كفاءة القطاعات الحكومية .. أهم محفزات النمو
ابتدعت الهيئة العليا للسياحة نهجاً جديداً في الإدارة الحكومية، وهو سعيها للحصول على شهادة الأيزو العالمية بتأهيل جميع إدارات وأقسام الهيئة لاستيفاء جميع المتطلبات اللازمة للتأهيل وحصولها على الشهادة من قبل شركة بيرو فيتيراس العالمية. وهذه الخطوة تحسب للهيئة والأمير سلطان بن سلمان الأمين العام للهيئة، لأنها ستسهم في تحسين جودة المنتج الحكومي وزيادة كفاءته وهو الأمر الذي تفتقده القطاعات الحكومية الأخرى. والكفاءة الحكومية موضوع غائب أو مغيب عن جدول الإصلاح الاقتصادي. فالإنفاق الحكومي، وبالأخص في دولة مثل السعودية، يمثل ما لا يقل عن 25 في المائة من الناتج الحكومي، والتركيز على تحسين وتطوير الأداء الحكومي سيسهم من ناحية في زيادة الناتج الحكومي وتحسين نوعيته، ومن ناحية أخرى في تخفيض تكلفة هذا الناتج. أضف إلى ذلك الإضافة إلى النمو الاقتصادي من جراء تحسين كفاءة الناتج الحكومي. إذ إن تحسين كفاءة القطاع الحكومي لن ينحصر أثره في هذا القطاع فقط، بل سينعكس على القطاعات الاقتصادية الأخرى كافة.
وتحسين كفاءة الناتج الحكومي يبدأ بفرز الخدمات التي يجب على القطاعات الحكومية تقديمها من الخدمات التي يمكن تركها للقطاع الخاص. فكما هو معروف في الأدبيات الاقتصادية فإن تقديم الخدمات بواسطة القطاع الحكومي يعد أقل كفاءة وينتج عنه انخفاض الفائدة التي ستعود على المواطن، لسبب وحيد هو أن الأجهزة الحكومية أقل قدرة على التعرف على رغبات الناس وبالتالي تلبيتها بالطريقة الأمثل. بينما يتميز القطاع الخاص أنه يستطيع التعرف على رغبات الناس وعلى إمكانياتهم الشرائية باستخدام آلية السوق. فالقطاع الخاص لا يقدم الخدمة إلا بعد التأكد من وجود طلب كاف عليها يؤدي به إلى تغطية تكاليفه وتحقيق ربح يكفل له الاستمرار في السوق. لذلك فإن الحد من تقديم الخدمات العامة بواسطة الجهاز الحكومي وتحويلها إلى القطاع الخاص أو ما يسمى في الأدبيات الاقتصادية بالخصخصة هو إحدى الوسائل الفعالة لزيادة كفاءة الناتج الحكومي.
الجانب الآخر والمهم في سبيل تحسين كفاءة الأجهزة الحكومية هو التركيز على عملية الهدر الناتج عن سوء الاستخدام الأمثل للموارد المتوافرة. والهدر الحكومي يتمثل في عدة أشكال، منها البطالة المقنعة التي تتمثل في وجود موظفين فقط على سلم الرواتب الحكومي. أو في الهدر الناتج عن الطريقة غير الكفؤة التي تدار بها الخدمات الحكومية. وفتح موضوع الهدر الحكومي والسعي إلى إيجاد حلول ناجعة له سيؤدي إلى نتيجتين إيجابيتين. أولاهما إمكانية زيادة الناتج الحكومي، والثانية إمكانية تخفيض تكلفة بعض الخدمات المقدمة ومن ثم استخدام الفائض في تقديم خدمات قد تكون هناك حاجة ماسة إليها. ومعالجة هذا الجانب تبدأ أولاً وقبل كل شيء بتقدير كمية الهدر الناتج في كل قطاع حكومي ومن ثم السعي إلى معالجته بتحويل الموارد بين قطاعات الإنتاج الحكومي المختلفة. وحصول الهيئة العليا للسياحة أو أي قطاع حكومي آخر على شهادة الآيزو ليس هدفاً بحد ذاته وإنما هو وسيلة إلى الوصول إلى الاستخدام الأمثل للموارد وتقليل الهدر الحكومي إلى أقل حد ممكن.
ولا يحظى جانب الهدر في القطاعات الحكومية بالدراسات الوافية حتى في أكثر الدول تقدماً. والبحث في محركات البحث الإلكترونية عن كلمة Government Waste سيعطيك مؤشراً على ذلك. إضافة إلى ذلك يتوافر القليل من الدراسات المتعلقة بهذا الموضوع في الأدبيات الاقتصادية. إحدى الدراسات أظهرت مقارنة بين ناتج الموظف في القطاع الحكومي مع ناتج الموظف في القطاعات الأخرى في بريطانيا وللفترة من عام 1997 وحتى عام 2005. ففي حين ارتفع ناتج الموظف الحكومي خلال هذه الفترة بمعدل 8 في المائة فقط، ارتفعت إنتاجية الموظف في القطاع الصناعي مثلاً بأكثر من أربعة أضعاف الموظف الحكومي وبالتحديد بمعدل 35 في المائة خلال الفترة المشار إليها. إضافة إلى ذلك تقارن الدراسة نفسها بين مخفض الاستهلاك الحكومي واستهلاك العائلات (مؤشر الأسعار)، وتخلص إلى أنه في حين بلغ مخفض الاستهلاك العائلي 15 في المائة، بلغ مخفض الاستهلاك الحكومي 41 في المائة. مما يعني أن تكاليف الخدمات الحكومية تتزايد بشكل أسرع من تزايد المؤشر العام لأسعار المستهلكين.
هذه المؤشرات تطرح تساؤلات كثيرة تتعلق بالجهاز الحكومي في السعودية والذي يتزايد حجمه عاماً بعد عام، ولا أدل على ذلك من مؤشرات الاستهلاك الحكومي. فالاستهلاك الحكومي ارتفع بين عامي 2000 و2006 بمعدل 79 في المائة، وبين عامي 2006 و2005 وخلال سنة واحدة فقط بمعدل 25 في المائة. مما يعني أن هناك تزايدا مطردا سواء في حجم القطاعات الحكومية أو في عدد الأجهزة الحكومية والتي نتجت عن استحداث عدد كبير من الأجهزة والهيئات الحكومية خلال السنوات الأخيرة. هذا الأمر يجعل من الضرورة التركيز على تحسين كفاءة القطاعات الحكومية كأحد روافد النمو الاقتصادي وذلك بالنظر إلى أن الإنفاق الحكومي يمثل ربع قيمة الناتج المحلي الإجمالي للسعودية. وبحسبة بسيطة يعني ذلك أن تحسين كفاءة الناتج الحكومي بمعدل 1 في المائة يضيف 0.25 في المائة إلى معدل النمو الاقتصادي.