رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


زيادة أسعار أم طلب إعانة؟

نرى كثيرا من المفكرين والكتاب يناقشون حلولا للتضخم وارتفاع الأسعار اللذين حلا بنا دون رحمة. ونرى كثيرا من الأطراف تود أن تشير بأصابع الاتهام لأي طرف آخر لتبرئ طرفها أو تؤكد حسن تصرفها ولكن دون جدوى. ذهب البعض لفك ربط الريال بالدولار الهابط والآخر يطالب بسلة عملات لا يكون الدولار رئيسا فيها وآخر بإعادة تقييم الريال. ووضح الموقف الرسمي بعدم فك الارتباط أو إعادة تقييم الريال. ولن تستطيع وزارة التجارة والصناعة أن تفعل كل شيء لوحدها، ودعا البعض إلى إنشاء جمعيات تعاونية كما في الكويت الشقيقة وكأن كل ما يصلح في سوق صغيرة يمكن تطبيقه على سوق تزيد على جميع أسواق الدول المجاورة. إن أي خطوة نخطوها أو خطة نضعها يجب أن تكون مدروسة من خبراء ونافذة وبعيدة المدى ودون أثر سلبي في التنمية المستدامة والقدرة على المنافسة وتدعم قوة الاقتصاد الوطني.
ورأينا البعض يطالب الدولة بتقديم شتى أنواع الإعانات للمواد الأساسية، لأن الحياة أصبحت صعبة والدولة لديها فائض من المال. وها هي الدولة زادت إعانات الشعير والأعلاف وقدمت إعانات إلى الحليب الجاف والأرز ويطالب البعض بزيادة رواتب موظفي الدولة كحل للتضخم الذي لم نر ذروته إلى الآن. وتزيد الدولة من إعانة الشعير والأعلاف مرة أخرى ويزيد المصدرون من أسعارهم مرة تلو الأخرى لامتصاص ملايين الريالات من السعودية، وقبل أن تطبق الوزارة الإعانات للحليب المجفف سعت معظم منافذ البيع لزيادة الأسعار، ونرى أن "سابك" تزيد في أسعارها ومن يحاسب "سابك" والدولة شريكة فيها؟ وها هي مصانع الألبان تطالب برفع أسعارها ما بين 15 إلى 30 في المائة دفعة واحدة.
الأسعار ترتفع عالميا ما دام سعر برميل النفط يرتفع، وكما نفرح بارتفاع سعر النفط علينا ألا نعترض على ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية المستوردة والمحلية لكن كيف يكون ذلك ودخل الفرد الشخصي لا يزيد ولكن ما درجة الارتفاع وهل كل منتج سيزداد سعره بالنسبة نفسها؟ وهل من يبيع بالجملة مثل الهايبر ماركت الكبيرة مثل تاجر المفرق أسفل العمارة؟ التكلفة تختلف والسعر لا يمكن أن يكون موحدا للمستهلك للصنف نفسه إلا ما كان عليه إعانة أو حدد سعره من قبل الدولة.
ومن الغريب عند مناقشة أزمة الحليب أن نسمع عن "غياب ثقافة الهلل، لذلك لا يمكن رفع الأسعار بأقل من ريال" وكأن الريال لا قيمة له – "الاقتصادية" 29/12/1428هـ. إن السوق قديما كان يعتمد على كسور الريال بالربع أو النصف أو ثلاث أرباع الريال. وما زالت الأدوية والمنتجات الاستهلاكية تتعامل إلى اليوم مع كسور الريال، أي بالهللات، فهذا عذر مرفوض وسبب غريب. وإذا رأى بعض منتجي الألبان أنها فرصة عسى أن يطلب منهم معالي الوزير إعادة أسعارهم على أمل أن يطلب لهم إعانة من الدولة لكل لتر حليب أسوة بالمعونة التي قدمتها الدولة إلى تجار الحليب المجفف ولا يوجد أحد أحسن من أحد. ولسان الحال يقول إما أن تمر هذه الزيادة وإما أن نحصل على الإعانة، وغفلت هذه الشركات ما قدمته وتقدمه لهم الدولة من مساعدات وقروض ودعم، ولكن من غير العدل الحكم على قرارات شركات الألبان بزيادة الأسعار بهذه النسبة العالية المرفوضة من دون التدقيق في تكاليفهم وأرباحهم ومصاريفهم وحسن أو سوء إدارتهم. فهذا القطاع وبصرف النظر عن الدعم الذي تقدمه له الدولة مثله مثل غيره من القطاعات الأخرى في السعودية، يسري عليه منشار التضخم من زيادة رواتب إجبارية وحوافز وسعودة ومصاريف تدريب وارتفاع أسعار مواد الإنتاج والتعبئة ووسائل الإعلانات الوطنية والخارجية، ورسوم حكومية لا أفق لها وهي في ازدياد بمسميات متنوعة.
وليعلم منتجو الألبان أننا نفتخر بمنتجاتهم وجودتها وخدماتهم ونتمنى لهم التوسع والتقدم ولكن إذا لم ترفع جميع المصانع أسعارها لمدة ثماني سنوات، كما ذكر البعض فهذا أمر ينظر فيه ولكن لا يمكن أن تكون الزيادة 20 أو 30 في المائة مرة واحدة، ولماذا جميعا وفي وقت واحد ولماذا لم يطبق عليهم نظام المنافسة الجديد. لماذا لم ترفع هذه المصانع أسعارها طوال هذه السنوات؟ وأعتقد أن السبب هو حرية السوق والمنافسة الحرة، نعم لم يتجرأ أحدهم أن يرفع سعر منتجاته بريال أو اثنين قبل غيره حتى لا يخسر حصته من السوق، وبذلك حاول كل منهم بضغط مصاريفه وأرباحه للحفاظ على أسعاره وحصته في السوق أو زيادتها بالدعاية والإعلان وتقديم منتجات جديدة أدت إلى زيادة مبيعاتهم ومن ثم ازدادت أرباحهم بالملايين وإن انخفضت نسبة أرباحهم المئوية. وكما علمونا سابقا عن سعر البيع المنخفض "بع بالقليل تبع كثيرا وتربح أكثر" ولكن أظن ذهب زمن من يقرؤون.
وقد ذكر البعض أن الأرباح كانت نحو 15 في المائة ولكنها انخفضت إلى النصف لبعض الشركات وأن الشركات الصغيرة أصبحت مهددة بالإقفال، ونقول لهم اندمجوا مع بعضكم وكونوا شركات أكبر تخفضوا من التكاليف العامة وتزيدوا من أرباحكم وتستمروا في السوق والبقاء للأفضل.
وقد لا يعلم بعض المستهلكين أن بعض التجار أو تجار الجملة والسوبر ماركت يقومون بالبيع بأقل مما يقترحه عليهم الوكيل أو المنتج. فلو اقترح عليه البيع بربح إجمالي خمسة ريالات في الكرتون مثلا فإنه يبيع بربح ريال أو اثنين على أمل أن يبيع أكثر وبعض السوبر ماركت تقدم إلى المستهلك ما يقدمه الوكيل من تخفيض خاص لتحريك الكميات، ونرى ذلك ظاهرا في بعض المنتجات وهذه حقيقة لا يصدقها الكثير من المستهلكين. ومع كوني ابن السوق التجاري والصناعي إلا أني لا أبرئ كل التجار أو من يتعاطون التجارة وهم دخلاء عليها أو متسترون لا يهمهم إلا أعلى ربح، وإن كان هؤلاء جهلة أو جشعين بانتهازهم الفرص فإذا ارتفعت الأسعار أو نقص نوع بضاعته من السوق قام بالبيع من مخزونه الرخيص بالسعر الجديد الذي لم يستورد منه شيئا. ولو عدنا إلى زيادة أسعار الحليب وقام المستهلكون بمقاطعة منتجات شركات الألبان اعتراضا على الزيادة الكبيرة لمرة واحدة لراجعت معظم الشركات زيادتها وإلا سكبت الحليب في الصحراء أو سقته لأبقارها، ولكن أعتقد أن الكل يعتمد على الدولة وتدخلها بطريقة أو بأخرى.
نحن في انتظار جمعية حماية المستهلك التي قد تكون حبرا على ورق أو جمعية صورية إلا إذا كانت مستقلة ولها صلاحيات محددة من حق التفتيش والتدقيق في الأسعار والفواتير ومقارنتها بأسعار المصدرين والموزعين في دول العالم وأسعار المشتريات والمخزون والجودة وضمانات الصيانة، وقطع الغيار وأسعارها، كما يجب أن تكون لها ميزانية مبدئية من الدولة لا تقل عن 50 مليون ريال سنويا، وألا تكون هناك سيطرة من وزارة التجارة والصناعة عليها بل بتنسيق معها ودعم لها ولا تعتبرها الوزارة منافسة لوكالة الوزارة لحماية المستهلك وتشل حركتها أو تقيدها وتجعلها هيكلا فارغا دون فائدة تذكر. كذلك نتطلع إلى بدء عمل وكالة الوزارة الجديدة مع تعيين قياديين ذوي خبرة في الغش التجاري وحماية المستهلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي