قدرة العالم التكريرية وتأثيرها في أسعار النفط

قدرة العالم التكريرية وتأثيرها في أسعار النفط

[email protected]

يعتقد بعض المسؤولين في "أوبك" أن ارتفاع أسعار النفط ليس نابعاً فقط من قلة العرض وإنما من نقص قدرة العالم التكريرية. ويبدو أن العالم في حاجة إلى بناء المزيد من المصافي وتوسيع جميع المصافي الموجودة.
إن نمو الطلب العالمي على المشتقات النفطية وتواضع القدرة التكريرية العالمية أصبح ظاهرا للجميع، ويبدو أن العالم على وشك أن يقع في العجز التكريري.
إن نمو الطلب الآسيوي السنوي الهائل على المشتقات هو المحرك الرئيس لهذا العجز إن حصل، فمن المتوقع أن ينمو طلب آسيا على المشتقات النفطية وخاصة الخفيفة منها بنحو 800 ألف برميل سنوياً حتى عام 2020، ونصف هذا النمو سيكون من نصيب الصين لوحدها.
وبحسب مجلة النفط والغاز، فإن القدرة التكريرية للمصافي العالمية في 2007م هي 85.2 مليون برميل يومياً، وهذه القدرة تكاد تساوى كميات النفط التى ينتجها العالم عام 2007، ما يدل على أن مصافي العالم تعمل بقدرتها القصوى، وهذا مؤشر غير مريح لأسواق النفط العالمية، إذ أن تعطل أية مصفاة كبيرة من شأنه أن يحدث اضطراباً في الكميات المعروضة من المشتقات النفطية، ما يعود بالتأثير السلبي في معاملات النفط الخام.
مرت صناعة التكرير في العالم بما يشبه الدورات، فتارة تصعد طاقة العالم التكريرية، ما يضفى على الصناعة بعض الراحة كما حدث في 1981م، حينما وصلت قدرة العالم التكريرية إلى القمة وسجلت 82 مليون برميل يومياً، بينما وصلت قيمة الإنتاج الفعلي للنفط حينئذ نحو 60 مليون برميل، وهذا يدل على أن المصافي كانت تعمل أقل بكثير من طاقتها التصميمية. لكن هذه الطاقة انخفضت أواخر الثمانينيات من القرن الماضي لتصبح نحو 73.5 مليون برميل، أي اقتربت أكثر من الإنتاج الفعلي للنفط آنذاك الذي وصل إلى نحو 65 مليون برميل. وتساوت الطاقة التكريرية للعالم مع الإنتاج الفعلي للنفط في أواخر التسعينيات من القرن الماضي إلا أنها بدأت بالتراجع مع الزيادة الكبيرة في الطلب على المشتقات النفطية منذ 2003م وحتى الوقت الراهن، ما أوجد فرصا كبيرة للاستثمار في قطاع التكرير.
أما بالنسبة للتوسع في صناعة التكرير، فمعظم المشاريع التى اعتمدت وأعلن عنها ستكون في ثلاث مناطق رئيسة، وهي: منطقة الخليج العربي والصين والهند، وتبلغ طاقات مشاريع التكرير التي أعلنت في هذه المناطق نحو ثمانية ملايين برميل يومياً. هذه الزيادة في الطاقة التكريرية العالمية، إن حصلت، قد تكفى العالم حتى عام 2014م، حيث سوف تتساوى طاقة إنتاج النفط وكمية الطلب مع القدرة التكريرية مضافة إليها هذه الزيادة.
ويجب إدراك حقيقة أن ليس كل المشاريع التى يخطط لها ويعلن عنها في صناعة التكرير ستنفذ، فكثير من المشاريع يعلن عنها في الصحف ووسائل الإعلام الأخرى لكنها إما تتأخر وإما تلغى نهائياً لأسباب اقتصادية (تتعلق بجدوى المشروع نفسه) أو جيوسياسية.
وتشير توقعات "أوبك" الأخيرة أن الطلب العالمي على النفط سيصل إلى نحو 104 ملايين برميل يومياً عام 2020م، والطاقة التكريرية الحالية هي 85 مليون برميل، وإذا ما أضيفت إليها الزيادات المعلنة (ثمانية ملايين برميل رغم وجود شكوك في إقامة بعضها) فستصل طاقة العالم التكريرية إلى 93 مليون برميل عام 2015م في أفضل الأحوال، ما يدل على أن الزيادة في توسيع طاقة العالم التكريرية لا تسير جنباً إلى جنب مع الزيادة في الطلب العالمي على النفط ومشتقاته، ما قد يحدث خللاً في العرض ويؤدى إلى زيادة الطلب على المشتقات النفطية مثل وقود السيارات، فترتفع أسعارها وأسعار النفط في آن واحد.
وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 55 في المائة من الطلب العالمي على النفط من الآن وحتى عام 2030م سيكون لصالح وقود السيارات من بنزين وديزل.
أما بالنسبة لأهم التوسعات في صناعة التكرير العالمية، فتبرز الصين والهند كلاعبين أساسيين مع دول الخليج العربي. معظم طاقة الصين التكريرية الإضافية (نحو 350 ألف برميل يومياً لكل سنة) ستكون للاستهلاك المحلى المتزايد يوما بعد يوم، وسيكون للنافثا نصيب كبير فيها لاستخدامها في الصناعات البتروكيماوية الملتهبة في الصين، وستنشئ الصين مصافيها الجديدة بالشراكة مع الشركات الرئيسة في تصدير النفط مثل أرامكو السعودية (مصفاة فيوجان)، وشركة النفط الكويتية الوطنية KNPC، حيث تم الاتفاق لإنشاء مصفاة جوانج دونج بسعة 250 ألف برميل يومياً، وكذلك الشركات الغربية الكبرى مثل "إكسون موبيل" و"شيفرون" سيكون لها نصيب من التوسعات الصينية في مجال التكرير.
وبحسب مصادر "أوبك" فإن كلاً من الهند ومنطقة الخليج العربي قد تصبح من أكبر المصدرين للمشتقات النفطية في العالم. فالهند تعمل على زيادة قدرتها التكريرية بثلاثة ملايين برميل يومياً، أي أن قدرة الهند التكريرية قد تصل إلى 5.5 مليون برميل يوميا، وتقوم حالياً على توسعة مصفاة جامنجار لتصبح طاقتها 600 ألف برميل في اليوم.
وتعمل الكويت كذلك على إنشاء مصفاة الزور بطاقة تكريرية تصل إلى 600 ألف برميل يومياً، أما المملكة فتسعى لتوسيع قدرتها التكريرية بنحو 1.2 مليون برميل يومياً، من خلال مشاركة شركات عالمية، مثل "توتال" و"كونكو فيلبس"، وبناء مصافتين جديدتين في كل من رأس تنورة وجازان. ومن المتوقع أن يضيف الأمريكيون 1.3 مليون برميل كطاقة إضافية لمصافيهم من خلال المشاريع التوسعية للمصافي القائمة، وستكون هذه الإضافات للاستهلاك الداخلي.
الجازولين والديزل هما أهم المشتقات المطلوبة في أمريكا، وعليه يتم التركيز في الكثير من المشاريع على إنتاج هاتين المادتين. ولكن تبرز معضلة تلبية قوانين البيئة الصارمة فيما يخص الكبريت والانبعثات الضارة الأخرى كأحد أهم عقبات صناعة التكرير في الغرب.
لا يوجد إنشاء مصاف جديدة على الأرجح في الولايات المتحدة (لا يزال الجدل قائم بشأن بناء مصفاة أريزونا بسعة 150 ألف برميل في اليوم لتكرير النفط المكسيكي)، وكل الزيادة في القدرة تعتمد على التوسعات في المصافي القائمة. ومن المقرر أن تنمو قدرة التكرير الأمريكية بحلول 2010م بنحو 700 ألف برميل يومياً بفضل ثلاث توسعات، وهي توسعة مصفاة بورت آرثر بالشراكة ما بين "شل" و"أرامكو السعودية"، توسعة "شيفرون" لمصفاة باسكجولا، والتوسعة في مصفاة ماراثون جاري فيل.
وأخيرا، أعتقد أن للغرب دوراً كبيراً في ارتفاع أسعار النفط هذه، إذ لا يوجد حديث للغرب إلا عن مضار النفط للبيئة، ظاهرة الاحتباس الحراري، كميات الكبريت في البنزين والديزل، وارتفاع أسعار النفط. ويتركز معظم اهتمامات الدول الغربية هذه ومؤسساتها البحثية على إيجاد بدائل للنفط.
ولا يوجد الكثير من الاهتمام من قبل العالم الغربي بتشييد المصافي، ويبدو أن الاهتمام منصب حالياً على زيادة الإنتاج من الوقود الحيوي، حيث تقوم الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للنفط في العالم، على إعداد خطط كبيرة وطموحة لزيادة استعمال وإنتاج الوقود الحيوي، وكذلك أوروبا وأمريكا الجنوبية تسير في المنوال نفسه، ما قد يسبب تهديداً كبيراً للنفط ويحجم المستثمرين في دفع أموالهم في صناعته لغموض الوضع ووجود ضبابية في ميزان العرض والطلب في المستقبل القريب، إذ برز استعمال الوقود الحيوي بقوة.

الأكثر قراءة