رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


كميات الأرز المستهلكة للبطون أم للعيون؟

[email protected]

قال لي أحد الإخوة إنه حضر حفل زفاف في إحدى مناطق المملكة ورأى من الإسراف باسم الكرم ما لم تر عينه من قبل، حيث رأى الداعي وهو يدعو الضيوف لتناول طعام العشاء قائلا لهم "مدوا أيديكم فالمفاطيح للعيون والتيوس للبطون" بعد أن وضع على كل صحن تيسا يعلوه خروف مفطح، وكلنا يعلم أن التيس الصغير أكثر طعما والخروف المفطح أكبر وجاهة في عرفنا.
تذكرت هذه القصة وأنا أرى كميات كبيرة من الأرز في كل حفلة غداء أو عشاء كبيرة كانت أم صغيرة لا تؤكل ومصيرها إلى أكياس الزبالة، حيث يشكل الأرز لدينا أرضية نضع عليها اللحوم سواء كانت لحم ضأن أو طير أو سمك إضافة إلى لكونه غذاء، وتذكرتها وأنا أرى أكثر من عادة استهلاكية غير منطقية اعتدنا عليها وألفناها حتى أصبحنا لا نرى فيها أي خلل أو عيب رغم أنها عادات استهلاكية يمكن أن تصنف أنها جائرة أو مسرفة.
أيام شح الموارد كان أجدادنا يطبخون العظم أكثر من مرة وكانوا يقتصدون في الاستهلاك ولا عيب في ذلك، واستطاعوا الصمود على هذه الأرض الطيبة شحيحة الموارد حتى رزقنا الله بالنفط الذي حقق لبلادنا إيرادات هائلة، فشرعنا نستهلك ما نريد وما لا نريد، ولا عجب في ذلك فالتحول المفاجئ من الفقر إلى الغنى يولد سلوكيات غير سوية لفترة من الزمن، حتى ترجع حالة التوازن الطبيعي مرة أخرى، ولكننا وللأسف الشديد أسرفنا في الاستهلاك وما زلنا نسرف بطريقة غير مقبولة حتى تصور البعض من الدول المصدرة للسلع لبلادنا أن تعداد الشعب السعودي أضعاف ما يعلن عنه.
ويبين درجة الإسراف فيما نستهلكه يوميا فضلا عن الأطنان التي تحملها سيارات النظافة يوميا من الأغذية غير المستهلكة، وهو ما يؤكده مختصون في علم التغذية في السعودية بما لاحظوه، ظهور تغييرات في الأنماط الغذائية في المجتمع السعودي خلال الـ 30 سنة الماضية بشكليها الكمي والنوعي، حيث زادت السعرات الحرارية التي يستهلكها الفرد السعودي يومياً من 1807 سعرات حرارية في 1972، لتصل إلى 3064 سعرا حراريا في 1990، وهذه الكمية الأخيرة تزيد بما نسبته 13.2 في المائة عن السعرات الحرارية التي يحتاج إليها الفرد يومياً. الأمر الذي أدى بدوره إلى ارتفاع متوسط السمنة عند السعوديين إلى 66 في المائة حسب آخر الدراسات النوعية التي شملت عينات من جميع أنحاء السعودية منهم أكثر من ثلاثة ملايين طفل سعودي، وهي نسبة مخيفة تنذر بما لا يحصى من الأمراض الخطيرة، حيث من المتوقع أن تتجاوز تكاليف معالجة المصابين بالسمنة في السعودية حاليا "ثلاثة آلاف مليون دولار سواء كان ذلك جراحيا أو من خلال الأدوية أو غيرها نظرا للمضاعفات والأمراض التي تنتج عن السمنة".
أما مرض السكري فحدث ولا حرج، حيث وصلت نسبة الإصابة بالسكري في السعودية 24 في المائة من السكان و28 في المائة لبعض الفئات العمرية 40 سنة، وبذلك قارب مرض السكري في السعودية مرحلة الوباء حسب معايير منظمة الصحة العالمية، وكلنا يعلم علاقة مرض السكري بالسمنة والإفراط في الأكل وقلة الحركة.

يقول لي أحد الإخوة وهو من متوسطي الدخل إنه يصرف آلاف الريالات لإطعام أطفاله ومن ثم يصرف آلافا أخرى لتخفيض أوزانهم ومعالجة الأمراض المترتبة على ذلك، بل يقول إنه هو ذاته يعاني من أمراض في العمود الفقري نتيجة الوزن الزائد الذي لا يستطيع السيطرة عليه نتيجة توافر الطعام بشكل كبير في المنزل وعند الأقارب والأصدقاء وفي كل مكان يعزم عليك الناس بما لا طاقة لك بأكله.
ويقول لي صديق آخر إن زوجته تذهب إلى السوق فتحضر كميات كبيرة من المواد الغذائية بشكل غير مخطط مما يجعل نصفها يفسد قبل استهلاكها، ويقول أيضا إنه يضطر في الكثير من الأحيان أن يأكل الكثير من الفواكه وهو في حالة شبع ويحث أبناءه على أكلها من باب في بطوننا ولا في الزبالة، حيث من المؤكد أنها ستفسد قبل أكلها في الوقت المناسب، أما الكميات المطبوخة يوميا من المواد الغذائية فيؤكد أنها دائما أكثر من الحاجة من باب الزيادة أفضل من النقص، ويضيف والمضحك أن الأبناء يتركون كل هذه الكميات المطبوخة ويتجهون لطلب المأكولات من مطاعم الوجبات السريعة.
واليوم تواجه بلادنا موجة غلاء عامة شملت معظم دول العالم لأسباب متعددة لسنا بصدد حصرها بقدر ما نحن بصدد التخفيف من آثارها من خلال إجراءات حكومية وإجراءات فردية يقوم بها أفراد المجتمع لإيقاف قطار الأسعار المتزايدة ولتخفيض تكاليف المعيشة من خلال ترشيد الاستهلاك.
وفي ظني أن مواجهة الغلاء الفردية التي تتعاضد لتصبح مواجهة جماعية هي مسؤولية رب الأسرة وأفرادها، وفي المواجهة من خلال الترشيد سنحقق عدة أهداف منها تخفيض الطلب على السلع وترشيد المصروفات ليفي المرتب بمتطلبات الحياة، ومنها مكافحة أمراض السمنة والسكري التي تزايدت بشكل غير معقول، فهل نحن فاعلون؟ هذا ما أتوقعه ولقد بدأت بنفسي .

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي