رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


غزة ... انتصار الإرادة وإرادة الانتصار

[email protected]

ما أقدمت عليه دولة الكيان الصهيوني خلال الأسبوع الماضي من حصار اقتصادي ومعاشي لقطاع غزة لم يكن الأول ولن يكون الحصار الأخير الذي تمارسه قوى الشر والظلام, كفار قريش قبل أربعة عشر قرناً قامت بفرض حصار جائر لئيم ضد الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه في شعب بني طالب, ومنعت عن المؤمنين المؤن, والطعام والشراب بهدف إذلالهم من خلال لقمة العيش, وإجبارهم على التخلي عن إيمانهم ودينهم, لكن مخططهم باء بالفشل, وجاءت النتيجة عكس ما خطط له إذ صلبت وقويت عزيمة المؤمنين, وإرادتهم، ولم يزدهم الحصار الظالم إلى قوة إلى قوتهم.
وفي العصر الحديث مارست أمريكا أسلوب الحصار مع من يخالف سياستها أو يعترض مشاريعها الاستبدادية, حيث حاصرت كوبا، وكوريا الشمالية, وليبيا, وإيران بعد الثورة, ثم حاصرت العراق في زمن النظام السابق, مما ترتب عليه وفاة ومرض الأطفال والشيوخ و كافة شرائح المجتمع, حيث بلغ عدد من تضرروا بفعل الحصار الملايين. إسرائيل حين أقدمت على حصار غزة وقطعت عن السكان البالغ عددهم مليون ونصف المليون مقومات كافة الحياة من كهرباء, وغذاء ودواء, ووقود ظنت أنها بفعلها هذا تكسر شوكة الفلسطينيين, وتخضعهم لسياستها الظالمة, لكنها فهمت معادلة الصراع بطريقة خاطئة إذ لا يمكن ابتزاز شعب بلقمة عيشه, وهو الشعب الذي سلبت منه بلاده, ومنحت لشراذم المجرمين الذين جاءوا من أطراف العالم منبوذين مكروهين أين ما حلوا ورحلوا. فكرة الحصار هذه بدأت حين فازت حركة حماس بالانتخابات وشكلت حكومة منتخبة, وهذا أمر لا يروق لإسرائيل, ومعها أمريكا حيث تكتسب حماس الشرعية والتفويض من الشعب الفلسطيني, لذا خطط للحصار منذ تلك اللحظة حيث قطعت المساعدات المالية التي كانت تمنح للحكومة الفلسطينية السابقة, ومنعت التحويلات المالية التي كانت تقدم كمساعدات للجمعيات الإنسانية, والخيرية وللأسف أن الدول العربية ساهمت في هذا الحصار, ولم تتمكن من تنفيذ أي تحويلات مالية, وذلك عقاباً للشعب الفلسطيني على اختياره لحماس, وحدث ما حدث من تطورات في الشأن الفلسطيني, إذ شكل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس حكومة مؤقتة في رام الله, وأقال حكومة إسماعيل هنية, وجاءت الفرصة مواتية لحكومة الكيان الصهيوني التي ارتأت في هذا الانقسام الفلسطيني فرصة لها لتشديد الحصار لإسقاط المشروع الداعي إلى الكفاح, والتحرير, والعودة, والقضاء على بنيته التحتية من مفكرين, وسياسيين, وميدانيين, ولذا كثفت دولة العدو من اغتيالاتها, وتوغلاتها, واختطافها لنشطاء الشعب الفلسطيني حتى عقد مؤتمر أنابوليس وحضره العرب مؤملين فيه حلاً لقضية العرب الشائكة حتى جاء الرد سريعاً من إسرائيل وبعد انتهاء المؤتمر بساعات بمزيد من الاغتيالات, والقمع, والتدمير, ثم جاءت عملية القتل الجماعي من تجويع شعب غزة بكامله, وذلك بإيقاف الغذاء, والكهرباء, وجميع المؤن ومستلزمات الحياة وضرورياتها.
المتأمل فيما حدث في غزة من تحرك جماعي نحو الحدود مع مصر يجد أنه أمر طبيعي يقوم به أي كائن حي حتى وإن لم يكن من بني البشر, فغريزة الحياة, والمحافظة عليها تستوجب التحرك, والدفاع عن النفس, وما قامت به مئات النسوة حين اقتحمن معبر رفح إلى الجانب المصري إلا ممارسة طبيعية أردن من خلالها التعبير عن معاناة الشعب الفلسطيني في غزة وتنبيهاً للضمير العربي, ولا أقول العالمي, فالعالم خاصة الغربي هو الذي سلب هذا الشعب حريته, وفتح أرضه للغير, ودعم العدو خلال هذه العقود بالمال, والسلاح والدعم السياسي, ولذا جاءت ردود الفعل الشعبية في العالم العربي منسجمة, ومؤيدة لهذا التحرك العفوي الذي لابد له أن يحدث، إذ لا يمكن تصور إنسان يجوع وتسلب حريته أن يقف مكتوف الأيدي يتفرج على قتلته, وجلاديه. اندفاع مئات الفلسطينيين نحو رفح المصرية بعد إسقاط الجدار الفاصل بين فلسطين, ومصر جاء كالقنبلة في وجه كل من يعتقد أن الحصار والقهر هو الأسلوب الأنجع في كسر إرادة الشعوب, ولذا أسقط في يد الكثيرين فها هو أيهود أولمرت يحمل مصر مسؤولية ما حدث في رفح مصدراً بذلك المشكلة التي أحدثها إلى الجانب المصري, وفي السياق ذاته يقول أولمرت نفسه إننا سنستمر في جعل حياتهم غير طبيعية حتى يعرفوا ماذا فعلته بهم قيادة حماس. أما أمريكا فقد أعربت عن قلقها مما حدث على معبر رفح, حين تحرك الناس بحثاً عن لقمة العيش, لكن دولة تمثال الحرية لم تعبر عن مشاعرها, وهي ترى الناس يقتلون ليل نهار, وبسلاح أمريكي, كما أنها لم تعبر عن مشاعرها وهي ترى الناس بالملايين تقطع عنهم المؤن, والأغذية, والكهرباء, بل إن تحدي مشاعر العرب والمسلمين هو السمة البارزة في سياسة أمريكا منذ عشرات السنين, وإلا فكيف ينظر لسياسة الحصار, والتجويع على أنها دفاع عن النفس؟!!
مجلس الأمن ينعقد بشأن حصار غزة بناءً على مشروع قرار تقدمت به المجموعة العربية, ويفشل في المرة الأولى بسبب معارضة أمريكا لمشروع القرار مع ضعفه وهذا تأكيد لسياسة الصلف والتحدي لمشاعر العرب, والمسلمين, وتأكيد لاستهتار الأمريكان بحياة الناس, وفي الجلسة الثانية لمجلس الأمن يتمخض الجبل فيلد فأراً ويكون القرار الرئاسي المقترح الدعوة لوقف العنف في غزة وجنوب إسرائيل, ومرة أخرى يتحول الضحية إلى جلاد والجلاد إلى ضحية حسب معايير العدالة الدولية, التي تتحكم فيها الدول الغربية, وخاصة أمريكا. ردود الفعل الرسمية العربية جاءت متأخرة وعلى استحياء, ولم تصمد طويلاً إذ عبر الرئيس المصري حسني مبارك عن أن مصر لن تترك الشعب الفلسطيني في غزة يموت جوعاً, وكم سيكون هذا التصريح رائعاً لو أنه جاء قبل سقوط الجدار, واندفاع الناس نحو الأراضي المصرية, إن محاولة إغلاق المعبر مرة ثانية يؤكد أن النظام العربي يعاني ضعفا شديدا و مزمنا لابد له من التحرر منه إذا أراد لمجتمعاته وأمته أن تعيش حياة كريمة. ما حدث في غزة وعلى معبر رفح الفاصل بين فلسطين, ومصر يمثل دروساً في غاية الأهمية وهذه الدروس موجهة لجهات عدة, وهي المجتمع الدولي ممثلاً بمؤسساته وهيئاته البائسة, ودول الغطرسة بما فيها إسرائيل وأمريكا, كما أن من الجهات المستفيدة النظام العربي الرسمي. الدرس الأول المستخلص مما حدث أن الشعب أي شعب كان لابد من أن تغرس فيه إرادة الانتصار إذا رغب في التحرر, واستعادة الحقوق المسلوبة, أما الدرس الثاني فهو أن الإرادة ليست شعاراً يرفع, بل هو نظام نفسي يغرس في النفوس, ويتحرك في الظروف المستوجبة لتحريكه, كما أن من الدروس المستفادة أن البطش والاستبداد مهما علا وصال وجال، وكان له من القوة لابد له من أن يسقط تحت أقدام إرادة الشعوب المقهورة. لقد انتصر الغزيون لأنهم امتلكوا إرادة الانتصار وهذا ديدن أي أمة وشعب يطمح للعزة والكرامة, إن أصداء ما حدث في غزة والتي ظهرت في بعض البلاد العربية والإسلامية تؤكد خيرية هذه الأمة وصلابتها وقوتها, فهل يستفيد النظام العربي الرسمي من عناصر القوة الموجودة في الأمة ويجعلها قوة مساندة له بدلاً من كبتها ومحاربتها؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي