التبعات السياسية والاجتماعية لارتفاع أسعار النفط تطال المنتجين
أحد أسباب الأزمة الأخيرة في مينامار والمواجهة مع القساوسة البوذيين، التي اتخذت لها بعدا دوليا بتدخل مجلس الأمن، رفع أسعار الوقود إلى الضعف في آب (أغسطس) الماضي، وفي ليلة واحدة تضاعفت أسعار الوقود والغاز إلى عنان السماء لتبلغ خمسة أضعاف بالنسبة لبعض المنتجات.
لكن مينامار ليست وحدها في هذا المجال، فالعديد من الدول النامية مواجهة بخيار إما أن تتحمل ميزانياتها أعباء المزيد من الدعم للمحروقات وإما تحويل العبء إلى المستهلكين بما يعني احتمالات حدوث اضطرابات سياسية كما الأمر مع مينامار.
وهذا الوضع لا يقتصر على المستهلكين فقط، فحتى الدول المنتجة تواجه المشكلة نفسها بصورة أو أخرى. ففي إيران مثلا، وخلال فصل الصيف الماضي، قامت الحكومة بتقنين توزيع البنزين في مسعى لتقليل الإدمان على الوقود الرخيص المستورد، لأن البلد يفتقر إلى الطاقة التكريرية القادرة على تلبية الاحتياجات المحلية، ولهذا يتم اللجوء إلى الدعم. ونتج عن هذه الخطوة اضطرابات استمرت يومين تمكنت بعدها أجهزة الدولة من استعادة الأمن والنظام وأبقت على سياسة الأسعار الجديدة.
لكن في نيجيريا كانت الصورة مختلفة، فالعمال الذين أضربوا في حزيران (يونيو) الماضي هددوا بإغلاق مرافق الإنتاج في البلاد إذا تم سحب الدعم، وخوفا من فقدان مصدر رئيسي من دخل الخزانة فإن الحكومة تراجعت بسرعة.
الوقود سلعة أساسية تحتل مكانة محورية فيما يخص حياة الناس وقدرتهم على الحركة وإطعام أنفسهم، لذا تظل الحكومات مشغولة بالأسعار التي تضاعفت ثلاث مرات في غضون أربع سنوات.
لكن التدخل في سوق الطاقة يمكن أن يكون مكلفا. ففي اليمن مثلا، فإن الدعم الذي تقدمه الدولة يلتهم نحو 9 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي، وذلك حتى يمكن إبقاء أسعار الوقود منخفضة. لكن من الواضح أن هناك مجموعة قليلة من الدول تستطيع توفير دعم كبير لأسعار التجزئة مثل فنزويلا، تركمانستان، سورية، الجزائر، أنجولا وماليزيا، وكلها دول منتجة للنفط، بينما سمحت بقية الدول للأسعار بالارتفاع. أما تلك غير المنتجة، فإنها تمرر التكلفة إلى المستهلكين وبصورة فيها الكثير من المفارقات، ولهذا فإن السائقين في تونس وباكستان دفعوا في العام الماضي مثلا مبالغ أكثر لشراء الوقود من رصفائهم الأمريكان، وذلك مسح قامت به شركة استشارات ألمانية، ووجد المسح أنه في 20 دولة فقط فإن سعر الجالون يقل عن دولارين، أي أقل من كلفة التكرير.
أما في الدول الأوروبية فإن الوضع يبدو معكوسا، حيث تقوم الحكومات بفرض ضرائب عالية تصل إلى 80 في المائة أحيانا من التكلفة. وفي هولندا مثلا بلغ سعر الجالون 6.40 دولار في العام الماضي وقبل الارتفاع الأخير في الأسعار. أما في الولايات المتحدة، حيث تبلغ نسبة الضرائب 20 في المائة فقط، فإن متوسط سعر الجالون بلغ العام الماضي 2.35 دولار.
على أن البلد الذي يستحق المراقبة فعلا هو الصين، فيما يتعلق بمختلف القضايا الخاصة بالطاقة. فهي تحاول من ناحية المواءمة بين تلبية احتياجاتها من الطاقة لتحريك اقتصادها لاستمرار فرص النمو، ومن جانب آخر تسعى إلى الحد من الاستهلاك المحلي للطاقة والسيطرة على التلوث وضبط الأسعار كي لا تتصاعد. ففي كل عام يزحف إلى المدن الصينية نحو 20 مليون شخص من الأرياف، والدولة ملتزمة بتوفير فرص العمل وتيسير الحياة لهؤلاء، ويأتي توفير الطاقة بأسعار مناسبة على رأس أولويات المسؤولين، ولهذا تعمل المصافي بالخسارة. وفي إندونيسيا القريبة تجربة توضح مخاطر فرض الأسعار العالية التي أطاحت بالرئيس سوهارتو عام 1998.
الصين تواجه تحديات عديدة فيما يتعلق بتعاملها مع الطاقة، فالاقتصاد الصيني في حالة نمو كبيرة ومستمرة، لكن بما أن الاحتياطيات المحلية ليست كافية، فإن هذا الوضع يفرض على الحكومة مواجهة عدة خيارات مثل كيفية زيادة الإمدادات ودعم فاعلية الاستهلاك أو السماح لأسعار الوقود بالارتفاع، بكل ما في ذلك من محاذير سياسية سواء الداخلية التي يمكن أن تكون ذات طبيعة سياسية متفجرة مع تدفق الملايين في هجرة من الريف إلى المدينة، أو العمل على تلبية الاحتياجات المتصاعدة عبر مختلف السبل مثل تملك احتياطيات نفطية كما هو الحال الآن مع ما تقوم به الصين في مناطق عديدة في إفريقيا أو الشرق الأوسط. فبسبب الأوضاع السياسية في هذه البلدان كان لهذا الخيار تبعاته كذلك، إذ يجعل الصين تحت المجهر الدولي مثلما هو الأمر أخيرا مع قضية دار فور، التي اكتسبت لها بعدا دوليا وهددت بعض المنظمات بالضغط على الصين من خلال بدء حملة لمقاطعة دورة الألعاب الأولمبية التي تستضيفها بكين العام المقبل، وذلك لأن الصين مستثمر رئيس في صناعة النفط السودانية.
من ناحية أخرى، فإن الصين بثقلها السكاني والاقتصادي العام تصبح في بؤرة الاهتمام العالمي، وأن أي شيء يحدث في جنباتها يمكن أن تكون له تبعات عالمية سواء إن حدث تباطؤ اقتصادي أو اضطرابات سياسية. فالصين تجاوزت اليابان، وأصبحت ثاني مستهلك للنفط بعد الولايات المتحدة منذ العام 1993، ومتوسط النمو السنوي في الاستهلاك بلغ 11 في المائة خلال السنوات الخمس الماضية ليبلغ 1.7 مليار طن مكافئ من النفط العام الماضي، بل إن الصين في طريقها لتصبح أكبر مستهلك للنفط في العالم أخذا في الاعتبار حجمها السكاني الكبير، رغم أن معدل استهلاك الفرد الصيني يقل عن رصيفيه الياباني والأمريكي، إذ يبلغ ثلث ما يستهلكه الفرد الياباني وواحد على سبعة مما يستهلكه الفرد الأمريكي.
وتعتقد وحدة استخبارات الإيكونومست أن معدل نمو الاستهلاك الصيني من الطاقة سيبلغ 6 في المائة سنويا على الأقل في المتوسط، ولعدة سنوات مقبلة. ومع أنها نسبة تبدو معقولة، إلا أنه وبسبب الحجم السكاني الكبير، فإنه ستكون هناك حاجة لزيادة الإمدادات بصورة واضحة.
البعد الآخر يتعلق بجانب المنافسة على الإمدادات التي يمكن أن تهدد بالتحول إلى مجال للنزاع مع اليابان في منطقة بحر الصين الشرقي، ومع ثماني دول أخرى في منطقة بحر الصين الجنوبي، إذ إن هاتين المنطقتين لا تزالان محل نزاع، وأحد تبعات هذا الوضع اتجاه الصين إلى تطوير بحريتها والسعي إلى إحكام سيطرتها على تايوان، الحليف للولايات المتحدة وبكل ما يعنيه هذا على المستوى الجيوستراتيجي.
حساسية وضع الصين بالنسبة لسوق النفط العالمية اتضح بصورة جلية قبل ثلاث سنوات. فالنقص في الإمدادات لمقابلة الاحتياجات المتنامية أدى عام 2004 مثلا إلى اضطرار الصين إلى استيراد كميات كبيرة من النفط من مصادر أجنبية، الأمر الذي رفع سعر البرميل إلى أعلى معدل له منذ 20 عاما.
ولهذا يعتبر نظام التسعير الداخلي للمنتجات المكررة من القضايا ذات الأولوية، ولو أنه في الوقت الحالي تبدو المشكلة مغطاة بالتدخل الحكومي عبر استخدام نظام الكوتا أو الحصص والدعم المعلن منه والخفي، فالأسعار الرخيصة تشجع على زيادة الاستهلاك وعدم وجود حوافز للبحث عن موارد نفطية محلية.
الحكومة تعمل ببطء على تعديل الوضع بإزالة هذه التشوهات وتقليل الاعتماد على الخارج. ووفقا لدارسة وحدة استخبارات الإيكونومست المشار إليها فإنه وحتى عام 2025 ستعتمد الصين على 77 في المائة من النفط الأجنبي لمقابلة احتياجاتها المحلية، وهو أمر له تبعاته السياسية وعلى مستوى صناعة النفط العالمية.