رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


البنوك السعودية والخليجية: هل أتاكم نبأ "كيرفييل"؟

[email protected]

خالف ثاني أكبر بنك في فرنسا بنك "سوسيتيه جنرال" إعلانات الخسائر التي انتظمت في الصدور من نظرائه من البنوك العالمية بشأن السبب الأكبر للخسائر خلال الفترة الماضية. ففي الوقت الذي هيمنت أزمة منتجات الرهن العقاري والخسائر المترتبة عليها على مصادر تراجع أرباح البنوك العالمية بشكل حاد، جاءت خسارة بنك سوسيتيه جنرال الكبرى هذه المرة - بحسب تصريحات البنك - من تجاوزات تنضوي على احتيال، تضليل، اختراق لحسابات متعاملين آخرين، وتزوير وثائق نجم عنها إنشاء مراكز مالية في العقود المستقبلية لمؤشرات الأسواق المالية بمبلغ 73.4 مليار دولار بلغت خسائرها بعد اكتشافها وتصفيتها نحو 7.2 مليار دولار. وتعد هذه أكبر خسارة من متعامل واحد جراء المضاربات الوهمية في تاريخ البنوك، إضافة إلى أنها تقرع جرس الإنذار للبنوك الأخرى حول العالم أن عمليات الاحتيال ممكنة وقد تكون مؤلمة ومن الصعب التنبؤ بحجم تداعياتها.
وكان المتعامل الذي قام بهذه العمليات وهو "جيروم كيرفييل" البالغ من العمر 31 عاماً يعمل في مكتب العمليات المساندة الخلفي Back Office قبل أن ينتقل إلى وظيفة متعامل. ويتلخص الاتهام الموجه إليه بالمضاربة بأموال البنك خفية دون أن يكون مصرحاً له بذلك، القيام بعمليات تداول وهمية لإخفاء مراكز العمليات، استخدام الرموز السرية الخاصة بموظفين آخرين، واستخدام وثائق مزورة لتبرير العمليات المشكوك فيها لتجاوز أنظمة الرقابة الداخلية وإدارة المخاطر، علماً أن كيرفييل لم يكن يستفيد من أي مبلغ مالي لحسابه الخاص. وقد صرح للإعلام أنه يتحمل جزءا من المسؤولية وأن هدفه كان تحقيق المزيد من الأرباح للبنك، إلا أنه يرفض أن يكون كبش فداء لـ "سوسيتيه جنرال". إذن، ما الذي دفع المتعامل كيرفييل للقيام بكل هذه العمليات المشبوهة والمخالفة لأنظمة الرقابة الداخلية وإدارة المخاطر؟
للإجابة عن هذا السؤال، قامت الصحف العالمية ووسائل الإعلام بالبحث عن تفسيرات كالاضطراب النفسي والمشاكل العائلية التي كان يمر بها كيرفييل وغيرها من الأسباب، إلا أن السبب الأقرب إلى الإقناع جاء على لسان جين مارين مدعي باريس العام الذي أوضح أن جيروم كيرفييل "قال أثناء التحقيق إنه فعل ذلك من أجل الحصول على علاوة وإبهار رؤسائه في بنك سوسيتيه جنرال إنه متعامل ليس له نظير في الأسهم، وتمت عملياته غير المصرح بها خلال فترة بلغت نحو العام". إذن فهدف العملية النهائي يمكن تلخيصه بالطمع في زيادة المكافأة السنوية المرتبطة بالأداء (البونص)، وإشباع الغرور الشخصي من خلال القيام بتعاملات هي مجرد مراهنات عالية المخاطر لتحقيق نتائج أداء عالية تنسب إلى المتعامل ويستفيد منها في نهاية الأمر.
