مراجعة بيانات الوظائف تنعش الأسواق الأمريكية وتقلل من مخاطر الركود
على عكس البيانات المبدئية التي أصدرتها وزارة العمل الأمريكية خلال الشهر الماضي بشأن التوظف والبطالة والتي أشارت إلى انخفاض التوظف بواقع أربعة آلاف وظيفة خلال شهر آب (أغسطس)، أظهرت البيانات المراجعة لذلك الشهر ارتفاعا في عدد الوظائف مقداره 89 ألف وظيفة. وهذا التحسن في سوق العمل الأمريكي قلل من المخاوف بشأن الركود الاقتصادي المحتمل الذي تردد بالنظر إلى البيانات المتعلقة بقطاعات الاقتصاد الأخرى. حيث أشار بيان وزارة العمل الأمريكية إلى تحسن أداء سوق العمل على أثر ازدياد في عملية التوظف في قطاع التعليم العام والقطاعات الأخرى. إضافة إلى ذلك ارتفعت قيمة الأجور المراجعة لشهر آب (أغسطس) بشكل قوي مما يشكل دليلاً قوياً على أنه على الرغم من التراجع في الاقتصاد نتيجة للتراجع في قطاع الإسكان، إلا أن هذا التراجع ستخف حدته نتيجة لتماسك سوق العمل والتي تعد الضمانة لتماسك الاستهلاك الأمريكي. وكانت ثقة المستهلكين قد تراجعت الأسبوع الماضي مما شكل قلقاً على تأثير ذلك في إنفاقهم الذي على العكس من ذلك حقق ارتفاعا خلال شهر آب (أغسطس). كما أن التراجع الذي أشارت إليه البيانات المبدئية للتوظف قد أدى لاحقاً إلى الخطوة التي أقدم عليها الاحتياطي الفيدرالي بخفض سعر الفائدة بواقع نصف نقطة مئوية وذلك للحد من احتمالات الركود الاقتصادي.
من ناحية أخرى أظهر تقرير المنازل المتعاقد على بيعها Pending Sales - والذي يعد مؤشراً أساسياً لحركة قطاع الإسكان - انخفاضا مقداره 6.5 في المائة خلال شهر آب (أغسطس) الماضي، وهذا يقترح أن التراجع مازال مستمراً في قطاع الإسكان وذلك على الرغم من خفض سعر الفائدة خلال الشهر الماضي. وفيما يتعلق بنشاط قطاع الصناعة بلغ مؤشر ISM الـ 52 نقطة خلال شهر أيلول (سبتمبر) الماضي. وعلى الرغم من أن هذه القراءة جيدة حيث إن تجاوزها الخمسين نقطة يعني أن هناك توسعاً في القطاع الصناعي، إلا أنها جاءت أقل من توقعات المحللين الذين رجحوا بلوغها الـ 52.8 نقطة، وأقل من الشهر الماضي الذي بلغ المؤشر فيه 52.9 نقطة. أما فيما يتعلق بمؤشرISM لقطاع الخدمات فقد بلغ 54.8 نقطة ليتجاوز بذلك توقعات المحللين البالغة 54.5 نقطة، بينما جاء منخفضا ًعن قراءته الشهر الماضي التي بلغت 55.8 نقطة. وهذا يشير إلى أن هناك تراجعاً في كلا القطاعين الصناعي والخدمي مما يثير القلق حول مدى تأثير ذلك في عملية التوظف في القطاعين ومدى إمكانية أن يتحول هذا التراجع إلى منحنى هابط يقود إلى ركود اقتصادي. وأخيراً فقد انخفضت طلبات المصانع من السلع المعمرة وغير المعمرة بمعدل 3.3 في المائة مما يشير أيضاً إلى تراجع في أداء القطاع الصناعي يتناغم مع قراءة مؤشر الـ ISM . وبقي الآن الانتظار لرؤية مدى التأثير الذي سيعكسه تخفيض سعر الفائدة في هذين المؤشرين خلال شهر أيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر) وما إذا كان ذلك قد عزز الثقة بأداء الاقتصاد ورفع إنتاجية المصانع.
في أوروبا أبقى البنك المركزي الأوروبي على سعر الفائدة على اليورو دون تغيير عند مستواه السابق والبالغ 4 في المائة. ويبدو أن التراجع الذي يشهده اقتصاد منطقة اليورو (13 دولة) والذي لمسناه من خلال تراجع مؤشر ثقة الأعمال الذي أشرنا إليه الأسبوع الماضي قد حفز البنك المركزي الأوروبي للإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير خشية أن تؤدي أي زيادة إلى تعميق هذا الانخفاض في الثقة بين المستثمرين. وفي خطوة مماثلة ومتناغمة مع خطوة البنك المركزي الأوروبي، قام بنك إنجلترا - البنك المركزي البريطاني – بالإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير عند مستواها السابق والبالغ 5.75 في المائة. وكان البنك المركزي الأوروبي توقع أن يؤدي التراجع في أسواق الائتمان والذي حدث بسبب أزمة الرهن العقاري الأمريكية إلى الحد من التمويل الذي تمنحه البنوك الأوروبية للمستثمرين مما قد يشكل خطراً على النمو الاقتصادي الأوروبي، وهذا مما استدعى الإبقاء على سعر الفائدة من دون تغيير في حين أشار البنك المركزي الأوروبي الشهر الماضي إلى عزمه زيادة سعر الفائدة خلال هذا الشهر. ويتوقع أن يؤدي التراجع في سوق الائتمان المصرفي إلى استقطاع 0.3 في المائة من معدل النمو الاقتصادي خلال العام المقبل وذلك بناء على بيان صادر عن المفوضية الأوروبية مطلع الأسبوع الماضي. إضافة إلى ذلك يتوقع أن ينخفض معدل النمو هذا العام إلى 2.3 في المائة بعد أن كان من المتوقع بلوغه 2.5 في المائة، كما يتوقع أن يستقر معدل التضخم عند معدله المستهدف والبالغ 2 في المائة.
في اليابان أظهر المؤشر الشامل للاقتصاد الياباني تراجعاً خلال شهر آب (أغسطس) الماضي على أثر التراجع الذي شهد قطاع الإسكان وأسواق الأسهم اليابانية. وقد انخفض المؤشر بمعدل 30 في المائة بعد أن ارتفع بمعدل 50 في المائة خلال الشهرين الماضيين. وكان قطاع الإسكان الياباني قد تراجع على أثر تراجع المباني الجديدة بمعدل 43 في المائة ولأقل معدل خلال 40 عاماً وذلك بعد تغييرات في قوانين البناء. ومن ناحية أخرى مؤشر نيكاي 225 بمعدل 3.9 في المائة خلال شهر آب (أغسطس) الماضي على أثر خسائر كبيرة منيت بها الأصول المرتبطة بقروض الرهن العقاري المتدنية الجودة.
وفي الأسواق الأمريكية تجاهل المستثمرين كل المخاوف بشأن الركود الاقتصادي وذلك منذ أن أعلن الاحتياطي خفض سعر الفائدة حيث تجاوز داو جونز ولأول مرة حاجز الـ 14 ألف نقطة خلال بداية الأسبوع وليبلغ 14087.55 نقطة ثم عاود التراجع مرة أخرى تحت حاجز الـ 14 ألفا حتى صدور بيان وزارة العمل بشأن التوظف والذي أدى تجاوزه مرة أخرى حاجز الـ 14 ألفا وليبلغ حتى لحظة إعداد هذا التقرير 14068.93 نقطة. وفي اتجاه مماثل سار كل من مؤشر ستاندارد آند بورز ومؤشر ناسداك ليبلغ كلاً منهما 1555.01 و2772.47 نقطة على التوالي.