لماذا لا ينشط الناس للاستسقاء؟

[email protected]

من يحضر صلاة الاستسقاء يتلفت يمنة ويسرة, فلا يرى إلا بعض كبار السن, وعدداً قليلاً من الشباب, فلماذا هذا الحضور الباهت لهذه الشعيرة النبوية, والتي تمس إليها الحاجة في مثل هذه الظروف, أعني ظروف الجدب والقحط التي تمر بها بلادنا هذه الأيام؟
والجواب في تقديري: أنه لأسباب عدة, من أبرزها:
الأول: عدم استشعار كثير من الناس أهمية نزول الغيث, فالمطر لا يشكل أهمية للواحد من هؤلاء, سوى أنه يتشوق لنزوله أيام الوسمي؛ لتنبت الأرض وتخضر وتحمر, فينفّس عن نفسه بالذهاب إلى أماكن الربيع, والمتنزهات, وحسب, ولهذا يعد المطر في ذهن هذا وأمثاله مجرد فاكهة, يتلذذ بها في فصل الربيع, ويتذوق نسيمها, وربما كان من هؤلاء من لا يحفل بالمطر؛ لئلا يؤدي هطوله إلى تحويل الشوارع إلى صالات تزلج للسيارات, ولا سيما ممن له تاريخ حافل في هذا النوع من الرياضة!
والثاني: شعور قطاع عريض من المجتمع بأن المطر هبة من الله تعالى لأهل المزارع, وأهل المواشي, وأن منافعه تعود عليهم وحدهم دون سائر الناس, وبالتالي فهو لا يريد أن يبذل وقته وجهده من أجل الآخرين!
والثالث: تسلل اليأس إلى قلوب كثير من الناس بسبب تأخر المطر مع كثرة تأدية صلاة الاستسقاء لمرات عدة, مما انعكس سلباً على نفوس كثيرين ممن يتعجل استجابة الدعاء.
والرابع: ضعف إيمان البعض بكون الاستسقاء سبباً من أسباب نزول الغيث, ولا سيما مع تطور علم الأرصاد والبيئة والفلك, والذي يكشف أحياناً عن وقت نزول المطر, وإن كان على سبيل الظن والتوقع, الأمر الذي أوجد شعوراً لدى هؤلاء بأن نزول الغيث يخضع لأسباب طبيعية أكثر من أي شيء آخر!
وهنا أقول: إن دور وسائل الإعلام لا يقف عند حد إعلان الوقت الذي تقام فيه صلاة الاستسقاء, بل لا بد من تثقيف أفراد المجتمع بما يعالج هذا الشعور الخاطئ تجاه صلاة الاستسقاء, ويكوّن شعوراً إيجابياً, وذلك ببيان الآتي:
أولاً: تثقيف أفراد المجتمع بأهمية المطر, وأثره الإيجابي الكبير في المجتمع ككل, وتسليط الضوء على الأخطار المحدقة بالمجتمع حين يقل المطر, أو ينعدم, وأن أزمة شح المياه لا تطول شريحة بعينها, وإنما كل شرائح المجتمع, وكم كان شح المياه سبباً في وقوع أزمات سياسية مع دول يجاور بعضها البعض!
ثانياً: بيان الآثار السلبية عبر وسائل الإعلام, والتي يؤدي إليها تأخر نزول المطر, وأن هذه الآثار لا ينحصر ضررها في أهل المزارع والمواشي فقط, خلافاً لما يظنه البعض, بل الكل متضرر, فعدم نزول المطر, أو تأخر نزوله يؤثر سلباً في المحاصيل الزراعية, فيتلف الكثير منها, مما يؤدي إلى تقليل المعروض في السوق, وهذا من أبرز أسباب ارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية, وحالة الجفاف والقحط التي لحقت بكثير من الأراضي الزراعية في بعض مناطق العالم كانت من أهم أسباب ارتفاع الأسعار, وقد ذكر هذا في التقرير الصادر من الغرفة التجارية في جدة قبل نحو شهرين تقريباً.
ثانياً: تثقيف المجتمع بخلق الإصرار, وبث روح العزيمة في نفوس العامة, وعدم استعجال نتيجة الدعاء مهما تأخرت الإجابة, ولهذا جاء في الحديث الوارد في الصحيحين, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(يستجاب لأحدكم ما لم يعجل, فيقول: قد دعوت ربي, فلم يستجب لي), مع دعوة الميسورين إلى بذل الصدقة بين يدي الصلاة, إضافة إلى صدق التوبة, وكثرة الاستغفار, وهنا أسجل حقيقة كلمة إكبار للإعلان الذي تصدره الدولة, فيما يخص الاستسقاء, وما يشتمل عليه من كلمات ونصائح طيبة للمجتمع, نالت استحسان الجميع.
ثالثاً: تقوية إيمان المجتمع بالله تعالى, وأن بيده سبحانه مقاليد كل شيء, وأنه يجيب المضطر إذا دعاه, وأن تعرف العلم الحديث على بعض المعالم الدالة على قرب نزول المطر, من عدمه, ما هو إلا تعرف على بعض الأسباب التي هيأها الله تعالى لعباده, وبعض هذه العلوم ليست وليدة اليوم, بل كانت معلومة منذ مئات السنين, بل تحدث شيخ الإسلام ابن تيمية عن معرفة علماء الفلك للخسوف والكسوف منذ أكثر من سبعمائة عام, ومع هذا لم يكن هذا سبباً في انصرافهم عن أداء صلاة الخسوف والكسوف؛ لأن هذه العلوم ليست من علم الغيب التي استأثر الله بها, ولاسيما أن كثيراً منها لا يعدو أن يكون في دائرة الظن, وربما الشك أحياناً, وقد لا يبدو في الأفق ما يدل على أمارات هطول المطر, ومع هذا تقلب صلاة الاستسقاء كل الحسابات, وتغير كل التوقعات, فينزل المطر بإذن الله تعالى, وقد كان الناس في الزمن السابق-كما يحدثنا بذلك كبار السن- يسترون ما يخشى عليه من المطر, ويستعدون لنزوله قبيل صلاتهم الاستسقاء, فما ينصرفون من الصلاة, إلا والمطر قد سبقهم إلى رحالهم!! لصدقهم مع الله تعالى, وظهور افتقارهم إليه, وكثرة استغفارهم له, وقد تكررت تلك المواقف مرات عديدة, حتى أصبحت من التاريخ الذي يلقنه السابق للاحق, والله تعالى أرحم بعباده, وأعلم بحالهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي