي 1995.
الفصل العاشر مخصص لتغطية الانتخابات الفلسطينية 1996ودور مركز كارتر في مراقبة الانتخابات الملاحظات الميدانية التي خرج بها مراقبوه حول المضايقات والاستفزازات الإسرائيلية للناخبين الفلسطينيين، التي وصلت إلى حد إطلاق النار وقتل ثلاثة منهم في جنين على يد الشرطة الإسرائيلية، كما ينقل دهشة المراقبين من الحجم الواسع للمشاركة النسائية الفلسطينية في النشاط الانتخابي وفوز ياسر عرفات بنسبة 88 في المائة من الأصوات.
الفصول من 11 إلى 15 تغطي أهم الأحداث من1993 وحتى 2006 وهي: انتخاب باراك عن حزب العمال الإسرائيلي 1993، زيارة شارون الاستفزازية للمسجد الأقصى وانطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية 2000، انتخاب شارون وتوقف عملية السلام, انتخاب بوش الابن 2001، إعلان كوفي عنان عن خريطة الطريق 2003، مبادرة جنيف ومبادرة فك الاشتباك مع غزة 2004، الانتخابات الفلسطينية والإسرائيلية 2006، وفوز حماس في الانتخابات.
في الفصل السادس عشر وهو بعنوان "الجدار سجنا"، يتحدث المؤلف عن الوضع المأساوي في غزة والحصار الذي تعيشه بالمعنى الجغرافي والسياسي والاقتصادي، ويصور كذلك المشاكل الكبيرة التي تحملها الفلسطينيون نتيجة بناء الجدار العازل الذي قضم مساحات واسعة من الأرض الفلسطينية، ويصور بدقة التجهيزات الأمنية القوية للجدار من خنادق وطرق دوريات وأجهزة تحسس إلكترونية للمراقبة, وآلات تصوير حرارية وفيديوية وأبراج قناصة وأسلاك شائكة وغيرها، كما يورد المؤلف أرقاما عن 630 ألف فلسطيني جرى اعتقالهم في الأراضي المحتلة وعن خروقات إسرائيل للقانون الدولي, وينتهي الفصل بالحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان وتدمير المنشآت وقتل المدنيين اللبنانيين.
أما الفصل الأخير في الكتاب وهو بعنوان "الخلاصة", فهو يضم أكثر ما أثار حفيظة المنظمات الصهيونية وأنصارها، إذ يعلن المؤلف بوضوح أن "سيطرة إسرائيل المستمرة على الأراضي الفلسطينية واستعمارها كانتا هما العقبتان الرئيستان أمام اتفاقية شاملة للسلام في الأراضي المقدسة، ولكي تديم إسرائيل الاحتلال، حرمت القوات الإسرائيلية رعاياها غير الراضين من الحقوق الأساسية للإنسان. وما من شخص موضوعي يستطيع أن يشاهد شخصيا الظروف الموجودة في الضفة الغربية ويجادل في صحة هذه البيانات".

الأكثر قراءة