العود أحمد
تمثل عودة الأكوادور إلى اكتساب عضويتها في منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" عاملا إضافيا ينبئ عن تزايد نفوذ المنظمة وتأثيرها في السوق النفطية. العودة يتوقع لها أن تتخذ شكلها الرسمي الشهر المقبل ربما من خلال حضور الرئيس الأكوادوري رافاييل كورييا قمة المنظمة الثالثة التي تستضيفها العاصمة السعودية الرياض في منتصف الشهر المقبل.
والقمة التي ستشهد عودة بعض أبناء المنظمة الذين هجروها في السابق وانضمام أعضاء جدد مثل أنجولا تمثل مفارقة لما كان سائدا من قبل. فمنذ تأسيسها قبل قرابة نصف قرن من الزمان، أو 47 عاما تحديدا، شهدت "أوبك" قمتين وأخرى جرى الإعداد لها، لكنها ألغيت في آخر لحظة بسبب الخلافات المشتعلة بين دولتين عضويتين مؤسستين للمنظمة. والإشارة إلى الحرب العراقية الإيرانية التي اشتعلت في العام 1980 وفي الشهر ذاته الذي كان يفترض أن تستضيف فيه بغداد قمة "أوبك" الثانية.
القمة لأولى استضافتها الجزائر في العام 1975. وقتها كانت المنظمة لا تزال تعيش زخم بروز تأثيرها وعلى المستوى العالمي من خلال رفع الأسعار التي ظلت متدنية تتحكم فيها شركات النفط الأجنبية. ومع أن تلك القمة قننت التوجه الجديد بالدعوة إلى نظام اقتصادي عالمي جديد والدعوة إلى حوار المنتجين والمستهلكين إلى جانب بروز دور شركات النفط الوطنية ومن ثم استكمال عمليات السيطرة على الصناعة النفطية لدى المنتجين بمختلف الصيغ، إلا أن التركيز الإعلامي تحول إلى الجانب السياسي وإلى الاتفاق بين العراق وإيران على هامش القمة برعاية الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين، حيث اتفقت الدولتان على موضوع الحدود بينهما ومن ثم إنهاء دعم المجموعات المتمردة في بلديهما، وهو ما أدى إلى انهيار التمرد الكردي مؤقتا.
وإذا كان هذا الاتفاق قد خطف الأضواء الإعلامية عن الهموم النفطية من القمة، فإن اشتعال الحرب بين العراق وإيران أدى أيضا إلى التضحية بالقمة الثانية لصالح الحرب التي أشعلها الرئيس العراقي السابق صدام حسين. فهو قد حسب أن الثورة الإيرانية أدت إلى إضعاف خصمه وبالتالي يمكن أن تتاح له الفرصة لتعديل أتفاق الجزائر الذي يرى أن العراق كان مجبرا للتوقيع عليه.
استغرق الأمر عقدين من الزمان ليلتئم شمل القمة مرة ثانية وفي النصف الآخر من الكرة الأرضية، في فنزويلا. شكلت القمة مناسبة لتقديم الزعيم الفنزويلي إلى الساحة الدولية. وكان مسعاه إلى عقد القمة الذي شمل فيما شمل زيارة إلى بغداد للرئيس صدام حسين المحاصر والمعزول، من الأسباب التي أدت إلى انطلاق شرارة العداء والمناكفات بينه وبين الولايات المتحدة. لكن من الجانب الآخر جاءت القمة في الوقت الذي مرت فيه السوق النفطية بدورة كاملة بلغ فيها سعر البرميل قمته في النصف الثاني من السبعينيات وحتى مطلع عقد الثمانينيات التي فتحت الباب أمام حرب أسعار بعد تدفق إمدادات كبيرة من المنتجين خارج "أوبك" وتحكم السوق الحرة في حركة الأسعار. تلك الفترة القلقة أدت إلى حدوث شيء من الاستقرار النسبي استغلته "أوبك" لزيادة حصتها في السوق، لكن أواخر العقد الماضي شهد تدهورا جديدا في الأسعار دفع المنظمة إلى العودة إلى سياسة الدفاع عن الهيكل السعري، وهي سياسة بدأت تؤتي أكلها عندما التأمت القمة الثانية في فنزويلا قبل سبع سنوات.
القمة الثالثة تبدو مختلفة، إذ تم الاتفاق عليها مسبقا، كما أن الأوضاع التي تمر بها السوق النفطية ستجعل من الضروري الاهتمام بقضايا الصناعة، أكثر من أي تبعات ذات أبعاد سياسية. فسعر البرميل قد وصل إلى مراحل مرتفعة تقارب ما كان عليه مطلع الثمانينيات حتى مع وضع عامل التضخم في الحسبان. ومع أن الاقتصادات العالمية أظهرت حتى الآن قدرة على التأقلم مع الأسعار المرتفعة، إلا إن السؤال يظل إلى أي مدى، ثم إن هناك إحساسا حقيقيا أو مفتعلا بوجود شح في الإمدادات يفاقم فيه التطورات الجيوسياسية مثل التوتر الحالي بين تركيا والأكراد.
من الناحية العملية البحتة فإن إدارة السوق النفطية من قبل كبار المنتجين ظلت تتحرك حسب تطورات وضع السوق، وهو ما يمكن أن يتغير من وقت لآخر ووفق معطيات ليس لأحد سيطرة عليها، ولكن في أطار بعض الثوابت مثل توفير الإمدادات للسوق متى ما كانت هناك حاجة إلى ذلك، والتصرف بحذر كي لا تحدث تخمة نفطية تؤثر في الأسعار.
القمة لا يتوقع لها الدخول في التفاصيل الخاصة بكيفية إدارة السوق بصورة يومية أو حتى موسمية، لكن يمكنها التأمين على ما يقوم به الوزراء، الذين نجحوا في دفع الأسعار إلى أعلى وإبقائها مرتفعة منذ القمة السابقة قبل سنوات سبع. ففي نهاية الأمر، فإن هذه السلعة تمثل الأساس الذي تقوم عليه اقتصادات الدول الأعضاء، لكنها ليست وحدها المتأثرة بما يجري فيها وحواليها. ولهذا يصبح الحوار مع المستهلكين من الأولويات، التي انتبهت إليها القمة الأولى، لكن لم يتم تحقيق تقدم يذكر بسبب متغيرات السوق. القمة الثانية لم تلتفت كثيرا إلى هذا الجانب. ويؤمل أن يشكل موضوع الحوار أحد عناصر البحث في قمة الرياض.
عودة الأكوادور من عودة "أوبك" إلى التأثير في السوق، وليس هناك تأثير أفضل من وضع أسس للاستقرار في علاقة المنتجين والمستهلكين لمصلحة الطرفين.