السرقات المنظمة!
حدثني بالأمس أحد الزملاء الأفاضل أن صديقه الذي يسكن في أحد الأحياء في شمال الرياض, ذهب إلى وليمة عشاء, فأغلق بيته, وارتحل سيارته, مصطحباً معه أهله وأولاده, ولم يشعر بأن هناك لصوصاً يرقبون مدخله ومخرجه, ويرمقونه من بعيد! وما إن توارى عن الأنظار إلا وانقض هؤلاء اللصوص على منزله, انقضاض الأسد على الفريسة, ففتحوا الأبواب, وكسروا الأقفال, وحملوا معهم كل ما خف حمله وغلا ثمنه, من الذهب, والحواسب المحمولة...إلخ, بل حتى شاشات التلفزة لم تسلم من هذا المسلسل الفظيع!! وقد غدت حوادث السرقة في بلادنا تتنامى يوماً بعد يوم, حتى أصبحت حديث المجالس هذه الأيام, وهنا يجب أن تأخذ الجهات الأمنية حسابها لهذا الموضوع الذي غدا محل قلق وخوف من أفراد المجتمع كافة, فالأمن هو عصب الحياة في كل بلد, وإذا اختل الأمن - لا سمح الله - اختلت الحياة بكل تفاصيلها, وانعكس ذلك سلباً على الفرد والمجتمع.
إن نظام العسس في الزمن السابق كان له أثره الكبير في انحسار الجريمة, ووأدها في مهدها, فلماذا لا يستقطب الشباب المؤهل والعاطل بعشرات الآلاف لينضم إلى قوات الأمن, ليتوافر في كل حي عدد كاف من الدوريات الأمنية التي تقوم بدور العسس, وهي موجودة في كثير من البلدان العربية, وغيرها, ولاسيما وبلادنا تمر بنهضة تنموية ضخمة, تمكنها من استحداث الكثير والكثير من الوظائف.
إن اتساع دائرة السرقات ينذر بظهور العصابات المنظمة التي هي جزء لا يتجزأ من الإرهاب, وصورة من صوره, وقد حققت الجهات المسؤولة عدداً من النجاحات الأمنية في إسقاط بعض هذه العصابات, وتنامي هذا النوع من المافيا يشكل خطراً في تطويقه مستقبلاً لا سمح الله, والله عز وجل حين أوجب قطع يد السارق بسرقة ربع دينار - كما جاء به الحديث الشريف - ليس كما يظنه البعض مبالغة في العقوبة, وتشديدا زائدا من أجل الردع والزجر, كلا, ولكنها عقوبة متناسبة مع الجريمة, ومتناغمة معها؛ وذلك لأن السارق بسرقته بيتاً, قد روع حياً بأكمله!! فكم أفزع من بيت, وكم أزعج من جيران, وكم يعيش الحي في قلق دائم, وبلبال مستمر, بل وسيتكلف الكثير من هؤلاء مالاً ليحصنوا بيوتهم, ويحفظوها بالمفاتيح والأقفال والكاميرات الظاهرة والخفية ليحموا أبناءهم وأهلهم وأموالهم, وسيضطرب أهل البيوت المجاورة بأجمعها, بما فيها من أطفال ونساء وذرية, خوفاً من نزول ذلك السارق ضيفاً ثقيلاً عليهم في أية لحظة, فهذا كله ألا يكفي مبرراً لقطع يده, وليكون عبرة لغيره؟ بلى والله, وهذا هو أحد الأسرار التي فَرّق لأجلها الشارع بين الغاصب والسارق؛ فالغاصب لم يجب في حقه إلا التعزير, ولم يجب قطع اليد؛ لأن الغاصب قد روّع فرداً, وذاك السارق قد روّعاً حياً أو بلداً, ومن هنا, فإنه تجب ملاحقة هؤلاء اللصوص, وعصابات السرقة, والضرب عليهم بيد من حديد, حتى ينزجر كل من تسول له نفسه العبث بأمن المجتمع, ولئلا يتحول أفراد المجتمع إلى سراق وقطاع طرق لا سمح الله.
لقد نجحت المملكة العربية السعودية منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله في تحويل هذا البلد من بلد كان يعمه الفساد والاضطراب والنهب والسرقات إلى بلد كله سلام وأمن وأمان, حتى أصبح مثالاً يحتذى بين البلدان, ونخشى إن تفاقم الوضع-لا سمح الله- أن يزيد هامش الجريمة, وأن تتسع دائرتها, ويقوى نفوذها, فتصعب حينئذ السيطرة عليها.
أما سرقة السيارات, فقد أخذ أسلوب سرقتها ومصادرتها بعداً آخر, بل ومنحنى خطيراً؛ بحيث اتخذ المجرمون طريقة افتعال حادث التصادم, ومن ثم التغرير بصاحب السيارة وخداعه, والفرار بسيارته في لحظة عين, وهنا يجب الحزم من الجهات الأمنية, والشرعية, والتنفيذية تجاه هؤلاء اللصوص المحتالين, فالجهات الأمنية عليها متابعتهم بدقة متناهية, والجهات الشرعية عليها إصدار العقوبات الشرعية الصارمة التي تحد من هذه الممارسات التي ألحقت الضرر بمالكي السيارات؛ فإن كانت سرقة السيارة قد تمت وهي محرزة, بأن كانت داخل المنزل, أو كانت خارجه وهي مغلقة, فهنا يجب تطبيق الحد متى ثبتت السرقة بالبينة, أو بالقرينة, كقرينة وجود السيارة في يد السارق, كما ذكر ذلك ابن القيم وغيره, فلا ينبغي أن يقتصر على الإقرار أو الشهادة, بحجة وجود الشبهة في مثل هذه الظروف التي انتشرت فيها هذه الظاهرة المزعجة, بل لابد من الأخذ بالقرينة القوية في إثبات هذا الحد؛ لحسم فوضى هذه السرقات, وإن لم تكن السيارة محرزة فيجب إيقاع التعزير المناسب الذي يردع هؤلاء اللصوص المحترفين, أما الجهات التنفيذية فعليها المسارعة في تطبيق الحد, وإعلانه, ليرتدع أهل البغي, ويزول هاجس الخوف من نفوس الناس, والله تعالى لأولئك اللصوص بالمرصاد بعون الله وتوفيقه.