عاملان رئيسان يوجهان مسار سوق النفط بعد اختلال بوصلة الأسعار
تقلبات السوق النفطية واتجاه الأسعار إلى أعلى تبدو الملمح الرئيس الذي يمكن التقاطه من متابعة ما يجري خلال الأسابيع الماضية، ولهذا تبدو الفترة المقبلة مع دخول فصل الشتاء وضعية مفصلية لإحداث نوع من الفرز حول العوامل المؤثرة فعلا في تحركات الأسعار، وهل تعود إلى عنصري العرض والطلب، أم أن حالة المزاج الذهني الذي ربط السوق بالعناصر الجيوسياسية والتوترات الأمنية ستظل هي الغالبة، أم أن الأمر بين هذا وذاك ما يعني استمرار حالة عدم الوضوح الراهنة من ناحية ووضع الأسس لمتغيرات هيكلية لا تزال في طور النشوء؟
التقارير الدورية التي تصدرها مراكز الأبحاث والجهات المكلفة مراقبة السوق لا توفر صورة واضحة يمكن الاستناد إليها لتقديم تفسير مقنع لما يجري، وبالتالي يصعب وضع ترتيبات مستقبلية يمكن الاطمئنان إليها. ويظهر هذا واضحا وبصورة جلية من خلال استعراض أربعة تقارير يفترض أن توفر بوصلة يمكن الاهتداء بها، إن لم تسهم بدورها في تعقيد صورة معقدة أصلا بسبب الاختلاف في التقديرات ومن ثم في النتائج المستخلصة.
المركز الدولي للدراسات النفطية الذي يتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقرا له، يتبنى موقفا يقوم على لوم منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) وعدم قيامها بضخ كميات كافية من إمدادات النفط الخام بما يكفي لطمأنة السوق. ويعود ذلك إلى أن المنظمة تتبنى إحساسا زائفا بحدوث حالة من التوازن في السوق ترى أنها كافية لضبط وضع العرض والطلب. ويقوم هذا الإحساس الزائف، كما يرى المركز في تقريره الأخير الصادر في الأسبوع الثالث من الشهر الماضي، على أن للدول الأعضاء في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي غطاء من الاستهلاك النفطي يمكن أن يستمر لفترة ثلاثة وخمسين يوما ونصف اليوم.
يذكر أن المركز يؤكد زيف هذا التقدير على أساس أنه يتجاهل حقيقة أكثر أهمية، وتتمثل في أن حجم التراجع في هذا المخزون يتم بسرعة أعلى من تلك التي تم بناؤه بها. فخلال فصل الصيف يتم بناء المخزون في العادة بمعدل مليون برميل يوميا، كما يتم السحب منه بالمعدل ذاته، أي مليون برميل خلال فصل الشتاء، لكن هذا العام اختلف الوضع، حيث كان بناء المخزون في حدود 300 ألف برميل يوميا، وهو ما اتضح بصورة جلية خلال الربع الثالث الماضي، بينما السحب أعلى من ذلك بكثير، وهو ما أدى إلى أن يكون حجم المخزون أقل من المعدل السائد لفترة خمس سنوات، وهذا الوضع كان يفرض على (أوبك) التدخل وضخ كميات أكبر من النفط الخام، وهو ما لم يحدث.
ويرى المركز أن معدل النمو في الطلب سيظل متواضعا، لكن السوق لن تشهد حالة من الاسترخاء خلال فصلي الشتاء والربيع المقبلين، كما أنه يبدو أقل تفاؤلا بحجم الإمدادات المتوقعة من المنتجين من خارج (أوبك)، أو بالنمو في حجم تلك الإمدادات. ويظهر هذا في أن الإمدادات من خارج (أوبك) سجلت تراجعا بمقدار مليون برميل مما كان متوقعا لها في بداية العام، ويعود ذلك إلى أسباب متنوعة تراوح بين الطقس، حوادث إغلاق بعض المرافق الإنتاجية، عمليات الصيانة التي استغرقت وقتا أطول، وعمليات الاضطرابات التي ألقت بظلالها على معدلات الإنتاج.
الوكالة الدولية للطاقة من جانبها ترى أن السوق تعيش حالة من الشد والجذب، وهي حالة ستستمر خلال فترة الأشهر القليلة المقبلة. أحد المؤشرات على وضع السوق المشدود أن معدل المخزون أصبح يقل عن المستوى الذي كان سائدا خلال سنوات خمس، وهذا ما يفسر أن السعر العالي للبرميل اليوم إنما يتضمن في واقع الأمر التوقعات الخاصة بوضع الإمدادات المستقبلية أو وضع المخزون والسحب منه، إذ أصبحت هذه عوامل تسهم في تشكيل هيكل الأسعار.
الوكالة حافظت على توقعاتها أن يكون معدل النمو في الطلب في حدود 1.5 في المائة لهذا العام إلى جانب 2.4 بالنسبة للعام المقبل. ومع أن دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي ستشهد تراجعا في حجم ومعدلات الطلب على النفط، إلا أنه سيتم التعويض عن ذلك من الدول النامية وخاصة مجموعة دول الاتحاد السوفياتي سابقا كما يرى التقرير.
ولاحظ التقرير أيضا أن حجم الناتج من عمليات التكرير بلغ 73 مليون برميل يوميا خلال الشهر الماضي، وهو ما يقل بنحو المليوني برميل عن المعدل الذي كان عليه قبل شهرين، لكن يمكن أن يتجاوز وبنهاية العام 75 مليون برميل يوميا.
إدارة معلومات الطاقة الأمريكية من ناحيتها تركز على أن بدء (أوبك) ضخ الإمدادات التي وعدت بها من مطلع هذا الشهر، وهي نصف مليون برميل يوميا بصورة رسمية وأكثر من ذلك في الواقع العملي، إضافة إلى الضعف المتوقع في حجم الطلب، سيسهم في تقليل حالة التوتر والشد التي تعيشها السوق، وهو ما يمكن أن ينعكس على عمليات التصاعد السعري التي شهدتها الأسابيع القليلة الماضية وأدت إلى تخطي سعر البرميل 90 دولارا، وهو الأعلى من الناحية الاسمية عبر التاريخ.
أما منظمة (أوبك) نفسها فيشير تقريرها إلى عاملي الطقس والوضع الاقتصادي العالمي على أساس إنهما اللذان سيوجهان مسار سعر البرميل خلال الفترة المقبلة، كما يشير تقريرها الصادر في منتصف الشهر الماضي إلى دور المضاربين وضعف الدولار، عملة تجارة النفط الرئيسية، في الوصول إلى الحالة السعرية الراهنة.
لكن تقرير المنظمة يرى أن أساسيات السوق تدفع في اتجاه تخفيف الضغوط الراهنة، خاصة وأن موسم الصيانة الشتوي يمكن أن ينتج عنه تراجع في الطلب من قبل المصافي قد يصل إلى مليوني برميل يوميا، وهو ما سينعكس بصورة تلقائية على وضع الأسعار.