حاجة الرياض إلى طرق دائرية وحزام أخضر
باتت محاور الطرق الدائرية الحالية لمدينة الرياض: الشرقي، الغربي، الشمالي، والجنوبي طرقا داخلية مزدحمة أكثر من طرق المدينة نفسها. ومن المفترض أن تطلق عليها أسماء جديدة أسوة بطريق الملك فهد وطريق مكة. فقد نفذت في القرن الماضي عندما كانت الرياض صغيرة لنقل الحركة حولها وخارجها لتخفيف الازدحامات والاختناقات عن وسط المدينة الوحيد "الديرة". أما اليوم فقد أصبح لدينا أكثر من وسط للمدينة مثل العليا وقريباَ منطقة الوسط المالي (مركز الملك عبد الله المالي) الذي تعدى الدائري الشمالي الحالي. كما ستظهر بعد سنوات مراكز حضرية خارج المدن.
الرياض الكبرى اليوم أصبحت متعددة الضواحي ومتباعدة الأطراف وتقتلها الازدحامات والاختناقات المرورية التي تهدر أوقات المواطنين وتؤخرهم عن أعمالهم ومناساباتهم. وتسبب الحوادث والتلفيات للأرواح والممتلكات. الهيئة العليا تخطط لتطوير منطقة الرياض للتشجيع على نظرية المراكز الحضرية شرقاَ حول تقاطع رماح وشمالاَ مركز سلطانة وشرقاَ وغرباَ لتخفيف الكثافات السكانية لوسط المدينة، وبالتالي تخفيف الاختناقات المرورية. ومع فتح باب الاستثمار للخليجيين فإننا سنرى طفرة عقارية كبيرة لم نشهدها من قبل. وهذه الأمور جميعها ستسبب انتشارا عمرانيا كبيرا لمنطقة الرياض وينبغي معه التفكير في إعادة التخطيط للمخطط الهيكلي للمنطقة وأخذ هذه الاعتبارات المستجدة التي لم تكن في الحسبان.
ولعله آن الأوان لأن ننسى الطرق الدائرية الحالية ونبدأ في التفكير والتخطيط لمنطقة الرياض في الأعوام المقبلة, وأن يتم التخطيط المستقبلي لنقل الحركة خارج مدينة الرياض. وذلك يتم عن طريق تنفيذ طريق دائري جديد وحديث مع حرم واسع على الجانبين يفيد فيما لو فكرنا في شبكة قطارات أو اتصالات أو أنابيب مياه أو بترول أو حدائق وحزام أخضر للمدينة. يقيها عواصف الأتربة والغبار وتكون متنفساَ للمدينة ولرياضة المشي. ويكون خارج المدينة الحالية ويفضل أن يكون بعيداَ عن العمران الحالي بمسافة أو قطر يزيد على عشرة كيلومترا، تحسباَ للتطور العمراني القادم. مع التأكيد على أهمية التحسب بعرض حرم كبير لأية احتياجات مستقبلية للخدمات مثل نفق القطارات والقطارات الخفيفة وغيرها من خدمات الاتصالات وكيابلها والإنترنت وأنابيب المياه والبترول والغاز لمنطقة القصيم وغيرها من المناطق.
إن التخطيط لطريق دائري يخرج من تقاطع طريق رماح (على طريق الرياض ـ الدمام السريع) ويتجه شمالاَ ثم ينكسر غرباَ بعد شمال المطار الحالي ليصب في طريق القصيم قرب مخرج بنبان (طوله نحو 40 كيلومترا فقط)، سيكون له عظيم الأثر في نقل وتحويل معظم حركة الشاحنات والمسافرين من المنطقة الشرقية إلى بقية مدن منطقتي الرياض والقصيم، الذين يشكلون نصيب الأسد في الحركة الحالية وتعاني منهم المدينة على الطرق الدائرية الحالية وخاصة الطريقين الدائريين الشرقي والشمالي.
وأن يتم ربط تقاطع رماح جنوباَ مع طريق يتجه مباشرة إلى مدينة الخرج (وطوله نحو 50 كيلومترا) ومنها تنقل حركة الشاحنات والمسافرين لمنطقة الخرج والجنوب. فمنطقة الخرج والدلم والأفلاج أصبحت سلة الغذاء والزراعة والبيض والدجاج ومزارعها هي الأساس الزراعي والأمن الغذائي لمعظم مناطق المملكة والخليج. وأن يتم ربطه مع الطريق الذي يتم تنفيذه حالياَ كامتداد للدائري الجنوبي مع خشم العان. والطرق الدائرية المتوسطة الموجودة حالياَ في المخطط الهيكلي لمنطقة الرياض.
قد نتخيل مدى التخفيف الذي ستوفره الفكرة في التخلص من جزء كبير من تلك الشاحنات والمسافرين وحوادثهم والتلوث والازدحامات التي تعانيها مدينة الرياض وسكانها. كما أن الفكرة ستكون أساسا مهما لنجاح فكرة المراكز الحضرية التي تخطط لها الهيئة العليا لمنطقة الرياض. ولربطها ببعضها بعضا ودونها لن يكتب النجاح لتلك المراكز. ومعظم تلك الأراضي ما زال مملوكاً للدولة ووزارتي الدفاع والداخلية واللتين هما من الدولة. والبقية مازالت أسعارها رخيصة الآن لو فكرنا واتخذنا القرار بسرعة قبل أن يسبقنا الآخرون.
كما أن القطاع الخاص قد يتولى تنفيذ هذا الجزء مجاناَ لو أعطي جزءاً من جانبي الطريق ليستثمره. فمهما كانت التكلفة الحالية مرتفعة بسبب نزع الملكيات والتنفيذ فإن فائدتها وما ستعود به على المجتمع مستقبلياَ أكبر بكثير. ويكفينا نجاح التجربة القديمة لنزع ملكيات طريق الملك فهد التي تعتبر تكلفتها اليوم جداَ صغيرة مقارنة بما قدمه من فائدة. كما أن التكلفة ستخفف الضغط الحالي على الطرق الحالية للمدينة وستوفر الملايين مما ينفقه المواطنون من الوقود والتلف لسياراتهم أو ضياع وقتهم الثمين لساعات في ازدحامات الطرق.
وأحد الحلول التي قد تساعد على إخراج هذا المشروع للوجود هو التفكير في حل موضوع تكلفة نزع الملكيات وطرحها كمشروع يتولاه القطاع الخاص أو صندوق استثمار عقاري. حيث إنه يمكن حل موضوع التعويضات بعمل صندوق تعويضات مماثل لطريقة المنطقة المركزية للمدينة المنورة، وهي أن يتم نزع حرم للطريق أكبر من العرض المطلوب له. وبذلك يصبح الجزء المتبقي مغرياً استثمارياَ لأنه سيقع على جهتي الطريق الجديد وسيكون سعر المتر مضاعفاً عدة مرات. فعلى سبيل المثال لو وجدنا أن العرض المطلوب للطريق هو 120 مترا (مع الحرم للخدمات، فإنه يمكن أخذ زيادة عرض 100 متر من كل جهة وإعادة دراسة نظام البناء لهذين الشريطين بإعطاء ارتفاعات أكبر، وبذلك سيرتفع سعر بيع المتر ليطرح في مزاد عام يكون ريعه لتنفيذ الطريق ولتعويض نزع الملكيات. وهذه الفكرة يجب أن تدرس تخطيطياَ لمراعاة الارتدادات للمنطقة مع دراسة خط السماء للمدينة ودراستها تخطيطياً وعمرانياً على مراحل نمو مستقبلي. وإمكانية ربطها بالطرق الحالية لربط القرى المجاورة للمدينة.
ولا ننسى أيضا الامتداد المستقبلي لتلك الطرق الدائرية الجديدة والمقترحة لتمتد غرباَ من بنبان وصلبوخ والعيينة لتصل إلى طريق مكة بعد وادي لبن ومنحدر المزاحمية وربطه بطريق ديراب ليعود مرة أخرى إلى الدائري الجنوبي الجديد الذي اقترحته. على الأقل أن يخطط لذلك من الآن إلى حين يصل العمران لكثافة عالية في تلك المناطق وتصبح الحاجة إليه ملحة.
قد لا يكون الموضوع غائباً عن الجميع وأن هناك دراسات وتخطيطاً لوضع طرق دائرية وبعضها وضع على مخططات المنطقة ولكن أرى أن يعاد النظر في مواقعها لتتجاوب وتتفاعل مع المتغيرات الأخيرة للنمو المتسارع الذي تشهدانه مدينة ومنطقة الرياض.