تبسيط الإجراءات وحماية المستوى المعيشي
عندما انخفض سعر برميل النفط إلى عشرة دولارات وانخفض معه دخل الدولة قامت بتخفيض المصروفات في شتى المجالات مما أثر في سرعة نمو الاقتصاد الوطني، وطلب منا شد الأحزمة ووجه بعض الوزراء أقسامهم بالبحث عن التمويل الذاتي بقدر المستطاع، فازدادت رسوم تأسيس السجل التجاري وتعديلاته مثلا وقامت مؤسسة الموانئ بزيادة رسومها لحد أنها لا تقارن برسوم الموانئ المنافسة لها. ولو نظرنا إلى الهيئة العامة للاستثمار التي تقوم بأعمال جبارة وأنظمتها واضحة لكن تطبيقها ليس بالتساوي وبعض موظفيها عادوا إلى عاداتهم القديمة بدلا من تسهيل ودفع معاملات المراجعين في أقصر مدة، ولم نسمع عن الـ 105 عوائق التي كانت تواجهها الهيئة مع القطاعات الحكومية ونطلب جدولا فيه جميع العوائق السابقة واللاحقة وماذا أزيل منها كليا أو جزئيا، لأن إزالتها ومعرفة المستثمرين بذلك تساعدان الهيئة على تقديم خدمات أفضل. ولي ملاحظة قد لا يكون حلها في يد الهيئة ولكن عندما بدأت وكانت شغوفة بالإصلاح كانت تعطي تصاريح استثمار للمقيمين في المملكة ومن المحتمل أن بعضهم كان يعمل متسترا، ولكن مع صدور النظام صحح وضعه من رغب وأصبح يدفع الضريبة مسرورا وحافظ على استثماره دون الخوف من كفيل أو شريك، ولكن يوجد من يشتكي الآن من القرار الذي يجبر المستثمر الأجنبي المقيم أن يغادر المملكة ليحصل على تأشيرة جديدة يصحح بها وضعه الجديد. فهل هذا تسهيل للاستثمار الأجنبي؟ وتقوم الهيئة بتجديد تصاريحها سنويا وتحصل على 200 ريال مقدما رسوم خدمات عند تقديم الطلب ثم ألفي ريال عند كل تعديل أو تجديد وجعلته سنويا بينما وزارة التجارة والصناعة لا تأخذ رسوما مقابل تصريحها للمستثمر الوطني ولا يتجدد الترخيص إلا عند التعديل، فأي مساواة تلك!
ولقد زادت دائرة الجوازات رسوم نقل الكفالات وميزت بين المرة الأولى والثانية والثالثة حتى بلغت ستة آلاف ريال ثم تتكرر لكل مرة تالية، وكذلك ارتفعت رسوم تأشيرة الاستقدام، والهدف كان معروفا وهو زيادة تكلفة العامل الأجنبي بغرض زيادة السعودة، ودون تمييز للوظائف التي لا يقوم بها المواطن مثل سائق خاص أو عامل بناء، كذلك كان الهدف تقليل عدد العاملين الأجانب، بينما نجلب اليوم مئات الألوف للقيام ببناء المشاريع التنموية في هذه المرحلة الزاهرة من حياتنا. إن قائمة الرسوم الحكومية طويلة ولا أستطيع أن أعددها لعدم معرفتي بكل الرسوم التي استجدت في معظم الوزارات في تلك المرحلة قليلة الموارد، وهذا لا يعني أن الدولة لا تسهم ولا تتحمل الكثير من العبء عن المواطن والمقيم والقائمة أيضا طويلة ولكننا اليوم في مرحلة جديدة لا يمكن أن ينطبق عليها رسوم مرحلة الجفاف.
كذلك لا يمكن أن نضيع وقت المواطن الذي بالتأكيد عليه تكلفة من ماله وأيام حياته في مراجعة الأمانات والمحاكم والجمارك والمالية وغيرها من الجهات الحكومية قد تمتد لسنوات للحصول على ما هو حق له ولكن مماطلة بعض موظفي هذه الدوائر لجهلهم بالأنظمة، أو فساد بعضهم، أو لتضارب التعليمات لديهم، أو للتضارب بين الجهات الحكومية المعنية لغرض السيطرة، أو لأسباب لا أعلمها، كل هذا يكلف المواطن والاقتصاد الوطني والدولة كثيرا من الخسارة.
إن ما وجه به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله، جميع الجهات الحكومية بالعمل على إحداث نقلة نوعية في أدائها وتبسيط إجراءاتها والتواصل المستمر مع متلقي خدماتها وكفاءة ما تنفذه من مشاريع هو المطلوب فعلا، ولكن كيف سيفسر الوزراء والمديرون العامون ورؤساء الهيئات هذا التوجه السامي. هل سيضع كل منهم خطة واضحة المعالم، ولا يكفي معرفة الوزير أو وكيله بها، بل كل موظف حكومي لديه، يحدد فيها كيفية إحداث النقلة النوعية المطلوبة منهم وينشرها للجميع ويتابع كل موظف تنفيذها الزمني وكيف سيبسط الإجراءات بالتفصيل وكيف سيسهل تنفيذ معاملة المراجعين وكيف سيتواصل كل موظف مع مراجعيه ابتداء من المحكمة وكاتب العدل إلى مكتب العمل إلى مصلحة الزكاة والدخل والجوازات والجمارك وأقسام المرور والشرطة وخلافه.
كما نحمد الله على توجيه خادم الحرمين مجلس الوزراء "أن تكون أولوية السياسات المالية والاقتصادية هي تحقيق النمو الاقتصادي مع حماية المستوى المعيشي للمواطنين والقيمة الشرائية لدخل المواطن". ولقد تناول مجلس الوزراء النشاط الاقتصادي في ظل المشاريع الشاملة التي تنفذها مختلف القطاعات الحكومية وأثر هذه المشاريع في تحسين مستوى الخدمات المتنوعة وخلق فرص عمل جديدة للمؤهلين من المواطنين وهذا كله جميل ولكن هذا غدا. فماذا عن اليوم؟ ماذا عن حماية المستوى المعيشي للمواطنين اليوم؟ وكيف ستحمي الدولة القيمة الشرائية لدخل المواطنين اليوم؟
ابتداء يجب تعيين هيئة أو لجنة خاصة من الخبراء والمختصين تقدم اقتراحاتها لمجلس الوزراء في وقت محدد عن كيفية تنفيذ الأوامر السامية والأمر عاجل. ومع أنني لا أؤيد سياسة الدعم بصفة عامة إلا أن أي سياسة داعمة يجب أن تكون محدودة الزمن ومحددة القيمة وإلا سنجد يوما أن كل ما نتناوله مدعوما من الدولة وفجأة يقل سعر النفط لسبب أو لآخر ولا تجد الدولة ما تقدمه لاستمرار الدعم وقد تفكر أن تفرض ضرائب أو رسوما جديدة أو ترجع الفأس في رؤوسنا وبدون دعم.
على اللجنة أيضا تحديد المواد الضرورية التي يجب أن يقدم دعم لها ولو جزئيا كالدواجن والألبان والأدوية، والتأمين الصحي وتغطية علاج الأمراض المستعصية، وخفض أسعار الغاز، ودعم إضافي للكهرباء بتحمل مبلغ 150 ريالا لكل فاتورة لا تزيد على 500 ريال، ودفع جزء من فاتورة الهاتف الجوّال 100 ريال، ورفع قرض الإسكان إلى 500 ألف ريال، ودعم الأسمنت والحديد ودعم مصاريف التعليم والتدريب الخاص مثلا، هذه أمثلة فقط وعلى اللجنة تحديد الأولويات العامة لتصل لكل مواطن ومقيم وأن تكون هناك شروط خطة رفع الدعم، وهل تستطيع الدولة فعلا أن تتحمل ولو مؤقتا كل ذلك؟ قد تحدد المالية سقفا سنويا لجميع الإعانات الجديدة توزعه اللجنة على القطاعات المختلفة. ثم من ناحية أخرى، هل يمكن زيادة الرواتب وترك من لا راتب له يزداد فقرا وفاقة، وما نتيجة ذلك على المجتمع وأمنه؟
على اللجنة أيضا مراجعة جميع الرسوم القائمة المباشرة وغير المباشرة وتقترح خفضها أو إلغاءها مثل رسوم الموانئ والمطارات والتأشيرات والرخص ونقل الكفالات والإقامة وخلافه.
إن الذين أنعم الله عليهم من خير قد يسمعون بالغلاء والتضخم دون أن يشعروا به، لكن من يواجهون تدبير أمور حياتهم اليومية هم المعنيون بالدرجة الأولى بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين جزاه الله عن الجميع خيرا.