بين مجلس المنافسة وأسعار الألبان

[email protected]

استبشرنا خيرا بعد الإعلان عن إنشاء مجلس لحماية المنافسة ومنع الاحتكار الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/25 وتاريخ 4/5/1425هـ والذي يعد إنجازا آخر من الإصلاحات الأخيرة التي تساعد على حماية كثير من الصناعات المحلية ودعمها، وكذلك تعطي مصداقية للآخرين سواء الشركات الخارجية للتعامل مع السوق السعودي وبيت القصيد إنه يسهم بشكل مهم وحيوي في استكمال حماية المنافسة ومنع الاحتكار والذي أرى أنه ابتدأ وظهرت فوائده للمستهلك مع فتح باب المنافسة في الاتصالات وعند تشغيل الرخصة الثانية للهاتف الجوال على وجه التحديد. إن اقتصادنا اليوم يشهد شفافية وسهولة في التعامل وإن هذا الأمر له تأثيرات وخصوصا أن المملكة مقبلة على انفتاح في الاقتصاد لم يشهده من قبل بشكل يسهم في وجود عوامل للسوق عادلة تتحكم في سلوكيات التجار سواء محليا أو خارجيا وتضع شيئا من التنافس وتلغي الممارسات التجارية غير العادلة.
ويبقى الحديث سالف الذكر في خانة التنظير للفوائد التي يجنيها الاقتصاد والمستهلك على حد سواء، ولكن المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق هذا المجلس هي التطبيق على أرض الواقع وتحويل المميزات الكبيرة التي يحملها الغرض من إنشاء هذا المجلس رهن الإستراتيجية التي سيعمل بها والخطط التي سيطبقها.وهذا الحديث يجعلنا نتطلع إلى أن يتجاوز المجلس دورة المستوحى من مسماه في كونه الجهة التشريعية لأنظمة المنافسة ومكافحة الاحتكار عن طريق تشجيع القطاع الخاص المحلي إلى توظيف أفضل السبل التي توصله إلى مركز تنافسي أفضل يجعل من المنافسة نتيجة طبيعية لوجود منشآت محلية على مستوى عال من التنظيم والإدارة.
ولكن يبدوا أننا ما زلنا نشهد اختراقات صارخة لأبسط معاني المنافسة الكاملة وإخلال صريح بنص المادة الرابعة لنظام المنافسة "تحظر الممارسات أو الاتفاقيات أو العقود بين المنشآت المتنافسة أو تلك التي من المحتمل أن تكون متنافسة، سواء أكانت العقود مكتوبة أو شفهية، وصريحة كانت أم ضمنية، إذا كان الهدف من هذه الممارسات أو الاتفاقيات أو العقود أو الأثر المترتب عليها تقييد التجارة أو الإخلال بالمنافسة بين المنشآت". وما جاء في الفقرة الأولى منه "التحكم في أسعار السلع والخدمات المعدة للبيع بالزيادة أو الخفض، أو التثبيت، أو بأي صورة أخرى تضر المنافسة المشروعة"، وما حدث في ارتفاع أسعار مشتقات الألبان يعد ناقوس خطر يجب أن يكون له وقفة صارمة من الجهات ذات العلاقة للمحافظة على المكاسب التي حققها و يحققها الاقتصاد. أن يكون هناك ارتفاع في أسعار المواد الاستهلاكية تحت تأثير ارتفاع مؤشرات التضخم العالمي والمحلي هو أمر مقبول اقتصاديا، ولكن أن تتفق عدد من شركات القطاع الواحد اتفاقا مسبقا على زيادة أسعار منتجاتها فهو أمر لا يمكن تجاوزه وينطلي تحت مظلة احتكار القلة التي كنا وما زلنا نعاني آثاره في القطاع البنكي لنراه اليوم يصل إلى المواد الاستهلاكية الضرورية للمعيشة اليومية. خصوصا ونحن نعلم أن الجهات الحكومية ذات العلاقة كانت تلعب دورا مهما خلال فترة حرب الأسعار التي كانت تنتهجها شركات الألبان خصوصا خلال التسعينيات الميلادية والتي كانت بهدف المحافظة على استقرار صناعة حيوية تمثل حلقة من حلقات الأمن الغذائي الذي لا يساوم عليه أحد.
لا أرى ضررا لو قامت إحدى شركات الألبان برفع أسعارها وتبعها الآخرون، ولكن أن يكون هناك تنسيق مسبق ومتفق عليه فإن هذا هو الخطر الذي يواجه المنافسة العادلة. وأرى أن مجلس المنافسة لدية فرصة ذهبية لإثبات وجوده على أرض الواقع لرد الضرر الناتج عن اتفاق احتكار القلة ولكي يوجه رسالة إلى القطاع الخاص أن هناك من يحمي حقوق المستهلك ويحافظ على استقرار مستويات المنافسة داخل السوق المحلي.
فنحن ندرك أن المنافسة العادلة تمثل حافزاً جوهرياً للمنتج المحلي، كي يعلن التعبئة داخل جميع أجهزته، عند الإحساس بأهمية المنافسة وخطرها في الوقت نفسه مما يجعله يدفع إمكاناته وجميع موارده المتاحة لتحسين الإنتاج جودة وسعراً من خلال رفع مستوى الإنتاجية وتقليل مستويات الهدر، وتنمية وتطوير المهارات الفنية والتسويقية، ووضع أنظمة فعالة للأمن والسلامة والاهتمام بالأنظمة المحاسبية والاستخدام الأمثل للتقنية داخل المنشأة وتحفيز الموظفين عن طريق المشاركة لا الأوامر، وتشجيعهم على التطوير والمبادرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي