بناء الأبراج وناطحات السحاب في المدن التجارية يعكس نموها اقتصاديا وسكانيا
تشكل حمى الصعود إلى الأعلى والتربع على عرش العالم كأكبر برج أو ناطحة سحاب في العالم أحد مجالات المنافسة العالمية بين الشركات العقارية المتخصصة في بناء الأبراج وناطحات السحاب.
وتسعى تلك الشركات العقارية العالمية المنفذة لبعض المشاريع الحالية إلى التمسك بسرية تامة عند عملياتها التنفيذية لهذه المشاريع الضخمة خوفا من تسريب معلومات عن مستوى ارتفاع أبراجها أو ناطحاتها إلى إحدى الشركات المنافسة لها في بناء ما هو أعلى في العالم.
وبالرغم من هذا السباق المحموم في مجال أعلى الأبنية بين المدن التجارية العالمية التي تتبوأ موقعا مهما في الحركة التجارية العالمية لبناء أعلى الأبراج وناطحات السحاب فان السبق التاريخي الأول لبناء أول ناطحة سحاب في التاريخ لم يكن لمدينة شيكاغو الأمريكية التي بنت أول ناطحة سحاب عام 1885 بل كان لمدينة شبام اليمنية التي تعد إحدى التحف التاريخية التي تعكس عراقة التاريخ.
وتعد مدينة شبام العملاقة في تاريخها الممتد إلى ما قبل القرن الـ 14 قبل الميلاد أول مدينة لناطحات السحاب في التاريخ وهي عبارة عن متحف مفتوح وكنز تاريخ وتضم حصن شبام الذي كان مقرا للملك شبام بن الحارث بن حضرموت والذي شكل حسب المصادر التاريخية حصنا عسكريا وأمنيا ودفاعيا أمام حروب التوحيد بين مختلف الممالك اليمنية القديمة.
ومع أن ارتفاع ناطحات مدينة شبام ليس قياسيا مقارنة بالناطحات الحالية فإن المقارنة تأتي كونها كانت في تلك الحقبة هي الأعلى رغم الموارد البسيطة والخبرة الهندسية والتقنية البسيطة لبناء العمارة وقدرتها الخارقة على الاحتفاظ بسمات الماضي وعلى الصمود مدة طويلة.
ويراوح ارتفاع ناطحات السحاب في مدينه شبام المخصصة لسكن أهل المدينة والتي مازالت مأهولة بالسكان حتى الآن بين 20 و 40 مترا أي أن عدد طوابقها تراوح بين سبعة و 16 طابقا ويتجاوز عمر بعضها 800 عام وتتميز بمتانة بنائها المصنوع من طوب اللتأبن والتبن المحروق في الأفران التقليدية والمطلية بطبقة كبيرة من الجير الأبيض. وجاءت حاجة سكان مدينة شبام في تلك الحقبة لبناء هذه المباني المرتفعة ليس لتلبية حاجات عسكرية أمنية تحميها من أطماع الغزاة المحيطين بها فقط ولكن أيضا للحاجة إلى التوسع السكاني بسبب النشاط الاقتصادي في تلك المرحلة إذ إن شبام حضرموت أو (منهاتن الصحراء) على حد وصف أحد الرحالة الأوروبيين تعد من أكبر مدن حضرموت وأقدمها من الناحيتين الاقتصادية والسياسية.
ووفقا للمصادر التاريخية فإن أحد أهداف الملك شبام لبناء هذه المدينة كان رغبته في إنشاء عاصمة اقتصادية لمملكة حضرموت خلال القرن الـ 14 قبل الميلاد إذ كانت تجذب إليها القوافل التجارية المحملة بأصناف مختلفة من السلع المنتجة والمصنعة في مناطق حضرموت.
وتعد مدينة شبام التي تم إدراجها وفقا لمبادرة منظمة اليونسكو في قائمة مدن التراث الإنساني العالمي عام 1986 وتخضع لعمليات ترميم وصيانة من أهم الأسواق التجارية العربية قديما بسبب موقعها الاستراتيجي إذ تقع في منتصف وادي حضرموت وعلى مفترق الطرق التجارة البرية القديمة الأمر الذي انعكس على تطورها المعماري الذي مازال على حاله منذ تلك الحقبة السحيقة من التاريخ.
ومن هنا جاءت عملية البناء المعماري العمودي مرتبطة بالنمو الاقتصادي والسكاني الأمر الذي يعكس قوة وهيبة المدينة الاقتصادية أو التجارية أمام مثيلاتها.
وفي عصرنا الحالي تبرز بعض الدول التجارية في بناء المعمار العمودي
كالولايات المتحدة، اليابان، كوريا الجنوبية، ماليزيا، أستراليا، هونج كونج، الصين، سغافورة وكندا.
وهناك أيضا مدن تجارية ناشئة يتوقع لها أن تأخذ مكانة عالمية في دول في منطقة الشرق الأوسط مثل: الإمارات، قطر، الكويت، السعودية والبحرين التي تشهد نموا معماريا كبيرا ولكن ليس لاعتبارات عسكرية وأمنية كما هي الحال قديما في شبام ولكن بسبب الانتعاش الاقتصادي والنمو السكاني وحاجتها إلى تأسيس بنية تحتية قوية تجذب التدفقات المالية والاستثمارات الأجنبية إليها.
كما يأتي ذلك لضيق مساحات المدن التي تجد من البناء العمودي حلا لها للاستجابة لمعدلات النمو الاقتصادي والسكاني وكونه مجديا اقتصاديا ويحقق لها عائدا أعلى للاستثمار وفق المنظور الاقتصادي.