نحن والغرب إلى أين تتجه علاقتنا؟
جعبة الغرب وبالذات الأمريكية مليئة بالمصطلحات التي لا تمل من إظهارها وإشهارها في وجه من يخالف سياستها أو يعارض ما تعتقد أنه يقع في دائرة مصالحها حتى وإن كانت هذه المصالح مأخوذة من قوت الآخرين ومستخرجة من أفواههم. وقد شغل العالم الإسلامي خلال العقود الماضية بمفكريه وإعلامه وعلماء الشريعة وغيرهم بالرد على كثير من التهم التي توجه وترفع في وجه المسلمين في ما يتعلق بدينهم، ونبيهم (صلى الله عليه وسلم), وقد أثار المستشرقون الغربيون في كتبهم عن الإسلام شبهاً كثيرة بشأن الإسلام والرسول (صلى الله عليه وسلم). ومن أبرز هذه الشبه وأعنفها شبهة انتشار الإسلام بالسيف وأنه لا يعطي فرصة الاختيار في العقيدة للفرد ويستشهدون في ذلك بالغزوات والحروب والمعارك التي خاضها الرسول (صلى الله عليه وسلم) ومن بعده الخلفاء الذين تولوا إدارة الدولة الإسلامية من بعده. وقد تبنى السياسيون والإعلاميون والمثقفون الغربيون هذه الشبهة وغيرها من الشبه وأصبحوا يطرحونها على المسلم سواء كان يشغل منصباً سياسياً في بلده, أو طالباً, أو زائراً مما يدل على تأثير مثل هذا الافتراء في الثقافة الغربية نحو الإسلام والمسلمين. وقد انبرى العلماء المسلمون للرد على هذا الافتراء من خلال المؤلفات, والمناظرات, والمناقشات سواء المرتبة مسبقاً أو العارضة. وما أن أنجلى الأمر في هذا الموضوع, واتضحت الحقيقة حتى أخرج الغرب من جعبته مسألة المرأة, وتعدد الزوجات في الإسلام حتى أن هذا الموضوع أصبح تهمة توجه للإسلام والمسلمين, ويصور على أنه سبة على المسلمين الوقوف موقف المدافع وبيان الأسباب الداعية لإباحة الإسلام لذلك، وقد نسي الغربيون الذين يثيرون هذا الأمر أن الأديان السماوية كلها قد أباحت التعدد, كما نسوا أو أسقطوا من ذاكرتهم واقعهم المرير الذي حول المرأة إلى سلعة رخيصة تقدم من خلالها الدعاية ويستعرض بجسدها لعرض الملابس, وتستخدم لتقديم الموضة، كما أنها تقف في فاترينات المدن الأوروبية عارضة جسدها, ومفاتنها, أما حمل المراهقات, والأطفال في سن اثني عشر فهذا أصبح ظاهرة يعانيها الغرب, ولم يجد لها حلاً بحكم ثقافة الانحلال التي أطبقت على المجتمعات الغربية, وتغلغلت من خلال السينما, والقصة والرواية, وكافة وسائط التشكيل الثقافي بما في ذلك الإنترنت في الوقت الراهن. ومع ذلك يواصل الغرب حملته الشعواء على الإسلام, والمسلمين منكراً ــ أو هكذا يحاول ــ واقعه المرير الذي أخرج له ملايين الأفراد مجهولي الآباء. الأصولية الإسلامية كانت أحد المصطلحات التي كثر الحديث عنها خلال عقد الثمانينيات، والتسعينيات من القرن الميلادي الماضي, وصورت الأصولية الإسلامية بالغول الذي يهدد الغرب في فكره, وأمنه واستقراره, حتى أن هذا المصطلح لكثرة ما يطرح في وسائل الإعلام يثير الرعب, والخوف ليس لدى المجتمعات الغربية فحسب, بل لدى بعض المسلمين الذين ينقصهم التأمل, والتفكير العميق في مثل هذه المصطلحات, ودون ربط لها بالظروف التي أطلقت فيها. وحري أن نشير إلى أن مصطلح الأصولية مفهوم يعني الرجوع للجذور في أمر من الأمور وتقعيده, ووضع القواعد, والأسس التي بني عليها أو يفترض أن يبنى عليها, وهذا المفهوم ينطبق على أي مجتمع في هذا العالم، إذ يوجد تفكير أصولي مسيحي، ويهودي, وبوذي, وهندوسي, كما يوجد فكر أصولي شيوعي يعيد الشيوعية إلى أصولها وجذورها وصورتها الحقيقية كما في تصور منظريها, كما يوجد فكر أصولي ليبرالي. وما أن انتهت فترة مصطلح الأصولية والتي أريد منها تشكيك العالم بنوايا المسلمين وإثارة المخاوف إزاء الأصولية الإسلامية, بما في ذلك إثارة مخاوف المجتمعات الإسلامية، وأنظمتها الحاكمة, وزرع الشكوك, والخلافات داخل هذه المجتمعات, وهذا للأسف ما حدث حيث حدثت الفتن والنزاعات لفترة ليست بالقصيرة وفقدت بعض المجتمعات الإسلامية شيئاً من استقرارها بفعل هذه الأطروحات التي أفقدت هذه المجتمعات البوصلة التي تهتدي بها وتوجهها الوجهة السليمة والمناسبة لأوضاعها المحققة لمصالحها حتى جاءت مرحلة حقوق الإنسان. أما حقوق الإنسان وأوضاعه في العالم الإسلامي فهذا أمر لا يختلف على سوئه، لكن ما وضع حقوق الإنسان في الغرب؟ وبالذات في الولايات المتحدة الأمريكية التي كثيراً ما استخدمت هذا الشعار ورفعته في وجه الكثير من الدول؟ لقد رفعت الولايات المتحدة شعار حقوق الإنسان في وجه الصين, وروسيا, وقبلها الاتحاد السوفيتي, كما رفعته في وجه الكثير من دول العالم العربي والإسلامي, والغريب في الأمر أن هذا الملف يفتح في حالة تعارض بلد أو نظام مع مصالح وسياسات الولايات المتحدة, وما أن يذعن البلد أو النظام لسياسة أمريكا حتى يختفي اسمه من قائمة الدول التي لا تطبق حقوق الإنسان. ولو حدث وتعارضت مصلحة أمريكا مع هذه الدولة لعادت وشهرت في وجهها حقوق الإنسان مرة أخرى حتى أصبح هذا الموضوع لعبة في يد الساسة الأمريكان يستخدمونه متى شاؤوا. تأملت في هذا الموضوع وتساءلت هل فكر الأمريكان في وضع حقوق الإنسان داخل أمريكا, وما هو موقع بعض الفئات خاصة السود, والهنود الحمر, وكذلك المرأة التي يتشدقون برفعهم لمكانتها, وقيمتها في المجتمع؟ لا ريب أن الديموقراطية منتج غربي بالكامل لكن هل هذا يخول للدول المؤمنة به أن تفرضه وتسوقه للآخرين بالقوة المسلحة؟! منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر والإدارة الأمريكية تجاهر ليل نهار بنشر الديموقراطية في الشرق الأوسط مبررة ذلك بأن الإرهاب هو نتاج مجتمعات, وثقافات ذات طابع دكتاتوري ومغلقة في الوقت ذاته, وحتى نجلي الوضع بصورته الحقيقية لابد من التساؤل هل الانغلاق الذي توصف به المجتمعات والثقافة الإسلامية هو بسبب مكونات وعناصر هذه المجتمعات وهذه الثقافة أم أن الانغلاق هو طريقة تفكير قد يقع فيها أي فرد في العالم بغض النظر عن دينه وثقافته؟ وهل الإصرار على أن الديموقراطية هي النظام الأمثل للناس في هذا العالم هو تفكير منغلق ومتصلب أم لا؟ إن أبسط إنسان، ومهما كانت محدودية تفكيره يدرك أن أسلوب فرض الشيء دون رغبة من الآخرين مهما كانت قيمة وفائدة هذا الشيء يعني التصلب والجمود, والبعد عن الديموقراطية التي يفتخر الغرب بأنها أحد عطاءاته الحضارية. كما أن الأمر يقتضي أن نسأل أيها أشد فتكاً وتدميراً السيف أم صواريخ كروز وتوما هوك, والقنابل الذرية, والقنابل العنقودية وطائرات ف15, و ف16 وغيرها من أسلحة الدمار الشامل التي يستخدمها الغرب, وبالأخص أمريكا لفرض سياساتها, وتحقيق مصالحها في العالم, وما الوضع العراقي إلا نموذج بسيط من مآسي التفكير المنغلق الذي لا يرى إلا مصالحه ونظامه الحياتي دونما اعتبار للآخرين ومصالحهم وثقافتهم. إن علاقتنا بالغرب علاقة متوترة بفعل الألغام الحضارية التي يزرعها في طريقنا وبفعل تقصيرنا نحن وتراجعنا عن مشروعنا الحضاري الذي فشلنا في تقديمه للعالم بالشكل الصحيح. أما الإسلام الذي نؤمن به فإنه يؤكد على الحسنى "أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" كما يؤكد على عدم الإجبار في الدين "لكم دينكم ولي دين" وقوله تعالى "لا إكراه في الدين" فأين هذا من أطروحات الفوضى الخلاقة والحروب القائمة في أفغانستان والعراق وغيرها من العالم والتي يريد بها الغرب تخلي الآخرين عن ما يميزهم.