من أجل تنمية إسكانية مستدامة تشمل فئات المجتمع كافة
ما حكاية المستدامة التي خرجت علينا هذه الأيام؟ سؤال وجهه لي أحد الأصدقاء متندرا بعد أن أشبعت وسائلنا الإعلامية عقول المتلقين بمصطلح التنمية المستدامة دون التأكيد على معناه، فقلت له من باب المزاح عليك بمراجعة أمانة منتدى الرياض الاقتصادي التي روجت لهذا المصطلح في الدورة الثالثة للمنتدى بشكل غير مسبوق حتى وعى الكثير معنى التنمية المستدامة ومتطلبات تحقيقها.
ومن باب التذكير لصاحبي ولغيره بمفهوم التنمية المستدامة أقول إن المقصود بالتنمية المستدامة ببساطة هو "أن تفي الأنشطة الاقتصادية باحتياجات الجيل الحالي، دون التضحية بقدرة الأجيال القادمة على الوفاء باحتياجاتها"، وهو ما يتطلب إيجاد قوى سوقية في كل قطاع اقتصادي تحرص على تحقيق أهدافها بتحقيق أهداف بقية الأطراف والمجتمع والبيئة، وهذا ما يستدعي وجود جهات حكومية منظمة لجميع القطاعات لتنظيم وحماية تلك الأسواق وتحفيز عناصرها للاستثمار فيها والاستفادة منها بالشكل الذي يساهم في تحقيق الأهداف التنموية المستدامة للبلاد في المحصلة.
وبما أن القضية الإسكانية هي القضية الحاضرة اليوم بشكل كبير فإنني أعتقد أنها المثال الأنسب لإيضاح الآثار السلبية لعدم تحقيق الاستدامة في مجال التنمية الإسكانية، خاصة أننا نعاني اليوم من تضخم كبير في أسعار العقارات والإيجارات الذي انعكس سلبا على معدلات التضخم في البلاد بالشكل الذي أثر سلبا في مستوى معيشة المواطنين من أصحاب الدخول المتوسطة والمحدودة فضلا عمن هم دون ذلك.
والسؤال: لماذا لم نستطع تحقيق تنمية إسكانية مستدامة تشمل فئات المجتمع كافة؟ والإجابة: لعدم وجود قطاع خاص قادر على التمويل والتطوير والتشغيل عندما زادت الإيرادات الحكومية بحيث تستطيع الحكومة الاعتماد عليه وتقوية عناصره للقيام بتطوير أعداد كبيرة ومتنوعة من المساكن التي تلائم المستويات الاقتصادية كافة وتمويل الراغبين في شرائها وتشغيل المجمعات السكنية إذا لزم الأمر، وهو ما جعلها تقوم بكل تلك الأدوار حيث تمول المواطنين من خلال صندوق التنمية العقاري لتطوير مساكن خاصة بهم بجهود فردية مما رفع نسبة التملك في المملكة إلى أكثر من 85 في المائة، كما قامت ببناء وتشغيل بعض الوحدات السكنية لمنسوبي بعض قطاعتها خصوصا العسكرية منها .
وبسبب الزيادة السكانية والانخفاضات الكبيرة في أسعار النفط خصوصا في عقد التسعينيات زادت الضغوط على الموازنة المتناقصة مما جعل الحكومة تعجز عن تلبية الطلبات المتراكمة وأدى إلى انخفاض نسبة التملك إلى أقل من 55 في المائة، ونشوء فجوة متزايدة بين المطلوب والمعروض من الوحدات السكنية دفعت الأسعار إلى أعلى حتى أصبح القرض الحالي والمقدر بـ 300 ألف ريال لا يكفي لبناء الهيكل الإنشائي للوحدة السكنية الحلم.
ما الحل إذن؟ ما طرحته الحكومة أكثر من رائع رغم عدم قناعتي بعزل أصحاب الدخول المنخفضة في مساكن شعبية منفصلة عن بقية مساكن الطبقات الأخرى خصوصا المتوسطة، إلا أني أرى أن التوجه الحكومي نحو تفعيل قوى السوق الإسكانية لتلعب دورها المنشود في تطوير وتمويل وتشغيل المساكن والمجمعات السكنية توجه صحيح يؤدي في المحصلة إلى تحقيق تنمية إسكانية مستدامة تشمل فئات المجتمع كافة.
ولقد أسعدني كما أسعد كل كاتب اقتصادي مهني توقيع معالي وزير المالية رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة الدكتور إبراهيم بن عبد العزيز العساف قبل أكثر من أسبوع مذكرة تفاهم لتنشيط التمويل الإسكاني في المملكة، مع كل من المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ومؤسسة التمويل الدولية IFC وعضو مجموعة البنك الدولي، تتضمن تقديم المؤسسات الأربع وهي صندوق الاستثمارات العامة، المؤسسة العامة للتقاعد، مؤسسة التأمينات الاجتماعية، ومؤسسة التمويل الدولية تمويلا طويل الأجل لمؤسسات التمويل الإسكاني السعودية المرخصة من مؤسسة النقد العربي السعودي بمبلغ إجمالي قدره 1500 مليون ريال موزعا بالتساوي على المؤسسات الأربع، وهو تمويل كما أشار معالي الوزير سيساعد المؤسسات السعودية العاملة في هذا القطاع على تطوير عمليات التمويل الإسكاني في المملكة لمقابلة الطلب المتنامي للقروض الإسكانية.
هذه الخطوة الرائعة والرائدة التي ستعزز من قوى السوق وتؤصل لسوق سندات عملاقة في بلادنا إذا ما تم ربطها بقرارات الحكومة التي دعت إلى تفعيل الهيئة العامة للإسكان بشكل عاجل وتمكينها من مزاولة مهامها خلال هذا العام، والمسارعة في بناء الإسكان الشعبي الذي تم اعتماد مبلغ عشرة مليارات ريال له، مع استمرار اعتماد مبالغ إضافية للإسكان الشعبي في السنوات المقبلة، وإصدار نظام الرهن العقاري والأنظمة المرتبطة به بشكل عاجل، سيكون لدينا، بإذن الله، قاعدة صلبة لتنمية إسكانية مستدامة تشمل فئات المجتمع كافة.
ختاما، أود أن أقول لكل من معالي وزير المالية، ومعالي محافظ المؤسسة العامة للتقاعد، ومعالي محافظ المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وأمين عام صندوق الاستثمارات العامة، إنكم جميعا قمتم بخطوة أكثر من موفقة لدعم استدامة سوقنا الإسكانية، وكلنا ثقة بأنكم ستقدمون المزيد بما يعود على مؤسساتكم بالفائدة وعلى المجتمع والوطن بالخير والنمو.