دولة فوق القانون وشعب خارج القانون
لم يعد مستغربا في ظل الهيمنة الأمريكية على القرار الدولي، أن يهتم مجلس الأمن الدولي بكل قدره وجلاله بحادثة التفجير التي جرت قبل أسبوع في بيروت، والتي قيل إنها موجهة لموكب السفير الأمريكي، ويصدر عنه بيان يندد بها، ومقابل ذلك يصاب بالخرس والصمم والتعامي تجاه المجازر الشنيعة التي ترتكبها قوات العدوان الإسرائيلي في قطاع غزة، هذا التناقض في موقف مجلس أمن عالمي معني بحفظ الأمن الدولي ومناط به مسؤولية حماية الدول والشعوب من العدوان، يعكس ليس فقط ما بات يعرف بازدواجية المعايير في السياسة الدولية والتي ترى أن حادثة كتفجير بيروت جريمة كبرى لا تغتفر، بينما قتل شعب كامل ومحاصرته وترويعه بترسانة عسكرية مدمرة وهو أعزل من السلاح مسألة فيها نظر، بل تعكس أيضا حالة نفاق دولي واسع النطاق على حساب القانون الدولي لإرضاء الولايات المتحدة التي ترى أن "إسرائيل" فقط تدافع عن نفسها وتحمي وجودها المهدد من شعب فلسطيني مكبل ومحاصر في مناطق عزل عنصري في الضفة والقطاع..!! وهذا منطق يوضح حالة البؤس الذي وصل إليه النظام العالمي الجديد بعد انتهاء الحرب الباردة في ظل سياسة أمريكية قائمة على من هو ليس معي فهو ضدي.
ما جرى وما زال يجري في قطاع غزة من مجازر وحشية وقتل جماعي وحصار قاتل على مدى الأسبوعين الماضيين بالتحديد، وهذا الصمت الدولي والعالمي حياله، يؤكد مرة أخرى وبما ليس في حاجة إلى التدليل بأن هذه الدولة العنصرية "إسرائيل" هي حالة فريدة في العالم لكونها تعامل على أنها فوق القانون، أما الفلسطينيون الذين تعتدي عليهم وتدمر مدنهم وتقتل حتى أطفالهم فهم خارج نطاق ومسؤولية هذا القانون الدولي، فهذه الدولة القائمة على أساطير وخرافات دينية وعرقية مغرقة في العنصرية بتوصيفها بأنها تمثل "شعب الله المختار" دون سائر خلق الله، والتي يحرم نقدها مهما فعلت ويجرم الاعتراض عليها مهما ارتكبت وتحمى بقانون غريب باسم "معاداة السامية"، لا تسأل عما تفعله من جرائم وما ترتكبه من مجازر ضد الفلسطينيين كما غيرها من دول العالم الأخرى، فهي الدولة الوحيدة في العالم غير الموقعة على معاهدة انتشار السلاح النووي دون أن تلام أو تعاقب، وهي الدولة الوحيدة الحاصلة على عضوية في الأمم المتحدة دون تحديد حدودها وبما يخالف قانون وميثاق المنظمة الدولية، وهي الدولة الأوحد في العالم والأقدم التي تحتل أراضي دول أخرى بالقوة والعدوان وبما يتعارض مع القانون الدولي، وهي الوحيدة في العالم التي تمارس وتطبق إرهاب الدولة وسياسة عنصرية علنية، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تلتزم بالقرارات الدولية ومحصنة بالنقض الأمريكي حيال أي قرار إدانة يصدر ضدها.
هذه الوضعية التي عليها هذه الدولة الفريدة في العالم والمحمية مهما فعلت، هي وصمة عار في جبين الشرعية الدولية التي تسارع لتكشير أنيابها الحادة في كل مكان كما حدث مع العراق ودارفور وغيرهما وتسارع بإصدار قراراتها وفق البند السابع، وتصاب بالخرس التام والتعامي الكامل تجاه ما ترتكبه "إسرائيل" من جرائم حرب مستمرة منذ إنشائها اغتصابا، وها هي اليوم وكما يتابع العالم وهو مصاب بالاسترخاء واللا مبالاة تعيث فسادا وتمارس كل ألوان الإرهاب المسلح تحاصر به شعبا أعزل، وتقوم يوميا بارتكاب المجازر البشعة ضده، وتقتحم قواتها العدوانية مدنه وقراه وتعتقل العشرات وتستخدم أكثر الأسلحة فتكا من طائرات ودبابات دون أن يرف جفن الشرعية الدولية أو تتململ على الأقل، فضلا أن يدعي مجلس الأمن للانعقاد لإصدار قرار يحمي شعبا أعزل يواجه الموت والتدمير والتجويع نهارا جهارا.
مشكلة المجتمع الدولي مع هذه الدولة الشاذة هي في أنها دولة تريد فرض رؤيتها ومصالحها ومنافعها وشروطها وتحصل على كل ما تريد دون أن يطالبها أحد بمقابل..!! فهي دولة تريد أن تأخذ كل شيء: الأرض، والأمن، والمياه، واحتكار القوة بما فيها القوة النووية وتمنعها عن غيرها، ومعضلة المجتمع الدولي بشرعيته وقوانينه ومواثيقه أنه يقف عاجزا أمامها غير قادر على تطبيق قوانينه عليها تاركا إياها تستبيح هذه الشرعية باسم حق الدفاع عن النفس..! فبتنا أمام معادلة غريبة وعجيبة وغير مسبوقة في العلاقات الدولية حين تعامل هذه الدولة على أنها فوق القانون الدولي، بينما الشعب الذي يعتدى عليه وتحتل أرضه وتنتهك حرماته وتمارس ضده كل صنوف القتل والتدمير والحصار والقمع والتجويع يقع خارج القانون الدولي وخارج مسؤولياته..! أليس ذلك حقيقة.. وعدوان إسرائيل يعد دفاعا عن النفس ودفاع الفلسطينيين عن أنفسهم يصنف إرهابا؟!