وهناك عدد من الدروس والعبر التي يجب أن يستفيد منها القطاع البنكي السعودي والخليجي والجهات الرقابية والتنظيمية للقطاع المالي ككل من قصة كيرفييل. فعلى مستوى إدارات البنوك المختلفة، يجب التأكد من نوعية الموظفين الذين يتم تعيينهم وتاريخهم المصرفي بما يعطي فكرة عن التزامهم بأنظمة التعامل Code of Conduct وتمتعهم بأخلاقيات المهنة وأساسيات الالتزام بقوانين وأنظمة الإدارة. أما من ناحية عمليات الإدارات، فمن المهم التأكد من تطبيق جميع أنظمة الرقابة الداخلية وإدارة المخاطر بطريقة تتناسب مع نوع الخدمات وتوقيت تطبيقها والمخاطر التي قد تبرز عن تقديم هذه الخدمات الجديدة.
وعلى صعيد البنوك وإدارتها التنفيذية، فمن الضروري أن تقوم بالاهتمام بأقسام الرقابة والمراجعة الداخلية بجانب وحدات إدارة المخاطر والمطابقة بطرق أفضل من الوضع الحالي. فعلى الرغم من قيام الكثير من الإدارات التنفيذية باعتبار أقسام الرقابة وإدارة المخاطر والمطابقة كأقسام تكاليف Cost Centers، وبالتالي تخصيص مقدار مكافأة سنوية أقل بشكل واضح مقارنة بأقسام تمويل الشركات والأفراد والمصرفية الخاصة، إلا أن أقسام الرقابة تمنع الكثير من التكاليف الباهظة التي قد تنجم من عمليات التحايل ومخالفة الأنظمة التي قد تعرض سمعة البنك والنظام المصرفي عموماً إلى مخاطر كبيرة. فمجرد قيام أقسام المراجعة والتفتيش وأقسام إدارة المخاطر والمطابقة بعملها على أكمل وجه، وحتى مع عدم اكتشاف عمليات احتيال، فإن مجرد وجودها وفعاليتها في المراقبة تضمن منع أي عمليات احتيال ومخالفات محتملة. لهذا، يجب على الإدارات التنفيذية مراجعة أرقام الحوافز والبونص السنوي الذي يتم تخصيصه لهذه الأقسام والحرص على أن تنسجم الحوافز مع فاعلية هذه الأقسام ومواكبتها لتطورات عمليات الاحتيال والمخالفات التي تحدث في البنوك العالمية من خلال التدريب والتعليم المستمر من حالات الدراسة العالمية. فالكوارث والأضرار التي تنجم عن عمليات الاحتيال تظهر وتكتشف فجأة، فالتاريخ الطويل من عدم ظهور عمليات الاحتيال لا يعني استبعاد حدوثها في أي بنك.
أما على مستوى القطاع البنكي ككل، فمن الضروري أن يكون هناك تنسيق مشترك وتبادل للخبرات بشأن أحدث طرق للتفتيش، المراجعة، وإدارة المخاطر مع تبادل المعلومات بشأن أي عمليات أو سلوك مشبوه يتعلق بالحسابات المصرفية بينها. فنجاح الرقابة وتفادي عمليات الاحتيال يعتمد على المعرفة الكلية المتراكمة من العمليات السابقة في بنك معين تاريخياً وعمليات الاحتيال التي تتم في بنوك أخرى. فالتبادل السريع لمعلومات الاحتيال وتجاوزات الأنظمة يضمن عدم تكرارها في بنوك أخرى إذا تمكنت من سد الثغرات التي قد يتم استغلالها.
وأخيراً، ليس هناك بنك بمأمن من حدوث عمليات احتيال وتجاوزات للأنظمة، إلا أن حجم ونوع عمليات الاحتيال قد يكون بالإمكان تفاديه أو التقليل منه باتخاذ الخطوات الرقابية والإدارية اللازمة في الوقت المحدد بتنسيق بين البنوك والجهات الرقابية والنظام المصرفي العالمي. فاتباع تعليمات الجهات التنظيمية العالمية كبنك التسويات الدولي وتوصياتها تجاه أفضل طرق التعامل مع الرقابة والتفتيش وإدارة المخاطر تساعد على تطور قدرات أنظمة الرقابة في بنوكنا ومساعدتها على اكتشاف الثغرات قبل أن يستغلها كيرفييل محلي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي