لتكن قضية نجران علاجاً لأخطاء الإنسان
مع تزايد ما ينقل من داخل أسوار المستشفيات والخوض فيها من زوايا تباينت الآراء حولها وأخذت أبعادا في كل منحى ومجال، حيث شارك فيها العارف وغير العارف, بتنا نتساءل هل الوضع الصحي يحتاج فعلا إلى إعادة صياغة للوائحه ونظمه أم أن تناول المواضيع دخل مرحلة قد تنذر بتشتيت الجهود وانعدام الثقة بقدرات المؤسسات المدنية فنفوت على أنفسنا فرصة التحسين والتطوير المقنن والمجود؟ بالطبع اختلفت الآراء حول المسائل الصحية والإدارية والقانونية، وقد صاحب ذلك ضعف قاعدة الإيضاحات المركزة والهادئة وتسليط الضوء على الذي يجب والذي لا يجب وكان المجتمع يترقب - وهو في سنوات التنمية - أن تكون كل المعلومات "شفافة" إلا أن ما بدا من الطروحات أن هناك فجوة بين المجتمع والمؤسسات المدنية.
قد أميل إلى التركيز على قضية نجران "كمثل فقط" لأنها عبارة عن عدة قضايا في حد ذاتها، حيث تم التركيز في قضية "أطفال نجران" من البعض على الجانب العملي وإجراءات العمل, وآخرون ركزوا على الجانب النفسي للأطفال ومنهم من اتهم وزارة الصحة والمسؤولين فيها بالإهمال, وهكذا بين تعليقات واتهامات أكدت أننا لا نبحث حلولا قصيرة أو طويلة الأجل بل نكبل المسؤول من أن يقوم بدوره, والعائلتين أن تمر بمرحلة مراجعة هادئة, والقارئ المتوثب لمعرفة كيف تجري الأمور فيُطرح ما يمكن أن ينير الطريق له ويفيده. بالتأكيد نحن الآن نجر القضية لدهاليز القيل والقال وتعقيد الأحوال ولكن لنتبنى ثقافة السؤال - فتساؤل نيوتن جعله يضع قانون الجاذبية - وبالتالي سيقودنا ذلك إلى صياغة نظام وتعديل وضع عام, فهل نتمكن من ذلك؟. من وجهة نظري للقضية عدة محاور لابد أن يتم تناولها من منطلق فهْم ما كان يجري للقيام بإصدار الأحكام عن قناعة, فيتم تصحيح النواحي الإدارية والفنية والمالية وتراجع قبل إصدارها القوانين الشرعية, وفي الوقت نفسه يتم الاهتمام بأمر المتضررين وإنهاء القضية وجعل هذه الحلول موانع للوقوع في مسببات أخرى يرتكبها الإنسان في أي موقع آخر في المستقبل.
أولا: هل سياسات وإجراءات العمل المهنية والفنية مكتوبة ومعرفة لكل قسم في المستشفى؟. ثم هل هي مبلغة لجميع العاملين شفهيا وكتابيا واطلعوا على كل ما استجد فيها؟. وهل يؤخذ علم العاملين بذلك رسميا لتحفظ في هيئات مطبوعة ورقمية تسهل الوصول لها فيما بعد؟.
ثانيا: هل هذه الإجراءات (في أقسام النساء والولادة مثلاً) موحدة على مستوى كل مستشفيات المملكة دون استثناء ومطبقة، وكتب عن مستوى تنفيذها تقارير يمكن استرجاعها ومراجعتها؟
ثالثا: هل تم تبليغ أي جهة في المستشفى أو المديرية بقصور في (1) القوى العاملة. (2) إمكانات القسم أو الوحدة من أدوات وأجهزة وخلافه. (3) المساحة, ومن ثم تغيير التعليمات من وقت لآخر, ولم ينته الأمر إلى إيجاد حلول عاجلة أو آجلة للطلب أو لهذه البلاغات؟.
رابعا: هل يمكن أن يكون الإشكال في نقص الخبرة أو ضعف التأهيل أو عدم التخصصية أو الإشراف المتخصص أو اختلاف مدارس العاملين في المجال ذاته؟ وهل حصل مثل هذا الخطأ في المستشفى من قبل سواء في هذا القسم أو في الأقسام الأخرى وتم تصنيف الخطأ طبيا أم إداريا أم فنيا وكان المشتبه به أو بهم من الذين تتكرر منهم الأخطاء؟.
خامسا: ماذا لو كانت أو كان المسؤول المباشر في هذه الحالة ممن انتهت عقودهم مع المستشفى وقد تركها أو حتى غادر أرض الوطن منذ فترة قصيرة كانت أم طويلة؟.
سادسا: هل أم المولود مسؤولة عن أي مرحلة أو إجراء قبل أو خلال أو بعد الولادة أو أثناء وجودها في المستشفى إجمالا؟
سابعا: هل لموقع حضانة الأطفال بعد الولادة في القسم (مركزيا أو متاخما لكل كشك ولادة) أهمية في هذه الحالة وبالتالي يمكن أن تغير هذه الحالة إجراءات التعامل مع المولود بعد الولادة من الآن فصاعدا؟, وهل إصدار أي قرار حول من لهم الحق في الحضور أثناء الولادة حل مناسب أو مثالي لتفادي حصول مثل هذه المشكلة مرة أخرى في مجتمعنا الآن أو بعد حين؟
ثامنا: هل سيكون التأمين الصحي الحل الجذري لمثل هذه القضايا؟, وهل ستكون هذه المستشفى – مثلا - من أوائل المستشفيات التي يركز عليها في برنامج الضمان الصحي التعاوني؟.
تاسعا: ما الحكم الشرعي في فحص الـ DNA ومن أي المعامل في المملكة أو خارجها يمكن الاعتماد على نتائج الفحص؟. وهل المحكمة الشرعية هي المعنية بإصدار الحكم في هذه القضية أم إنه من المفترض أن تجزأ ويبت فيها من قبل اللجان الطبية الشرعية في جزئية والمحكمة الشرعية في الأجزاء الأخرى منها؟.
عاشرا: هل ستؤثر القضية في ثقة المجتمع بأداء وخدمات المرافق الصحية؟ وكيف يمكن تخطي ذلك؟. وما دور الإعلام في هذه الحالات كوسيلة التثقيف الأولى للمجتمع لا المثيرة للجدل في هذه المرحلة بالذات؟
إن الإجابة على الأسئلة ستمهد لكل فئة من العاملين والمسؤولين أرضا تمكنهم من وضع لبنات الحلول الناجعة وتلهمهم تحجيم المشكلات الصحية إجمالا, وتقليص الآثار الناجمة عنها. كما ستجعل المجتمع يتبنى أسلوب التثقيف الذاتي, ومن ناحية أخرى يزيد هذا من وعي بعض الصحافيين في اتخاذ أساليب جديدة مقبولة ومقدرة من جميع فئات ومستويات المطلعين والمعنيين بالأمر. ما آمله فعلا أن تكون هذه القضية وما أبرزته وسائل الإعلام أخيرا من قضايا صحية حافزا لبسط نفوذ "الصحة الإلكترونية" في جميع القطاعات الصحية وتبني برامج تأهيلية مثل الـ ALSO وغيرها في التخصصات الطبية المختلفة, لأن ثمارها ستكون واضحة للعيان بعد الآن, والله المستعان.