السرقة جريمة أخلاقية لا تبررها قلة العمل

السرقة جريمة أخلاقية لا تبررها قلة العمل

دعا سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ المفتي العام للمملكة إلى السعي إلى الرزق الحلال واجتناب السطو على أموال الناس وسرقتها، وقال سماحته إن ما يصدر من ضعاف النفوس من سرقات واستغلال غفلة الناس يعد جريمة أخلاقية وكبيرة من كبائر الذنوب، وعد سماحته السرقة بأنها خلُقٌ ذميم ورذيل، وأضاف أنّ هذا السارقَ لا قَدرَ له ولا قيمة، ذَلكم أنّ هذا السارقَ عضوٌ أشلّ في مجتمعه ولأجلِ هذا حرِّمَت سرقةُ أموال المسلمين، وجُعِلت السرقة كبيرةً من كبائر الذنوب جريمةً من الجرائم الأخلاقيّة التي لا يتَّصف بها ذو دينٍ صحيح واستقامةٍ على الخير؛ ولا يعوَّل عليه ولا يطمأَنّ إليه، ولا يركَن إليه، لماذا؟ لأنّ هذا شخصٌ مجرِم عطَّل القُوَى التي منَحَه الله إياها، منحه الله السمعَ والبصر والعقلَ، ويسَّر له الأمورَ، لكنّه لم يرضَ بهذا، بل سخَّر حواسَّه وقواه في أمور رديئة رَذيلة.
وقال نحمد الله أن هذه البلاد تضرب بيد من حديد على من تسول له نفسه العبث والسرقة وفق توجيهات ولاة الأمر وفقهم الله لكل خير.
وأبان سماحته أن الدّاعي للسّرقةِ ليس قِلاًّ في العمل، ولا أنَّ ميادينَ العمل استغرَقَت الكلَّ، لكن لأن هذا الجُرم السيّئ والخلُق الخبيث، تربَّى عليه بعضُ أولئك، فنشؤا من صِغَرهم على هذا الخلُق الرذيل، فما استطَاعوا التخلّصَ منه ولا الصّبرَ عنه، أعاذنا الله وإيّاكم مِن البلاء.
ومضى يقول إنها يدٌ خبيثة تمتدّ إلى أموال الناس، تُروّع الآمنين، وتأكل أموالَ الناس ظلمًا وعدوانًا، وربما زيَّنت له نفسُه الخبيثة أن يتوسَّل إلى جريمتِه بسفكِ الدماء والعياذ بالله وقتلِ الأبرياء ونحوِ ذلك مما يترتَّب على هذا البلاءِ، ذلك أنّه قد يواجَه بمن لا يمكِّنه من فعلِه، فليجَأ إلى القتل والعياذ بالله، فيرتكِب الآثام بعد الآثام، وإنَّ السيئة لتدعو إلى السّيّئة مثلها؛ ولهذا جعل الله عقوبةَ السارقِ قطعَ يدِه عقوبةً له على هذا الظلمِ، هذه اليدُ التي لو جُنِي عليها لكانَ وجب فيها نصفُ الدّية، إذًا فإذا سرقَت وخانت هانَت وحُكِم بقطعها وبَتر ذلك العضوِ حتى يراه الآخرون، فيعتبِروا ويتَّعظوا ويعلَموا أنّ هذا مآل السارقين وجزاؤهم في الدنيا، وما عندَ الله لهم من العقوبةِ إن لم يتوبوا أضعافُ ذلك، قال تعالى: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة:38]،" فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا" حكمٌ من الله وعقوبةٌ رادعة؛ لتكون مانعةً لهؤلاء وغيرهم، فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا، فتُقطَع يده اليمنى، وإن عاد فاليُسرى، وهكذا حتى يسلَم الناس من شرِّه وبلائه، "جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".
هذا الحكمُ الشّرعيّ متى طبَّقه المسلِمون وحافظوا عليه فإنهم يضمَنون حِفظَ الأموال واستقرارَ الأمن وقوّتَه؛ لأنّ الأمةَ لا يمكن أن يستقرَّ لها قرار إلا بتنفيذِ أحكام الله، فحدودُ الله التي شرعَها ربّ العالمين رادِعة لأهل الإجرام ومُوقِفة لهم عند حدِّهم وحاجِزة بينهم وبين الاستمرار في رذائِلهم وقبائحهم. حدودُ الله قدَّرها العليم الخبير، "أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ". [الملك:14]. ومحمّد سيِّد الأولين والآخرين طبَّق هذا الحكمَ ونفَّذ هذا الحكمَ طاعةً لله وتحكيمًا لشرعه وردعًا لمن تسوّل له نفسُه الإقدامَ على هذه الجريمة، ففِي عهد المصطفَى سرِق من صفوان بنِ أميّة رداؤه من تحت رأسِه، فأتى بالسّارِق للنبيّ، وكانت قيمةُ هذا الرداء لا تجاوِز عشرين درهمًا، فأمر النبيُّ بقطع يدِ ذلك السارِق، فقال صفوان: يا رسول الله، تقطَع يده في رداء! هو له، قال: ((هلاّ قبل أن تأتِيَني به))، فأمَر بقَطع يدِه.
وامرأةٌ من بني مخزوم كانت تستعير المتاعَ وتجحده، وفي بعض الروايات أنها تسرِق، فأمر النبيُّ بقطع يدِها، فهمَّ قريشًا أمرُها وقالوا: من يكلِّم فيها رسولَ الله ؟ فما رأَوا إلاّ أسامة، رأَوا أسامة حِبَّ النبيّ وابن حبّه مولاه وابن مولاه، فكلَّموه أن يشفعَ ليسقِط هذا الحدَّ حتى لا تفتَضِح القبيلة بأن قطِعَت يدُ امرأةٍ من نسائهم، فلمّا كلَّمه غضِب على أسامة وقال: ((أتشفَع في حدٍّ من حدود الله؟!)) ثمّ خطَب النّاس فقال: ((إنما أهلَكَ مَن كان قبلَكم أنهم إذا سرقَ فيهم الشريفُ تركوه، وإذا سرقَ فيهم الضعيف أقاموا الحدَّ عليه، وأيم الله لو أنَّ فاطمة بنتَ محمّد قد سرقَت لقطعتُ يدَها))، ثم أمَر بها فقُطعت يدُها.
وأوضح سماحته أن هذا الحكمُ الشّرعيّ عندما ينفِّذه المسلمون طاعةً لله يجِدون لذّةَ ذلك وراحةَ الأمّة وسلامتَها. حدودُ الله عدلٌ وخَير، وحدود الله مصلَحَة للحاضِرِ والمستقبل، وحدود الله عدلٌ لا ظلمَ فيها، وعندما يلمِزُ أعداء الإسلامِ أحكامَ الشريعة ويعدّونها إذلالاً للإنسانيّة كما يزعمون إنهم بهذا يريدون الفوضويَّاتِ بكلِّ أنواعِها، ويريدون أن تعيشَ الأمّة فوضى لا قدَّر الله. إنَّ حدودَ الله عدل ولا جَورَ فيها، يَدٌ كانت ذا شرفٍ وقيمة، لكن لما زلَّت وهانت قطِعَت بمقدارِ رُبعِ دينار، فكان في شرعِ رسول الله أنَّ اليدَ تقطَع إذا سرَقَت رُبعَ دينار أي: ما يعادل ريالَين أو نحو ذلك؛ لأنَّ النظر ليس لقلَّة المسروقِ أو كثرتِه، النظرُ أنها جريمة يجِب استِئصالها من أفراد المجتمع والقضاءُ عليها، وفي الحديث: ((لعَنَ الله السارق يسرِق الحبل فتقطَع يدُه، ولعن الله السارقَ يسرِق البيضةَ فتُقطع يده))، وقَطَع أمير المؤمنين عثمان بنُ عفان رضي الله عنه يدَ سارِقٍ سرَق أترُجّة قوِّمَت بربعِ دينار فقطَع يدَه فيها.
وأكد سماحته أن السُّرّاق ومروِّجِي المخدِّرات وأمثالَهم، تراهم عالةً على أمّتهم، عالة على مجتَمَعهم وأسَرِهم، أناس جعلوا همَّهم طلبَ المادّة بالطّرق الملتوِية السيّئة، فما هي إلا أنهم يقضُونَ على حياتهم، وما ينالونه من تلكَ الأموال لا يجعل الله فيها بركةً، بل هي أموالٌ خاسِرة وأموال ذاهِبة، مهما جمَعوها فلا بدّ أن يسلِّطَ الله عليها ما يفرِّقها ويعود أرباُبها فقراءَ وأذلاّء في الدنيا والآخرة.

الأكثر قراءة