هيئة تنمية الصادرات السعودية.. فرحة لم تتم
عندما صدر المرسوم الملكي بتأسيس هيئة تنمية الصادرات السعودية رقم 59 بتاريخ 1428/02/15هـ عمت فرحة كبيرة بين السعوديين من شركات ومؤسسات وأفراد، متطلعين للدور الكبير الذي ستقوم به هذه الهيئة في تنمية الصادرات السعودية. وبمرور ما يربو على عشرة أشهر من قرار تأسيس الهيئة وتأخر صدور تنظيمها الإداري والذي صدر لاحقا بتاريخ 1428/08/07هـ، والذي نص في المادة 14 أن يصدر مجلس إدارة الهيئة اللائحة التنفيذية خلال 60 يوما من تاريخ صدور المرسوم، ونص في المادة 15 أن يعمل به بعد 90 يوما من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، فقد ترتب على هذا التأخير تدن في تطلعات المصدرين وحماسهم، وتحفظ بعضهم على توقعات بعدم فاعلية وكفاءة عمل هذه الهيئة الذي لم يبدأ. وإذا بحثنا عن أسباب ومخاوف المصدرين لوجدنا أن مخاوفهم مبنية على خبرتهم وتعاملهم مع هيئات حكومية أخرى وعلى ما جاء من نصوص في تنظيم الهيئة.
معلوم إن هيئة تنمية الصادرات السعودية مطلب أساسي للمصدرين السعوديين منذ أكثر من 23 عاما، وكيف لا يستغرب من طول هذه المدة من جهود المصدرين ليحصلوا على مطلب هو حق لهم وواجب للوطن لتنمية الصادرات غير النفطية مثل جميع دول العالم. نعم 23 سنة من النقاشات والدراسات ومقارنة الدراسات والزيارات الرسمية حول العالم لبعض المسؤولين لمقارنة أنظمة هيئات الصادرات لدول في الشرق والغرب واختيار أفضلها، ليتناسب مع متطلبات المملكة. ساعات بل أيام وأيام من المناقشات والمباحثات والمفاوضات والمتابعات والتوصيات سنة تلو الأخرى بين ممثلي رجال الأعمال ومسؤولي الدولة، ولا أعلم من يتحمل هذا الوقت المهدور لتأسيس هيئة لتنمية الصادرات السعودية والفرص الضائعة خلال هذه السنين للصادرات السعودية وفرص العمل؟ ومن هو المسؤول عنه؟ ومن يندم عليه؟
معلوم أن المصدرين السعوديين ومجلس الغرف قاموا بإنشاء مركز تنمية الصادرات السعودية قبل 23 عاما، الذي لا تتعدى ميزانيته خمسة ملايين ريال سنويا، حيث تتبرع كل من غرفة جدة والرياض والدمام بأكثر من نصف مليون ريال سنويا دعما للمركز، ويشارك المصدرون بدعمهم المالي وذلك لحاجتهم للمركز وخدماته، ونجح المركز في سد بعض الفراغ الناتج عن عدم وجود هيئة حكومية. ومع فرحتي بصدور التنظيم إلا أنني أستغرب مثل غيري من المصدرين، من أن الهيئة الجديدة لا تحل محل مركز تنمية الصادرات السعودية في مجلس الغرف بل لا ذكر للمركز في قرار تأسيسها وكأنه غير موجود، ولم يقم بعمل الهيئة التي طال غيابها، بل تحل الهيئة الجديدة محل إدارة المعارض والأسواق الدولية، وإدارة تنمية الصادرات، التابعتين لوكالة التجارة الخارجية في وزارة التجارة والصناعة، والاستفادة قدر الإمكان من الموارد البشرية الموجودة في هاتين الإدارتين. فلو أضيف إليهما مركز تنمية الصادرات السعودية لقلنا تسوية أو تغطية ولكن ينكر صاحب الحق ومن يقوم بخدمة المصدرين وتذكر إدارتين لو كانتا ناجحتين لما قام مركز تنمية الصادرات السعودية منذ 23 عاما. وأتساءل هل الكفاءة والخبرة في التعامل مع الصادرات؟ وهل حلول مشكلات المصدرين موجودة في هاتين الإدارتين فقط أم في مركز تنمية الصادرات وموظفيه؟ إن تأسيس الهيئة على هاتين الإدارتين دون مركز تنمية الصادرات هي بداية خاطئة ولن تخدم الصادرات ويكفينا مجاملات وضياع للفرص وتخل عن المسؤولية. ولم يشرح لنا أحد كيف يندمج المركز الحالي في مجلس الغرف في الهيئة، فعسى أن ينورنا المجلس الاقتصادي الأعلى بقرار يعدل فيه هذا التجاوز. أما إذا كانوا متأكدين من توجهاتهم فليلغوا مركز تنمية الصادرات، وليجعلوا مستقبل المصدرين رماديا. إن المصدرين لا يستغنون عن مركزهم إلا بعد نجاح الهيئة، خصوصا أن ارتباطها بنظام الخدمة المدنية مبدئيا يجعلها لا تستطيع استقطاب الكفاءات المتخصصة الوطنية وغيرها للتنافس مع هيئات الدول الأخرى، لذلك يتطلع الصناعيون والمصدرون إلى المجلس الاقتصادي الأعلى بإجراء تعديلات طفيفة على تنظيم الهيئة ولدى مجلس الخبراء في مجلس الوزراء آراء ومقترحات التعديلات من قبل المصدرين.
فإذا لم يتجاوب المجلس مع متطلبات المصدرين واكتفى بالموافقة على التنظيم، فلابد أن يتدخل وزير التجارة والصناعة، وبالتأكيد لديه ولدى أعضاء مجلس الهيئة الجديد صلاحيات كافية لتصحيح الوضع. ولعلي هنا أطرح الاقتراحات التالية: إيجاد طريقة لاحتواء مركز تنمية الصادرات السعودية في مجلس الغرف وموظفيه وخبراتهم الناجحة في هيئة تنمية الصادرات الجديدة، وأن يدقق في كفاءة وخبرة وقدرة ونزاهة أمين عام الهيئة الجديد، ألا يكون التعيين مجاملة أو إحراجا أو أقدمية، أن يلتزم رئيس المجلس باختيار أعضاء المجلس الممثلين للقطاع الخاص بترشيحات مجلس الغرف، فإن لم يجد العدد المناسب منهم فليطلب من مجلس الغرف أسماء مرشحين جدد يكونوا مصدرين نشطين ويمثلون مناطق المملكة حسب نظام الهيئة. وهذا ليس عدم ثقة في اختيار الوزير، ولكن من حق المصدرين ترشيح من يمثلهم.
إن صدور تنظيم الهيئة كان مخيبا لتطلعات وتوقعات ومتطلبات المصدرين السعوديين، ولا يعكس في الواقع ما قدم من اقتراحات وتوصيات خلال 23 سنة مضت منذ تأسيس مركز تنمية الصادرات السعودية في مجلس الغرف. فقد كانت وجهة نظرهم، أن تعمل هذه الهيئة بتمويل وإشراف عام من الدولة، ولكن باستقلالية تامة بعيدة عن بيروقراطية الحكومة ولوائحها التوظيفية، وذلك بنظم ولوائح مغرية لاستقطاب كوادر سعودية مؤهلة، يهدف إلى خلق بيئة تصديرية محفزة وجذابة للاستثمار الأجنبي ذو البعد التصديري على غرار ما هو معمول به في دول متقدمة نجحت في تنمية صادراتها من هذا المفهوم الاستراتيجي.
إن هيئة تنمية الصادرات السعودية تعد مثالا على تغير القرارات وتأخرها في الأجهزة الحكومية. علما أن تنمية الصادرات مهمة للصناعات والخدمات الوطنية ولتوفير فرص العمل المحلية ولتوفير العملات الأجنبية، ومعظم دول العالم تنفق الملايين لتنمية صادراتها. والمصدر السعودي لا يسمح له وكأنه المستفيد الوحيد وليس الوطن واقتصاده، ومن يدعي عكس ذلك يبحث لماذا تأخر إنشاء هيئة لتنمية الصادرات السعودية؟ كنت أتمنى لو أن مقترحات المصدرين قد لاقت القبول سابقا ومنذ زمن لكانت الصادرات اليوم عشرات الأضعاف، ولكن المشكلة لم تكن في المالية لوحدها، بل طريقة اتخاذ القرار في الحكومة وتعدد الجهات التي تتدخل وتتصارع أحيانا وتكون نتيجته عدم الاتفاق على رأي. فإذا كان هناك من يخجل من هذا الوقت الضائع والأموال والوظائف المفقودة ومن عدم الأخذ برأي المستفيدين أو المنفذين الأساسيين لأي مشروع، فليغيره أو يقترح الطرق التي يجب على الجهات الحكومية من مجالس وخلافه اتخاذها للإسراع في إصدار القرارات والأنظمة أو تعديلها ثم تنفيذها. لقد سبقنا الجميع من دول الخليج وغيرهم ونحن نصر على.. ما نحن عليه.
إن المصدرين لم يفقدوا الأمل في الرجال المخلصين الذين يعملون في الحكومة ويتطلعون إلى ازدهار الصادرات السعودية قريبا.