المال العام.. وإرادة ملك

[email protected]

تقرير ديوان المراقبة العامة، بما ضمه من ملاحظات على سوء استخدام المال العام، الذي قدم أمس الأول بين يدي خادم الحرمين الشريفين، ومباركته ـ حفظه الله ـ هذا التقرير وشكره وتقديره للديوان، كل هذا يؤكد لنا جميعا أن الملك عبد الله يواصل تكريس ثوابت الدولة، ويؤكد عمليا أنه ـ حفظه الله ـ ملك (إرادة) صادقة يسعى لأن تكون الأجهزة الحكومية مؤسسات خدمة لمصالح الناس العليا.. وليست مؤسسات لإضاعة المال العام وإهداره وتسخيره للمصالح الشخصية.
تفعيل دور مؤسسات التشريع والرقابة في مجتمعنا ووضع ضوابط لإنفاق المال العام وتوجيهه لخدمة المصالح العليا للشعب السعودي، كل هذه ملامح أساسية لمشروع يسعى خادم الحرمين الشريفين إلى تكريسه، وهو من ثوابت الدولة التي وضعها الملك المؤسس عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وهذا المشروع لن يكون فاعلا وحيويا ومؤثرا بشكل مباشر في حياة الناس واستقرار الدولة إذا لم يدعمه المجتمع وتتبناه النخبة، ويُعزز بتطوير منظومة أخلاقية تشاع في مناهج التعليم وفي وسائل الإعلام، وتدعمه مؤسسات المجتمع المدني وترعاه إرادة الملك.
حفظ المال العام ليس مسؤولية مؤسسات الدولة وحدها، بل هو مسؤولية المجتمع بالدرجة الأولى، ومحاربة الفساد وسوء استخدام موارد الدولة وحفظ الممتلكات العامة مسؤولية فردية قبل أن تكون جماعية. ومؤسسات التشريع والرقابة الحكومية وغير الحكومية يتعاظم دورها إذا المجتمع بدأ بإصلاح نفسه بنفسه (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، فتدهور الأخلاقيات بين الناس هو الذي يؤسس منابع الفساد في الأداء الحكومي.. ويشجع المختلين أخلاقيا على سرقة المال العام أو التساهل في إنفاقه وتبديده.
طبعا حتى يكون المجتمع فاعلا ومتفاعلا في حفظ المال العام يجب أن تكون الدولة ومؤسساتها (قدوة) في ذلك، وأيضا معينة للناس، وهذا ما يحرص عليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، فقد أوجد الأنظمة والمؤسسات وأسس صندوق (إبراء الذمة)، والمباحث الإدارية تتفاعل بكفاءة ووطنية مع الناس لمحاربة المرتشين والذين تعاملوا معها يشهدون لها بالكفاءة والنزاهة وسرعة التجاوب، والملك يدعم ذلك عبر تجديد الدور الحيوي لمجلس الشورى، ولديوان المراقبة العامة، وهيئة الرقابة والتحقيق، وديوان المظالم، وهذه مؤسسات حيوية لتكريس مبادئ الحكم الصالح وحفظ الاستقرار لمجتمعنا، والذي يرى المحيط المضطرب حولنا حيث التساهل في حفظ ثوابت العدل والاستقرار أدى بدول إلى الانهيار، وأخرى في الطريق، والذي يرى هذا الاضطراب عليه الموعظة ثم الفرح والدعم لأي خطوة تأخذنا لنكون مجتمعا ودولة يكرسان مبادئ الحكم الصالح.
لن يكون سهلا ومريحا المسار إلى هذه الغاية النبيلة، وسيكون مؤلما ومرا ومتعبا ومؤذيا للبعض، لكن هذا هو التحدي لنا جميعا، فالتأسيس والبناء صعبان والترميم لمؤسسات قائمة أصعب بكثير، وتكريس الأخلاقيات والمثل العليا وجهاد النفس يتطلب صبر (القابض على جمرة)، ونحن الآن في مرحلة تتطلب التنازلات والتضحيات المتبادلة.
إصرار خادم الحرمين الشريفين على ضبط موارد المال العام ومصارفه، رغم الوفرة المالية الكبيرة التي بين أيدينا الآن، ضروري لأن هذا أولا يجب أن يكون مبدأ تقره أخلاقياتنا وضوابط الدولة ومصالحها العليا، وثانيا، لأننا إزاء احتياجات كبيرة وخانقة للتنمية في المناطق التي لم تأخذ نصيبها، وهذه الاحتياجات تتزايد وتكبر تكاليفها، وأيضا نحن لسنا معزولين عما يحدث في العالم من تقلبات خطيرة تؤثر في إجمالي النمو في الاقتصاد العالمي وقد تجره إلى الركود، وبالتالي تراجع أسعار النفط. الملك عبد الله لديه مشروع وطني يكرس ثوابته ويجدد ملامحه كل يوم وحقه علينا ليس الدعاء فقط، بل العمل على إنجاح هذا المشروع، إنه لا يريد (قوما حيلتهم الدعاء) فقط!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي