معادلة الإنتاج .. الاستهلاك والأسعار

[email protected]

أصبح التضخم وارتفاع أسعار السلع والإيجارات الهم الأكبر والموضوع الأكثر طرقاً في أعمدة الكتاب سواءً المتخصصون في أمور الاقتصاد أم الاجتماع أم المتخصصون في الشأن العام. والسبب أن الغلاء وإن كان موضوعاً اقتصاديا في الدرجة الأولى إلا أنه يؤثر في ظروف المعيشة اليومية لكل إنسان سواءً المسؤول أو التاجر أو المستهلك أو الكاتب الصحافي نفسه. إنه العدو الاقتصادي الأول الذي يجعله واضعو السياسات الاقتصادية هدفهم الأول ويسعون إلى محاربته بكل الوسائل الممكنة. التضخم يؤدي إلى تآكل رؤوس الأموال والمدخرات، وإلى زيادة مخاطر الاستثمار بسبب زيادة حالة عدم التأكد التي يواجهها المستثمرون في الأسواق المالية. فارتفاع مستوى التوقعات بشأن التضخم يؤدي إلى مطالبة المستثمرين بعوائد مستقبلية أعلى للتعويض عن التضخم المتوقع مما يؤدي في النهاية إلى تراجع الأداء الاقتصادي. السبب في ذلك أن التضخم يمثل وضعا غير توازني للاقتصاد يتجاوز فيه الطلب العام العرض العام من السلع المتوافرة في الاقتصاد. وزيادة الطلب العام تنتج من عدة عوامل بعضها يؤدي إلى انزحاف منحنى الطلب بشكل كامل كزيادة الثروة والبعض الآخر يؤدي إلى تغير في المستوى التوازني على منحنى الطلب نفسه. ومشكلة التضخم التي تعنينا في الدرجة الأولى هي المشكلة التي تنتج بشكل أساسي من انزحاف (ارتفاع) كامل منحنى الطلب العام نتيجة عامل زيادة الثروة التي نتجت بشكل كبير عن ارتفاع أسعار النفط والتي أدت هي الأخرى إلى حدوث زيادة كبيرة في حجم السيولة المتوافرة.
مشكلة اقتصادنا أنه غير قادر حتى الآن على استيعاب هذا الكم الهائل من الاستثمارات، لذلك وعندما يزداد الدخل القومي ويرتفع معه مستوى النشاط الاقتصادي، ينعكس ذلك بشكل مباشر على المستوى العام للأسعار. وهذه المشكلة تعني أن هناك علاقة غير متوازنة بين الإنتاج والاستهلاك داخل الدولة يؤدي إلى تزايد الطلب على السلع المستوردة لسد فجوة الطلب، وبسبب أن ارتفاع الطلب العام كان شاملاً أجزاءً أخرى من العالم فقد أدى ذلك إلى منافسة في الاستهلاك بيننا وبين دول أخرى كالصين وغيرها خصوصاً في مجال السلع الغذائية أدى إلى الارتفاعات التي نشهدها. أي أن المشكلة ستسمر ما دامت هذه الفجوة بين الاستهلاك والإنتاج موجودة – أي ما دمنا شعبا نستهلك ما لا ننتج. هذه المشكلة بحد ذاتها وهي ضعف القدرة الإنتاجية لاقتصادنا مرتبطة بشكل كبير بضعف القدرة الإنتاجية للمواطن، وذلك بالنظر إلى أن أغلب المواطنين يعملون في قطاعات الدولة. وكنت قد تحدثت في مقال الأسبوع عن أهمية تحفيز الاقتصاد بزيادة الكفاءة الإنتاجية للقطاعات الحكومية، وضعف إنتاجية الموظف الحكومي بالرغم من مستوى التحصيل العلمي العالي الذي يحصل عليه يرتبط بشكل مباشر بضعف الإنتاجية العامة للاقتصاد الوطني.
على الجانب الآخر من المعادلة الاستهلاك. والكثير من الكتاب يناقشون مشكلة التضخم وآثارها السلبية في القدرة الاستهلاكية للمواطن، ويتجاهلون مناقشة مكونات السلة الاستهلاكية للمواطن وما أولويات الاستهلاك التي يجب على واضع السياسة الاقتصادية الاعتناء بها وصيانتها. على سبيل المثال: هل على واضع السياسة الاقتصادية مراعاة قدرة المستهلك على دفع أقساط سيارة فارهة تتجاوز تكاليفها الـ 100 ألف ريال أم أن عليه صيانة القدرة الاستهلاكية بحيث يكفل للمواطن القدرة على دفع تكاليف معقولة لوسيلة النقل؟ هل على واضع السياسة الاقتصادية وضع السياسة وتصميمها بحيث تحقق لكل الشباب القدرة على تحمل تكاليف باهظة للزواج وإقامة حفل الزفاف في أفخم الفنادق أم أن تصمم السياسة حيث توفر القدرة للشاب بالزواج بتكاليف معقولة بغض النظر عن التكاليف الاجتماعية المرتبطة بها. هل على واضع السياسة أن يصمم سياسة اقتصادية تؤدي بكل فرد إلى القدرة على بناء منزل يحوي ما لا يقل عن عشر غرف أم أن عليه أن يصمم السياسة الاقتصادية حيث تكفل للمواطن القدرة على بناء منزل وبتكاليف معقولة لمتوسطي الدخل من الناس. بمعنى آخر هل واضع السياسة الاقتصادية مسؤول عن مراعاة الجوانب الاجتماعية التي تؤثر في الأنماط الاستهلاكية السائدة أم أن هدف السياسة الاقتصادية تحقيق حد مقبول من الكفاية الاستهلاكية للمواطن بغض النظر عن العادات الاستهلاكية السائدة؟
إنه إضافة إلى عوامل الاحتكارات وارتفاع الأسعار العالمية وارتفاع الإنفاق الحكومي، تلعب العوامل الاجتماعية والنمط الاستهلاكي للناس دوراً كبيراً في ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية والإيجارات، بالتزامن أيضاً مع انخفاض إنتاجية المواطن واعتماده على النفقة الشهرية التي يحصل عليها من خلال الوظيفة الحكومية. لذلك فإنه بجانب الإصلاح الاقتصادي الذي أطالب به ويطالب به الكثير من الزملاء المتخصصين، يجب أيضاً مطالبة المواطن بمراجعة السلوك الاستهلاكي الخاص به والمتأثر إلى حد كبير بالأنماط الاجتماعية السائدة. ومن هنا فإن علينا بجانب ممارسة الإصلاح الاقتصادي المطلوب القيام بإعادة بناء اجتماعي لما هدمته الثروة والطفرات التي مررنا بها من معان سامية للعمل والكسب من عمل اليد والاعتماد على الذات في بناء القدرة الإنتاجية سواءً للفرد أو للمجتمع على حد سواء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي