رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


روح "سمية" تقرع الأجراس

يقول الخبر: إن الطفلة (سمية) ذات الأعوام الخمسة توفيت على يد طبيب مقيم في مستوصف خاص شمالي الرياض نتيجة إعطائها جرعة زائدة من المخدر، إضافة إلى ارتكاب الطبيب مجموعة من المخالفات الطبية، وأصدرت بشأنها الهيئة الصحية الشرعية المختصة في الرياض حكمها بإلغاء الترخيص الممنوح للطبيب المزاول المهنة، إضافة إلى شطب اسمه من السجل المرخص له مع حق التظلم لمن لم يقتنع أمام ديوان المظالم خلال 60 يوما من صدور الحكم في تاريخ 20/12/1428هـ.
هذه الواقعة واحدة من أخطاء طبية فادحة عديدة تحدث في مستشفياتنا العامة والخاصة على حد سواء. وإن كان نصيب الخاصة منها أوفر (!!) وقبلها منذ أشهر قلائل ذهب طفل آخر في جدة ضحية نفاد الأكسجين جرّاء إهمال تثبيت الأنابيب عليه فاختنق، ما تسبب له في تلف فظيع في الدماغ، وقبلها أيضا قام مستشفى نجران بفضيحته المدوية بتسليم طفلين لغير أهلهما وضللهما لسنوات، وهناك غيرها من أخطاء بحق الكبار والشباب والصغار من الرجال والنساء في هذه المنطقة أو تلك غالبا ما يتم تخفيت الضجيج حولها ولملمتها بوسائل شتى وربما الاكتفاء بتحذيرات إدارية أو لفت نظر وما شابه ذلك.
ومع حرصنا على سيادة ثقافة التسامح بيننا والظنون الحسنة، إلا أن ذلك شيء والقفز فوق إهدار حيا ة الناس والاستهتار بها شيء آخر، لكونه أولا وأخيرا يعد تعدياً سافراً على ما لا يجوز إطلاقاً التعدي عليه، كما أنه من ناحية أخرى يعد إتلافاً لأهم الاستثمارات قاطبة على وجه الأرض وهو الإنسان، عماد القوى البشرية صانعة التنمية والتقدم، ففقده أو تعويقه يتجه مباشرة إلى إفساد المسيرة السوية للمجتمع وينشر الخراب فيه.
والدول تكرّس لقواها البشرية وهم جموع المواطنين الجهود لتوفير الخدمات التعليمية والصحية وأسباب المعيشة والأمن وحين يخل مرفق تعليمي أو تمويني أو أمني، فما بالنا بالصحي، بأداء واجبه فهو يسهم في استدراج الخطر (وإن لم يقصد ذلك) نحو هذا المواطن، ويضرب ذلك الاستثمار الجوهري الأهم للوطن في الصميم من ثلاث جهات: فأولاً هناك الخسارة الفادحة بموت أو إعاقة الإنسان، وثانياً خسارة الكفاءات الطبية التي صرفنا عليها مبالغ طائلة في التعليم والتدريب والتوظيف ولم تصن الأمانة ثم خسارة ثالثة تطول سمعة المرافق الصحية نفسها بفقدانها الصدقية والموثوقية.. وطبعا ذلك كله إهدار فظيع للأرواح والأموال والجهود والوقت أيضا.
ما أصدرته الهيئة الصحية الشرعية من حكم بحق الطبيب المقيم الذي كان إهماله وراء موت الطفلة (سمية) إجراء نثمنه ونرفع الصوت عاليا للإغلاظ في تطبيقه بحق كل من اتخذوا حياة البشر تجارة أو تعاملوا مع أجساد المرضى وكلومهم العضوية والنفسية كقطع غيار ... ولو دأبت الهيئة الصحية على المبادرة إلى فعل هذا الإجراء والحسم دوماً لعزز ذلك من وجودها ودورها في شرف إنقاذ كثيرين ممن أحاقت بهم مآس، بل ما زال فيهم من يبحث عن فرصة النظر في مأساته أو فرصة التعرف عليها، سواء ما نشرته الصحف أو ما هو مدون في سجلات المستشفيات والقضاء أو في صدر مَن اضطر إلى ازدراد مصيبته بصمت.
لقد رحلت روح سمية الطاهرة البريئة إلى بارئها بخطأ طبي .. مثلما تجرعت أسرة طفل جدة مأساته وعذاباته، كما استوطنت الكوابيس أذهان طفلي نجران وأهلهما، ومثلها قصص أخرى عديدة كتبت بالفجيعة والدمع والعويل، وحلت وحشة في الأرواح وجمرة في القلوب .. فهل نصغي لرنين أجراس إنذار تركتها مدوية في دنيانا روح سمية لكي تذود عن صغيرنا وكبيرنا جناية طبيب مستهتر أو ممرضة متبلدة الحس أو مستشفى لم يراع شرف المهنة ولا نبالة المهمة، فقد باتت الأخطاء الطبية حديثا مريعا لا ينبغي ترك مهام مواجهتها للتستر أو للمصادفات، أو لطول بال المطالب بحقه أو نفوذه!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي