بوش .. وتخفيض سعر النفط
لقد طلب الرئيس الأمريكي في رحلته للمنطقة من منظمة "أوبك" العمل على تخفيض سعر النفط، وبقدر ما كان هذا الطلب غريبا من زعيم الدولة العظمى العارف ببواطن الأمور وظواهرها حول أسباب ارتفاع أسعار الذهب الأسود، بقدر ما جاء الرد سريعا على طلب سيد البيت الأبيض من قبل خبراء اقتصاد النفط والمحللين كبارهم وصغارهم على مستوى العالم، فقد كانت مجمل النشرات الاقتصادية في الأخبار تعقب بالفُم الملآن على طلب بوش وبالمختصر المفيد، بصيغة السؤال الاستنكاري: وهل هذا بيد منظمة "أوبك"؟!
لكن ماذا لو أدرنا دفة الطلب في اتجاه آخر وتخيلنا أن منظمة "أوبك" طلبت من الرئيس بوش العمل على رفع قيمة الدولار المتهاوي وشفائه من أدوائه التي يعانيها وما يسببه لاقتصاد العالم من تداعيات سلبية، بينها تآكل عوائد نفط دول "الأوبك" نفسها، فضلا عن تسلل شبح التضخم الكريه إلى اقتصادات المنطقة.. هل يستطيع بوش وإدارته بضربة سحرية رفع الدولار إلى سدة مجده السابق؟!
لنتجاوز الطلبين معا.. طلب بوش الفعلي وطلب منظمة "أوبك" الافتراضي، لنمضي أبعد في الخلفيات التي كمنت وراء قصر الحديث عن تخفيض سعر نفط "أوبك" في هذا الوقت بالذات من قبل رئيس دولة تعلن على الملأ وفي إعلامها أنها ساعية إلى الاستغناء عن النفط جملة وتفصيلا وخصوصا نفط "أوبك" من خلال إحلال الوقود الأحيائي (الإيثانول السليولوزي) وغيره.
يقول روبرت برايس في مقالة نشرت له في هذه الصحيفة: إن الولايات المتحدة تستهلك ما قيمته نحو خمسة تريليونات دولار في السنة من الطاقة، معظمه من كندا والمكسيك، (نحو 200 مليار جالون) وأنها لو زرعت جميع حقولها ذرة وحبوبا، لما وفرت أكثر من 6 في المائة من احتياجاتها النفطية، وأن مزاعم تبريرات الطاقة البديلة، (كما أشار إليها برايس) مثل: تقليص الإرهاب والقضاء عليه بعدم ذهاب أموال النفط لدول تصدر الإرهاب، أو حرمان دول النفط من الأموال الأمريكية، أو دفع الدول النفطية للإفلاس لكي تخضع للإصلاح الذي تراه أمريكا، أو تحقيق أمن الطاقة بالاستغناء عن نفط "أوبك" مزاعم لم تصمد أكثر من لحظة كتابتها فقط فقد أسفر خيار البديل الأحيائي إلى أنه إذا تم تنفيذه فسوف يقضي على الزراعة في أمريكا وسيفقدها محاصيلها الأخرى وسيرفع حتى أسعار الذرة والحبوب، علاوة على ما ستتسبب فيه من مجاعة في العالم، أما أمن الطاقة فكوارث كاثرينا وسواها في خليج المكسيك أثبتت أن أمن الطاقة واستقلالها هش لا يمكن التعويل عليه بالمطلق، وفيما يتعلق بالحد من الإرهاب بمنع أموال النفط عن تلك الدول، فأولا لا تمثل أمريكا مستوردا أساسيا لنفط "أوبك" وبالتالي فالأموال قادمة لدول "أوبك" من اتجاهات أخرى، هذا لو سلمنا جدلا بصحة اتهام المنطقة بالإرهاب على نحو خاص. أما إصلاح المنطقة بدفعها نحو الإفلاس، أي تركيعها لتلبية الإملاءات الأمريكية .. فتلك، واحدة من تقليعات توماس فريدمان وفذلكاته التي لا يمكن فصلها عن هوى نفس فريدمان اليهودي المنافح عن إسرائيل!!
تلك أسباب كامنة وراء طلب بوش وقد تصورها خافية عن أبصار وبصائر العالم كما قد يكون تصور خفاء أسباب ظاهرة نراها في ترنح القوة الأمريكية نفسها تحت ضربات سوء إدارتها لسياستها الخارجية في العراق، لبنان، فلسطين، السودان، وفي تعالي وتيرة الركلات المنغصة على هيبتها من قبل القوى الجديدة: الصين، الهند، روسيا، وأوروبا الموحدة، وعالم لم يعد المارينز الأمريكي وحده يجوب بحاره باطمئنان أو تعبر طائرات أمريكا آفاقه دون حساب.
لم يكن حديث سيد البيت الأبيض وهو في شفق غروبه غير محاولة منه لجعل أبصارنا لا ترى سوى قمة جبل الجليد في اعتقاد منه أن العالم كله لا يعرف عن معظم الجبل الغاطس تحت الماء وهي كومة الأسباب التي دفعته لقول طلبه الغريب ويريدنا بوش أن نعمى عن رؤيتها!!