رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


من الإنسان الذي نريد؟

[email protected]

من الشخص الذي نريد؟ أي ما مواصفات الإنسان الذي نطمح أن يكون عليها كل فرد من أفراد المجتمع؟ سؤال طبيعي يطرح في كل مجتمع من المجتمعات، وتطرحه مراكز البحوث, والدراسات الاستراتيجية, ويهتم به المفكرون والمثقفون والفلاسفة سواء في هذا العصر, أو في العصور السالفة. أفلاطون وأرسطو وسقراط طرحوا مثل هذا السؤال, وتصوروا الإنسان بصورته المثالية, وقد تناول أفلاطون في مدينته الفاضلة الإنسان الذي يجب أن يعيش في هذه المدينة ويديرها. كما أن الأديان خاصة السماوية منها اهتمت, واعتنت عناية فائقة بتربية الإنسان, وتهذيبه وغرس منظومة خلقية لديه توجه سلوكه, وتحدد علاقاته مع الآخرين, ومع الله, ومع نفسه, ومع بيئته بعناصرها المادية, والاجتماعية. وإذا علمنا أن النتائج مرتبطة بالمقدمات, لذا لابد أن نسأل: ماذا يجب أن نقدم لأجيالنا ونشئنا من ثقافة, ومعلومات, ومعارف إذا رغبنا في إيجاد إنسان صالح يهتم بأمور دينه, وأمته, ووطنه, ومجتمعه؟ هذا النوع يحتاج إلى معرفة صحيحة, وصادقة ويحتاج إلى الثقة به إذا ما رغبنا في أفراد لديهم غيرة على كل ماله علاقة بالدين, والأمة, والوطن, والمجتمع. إن عرض قضايا المجتمع وشؤونه ومناقشاتها المناقشة الموضوعية الجادة التي تستهدف معرفة الحقيقة سيكون مدخلاً مناسباً يوصلنا إلى حالة الاهتمام لجميع القضايا ويربط الفرد بالشأن العام بدل انحساره, وتقوقعه داخل دائرته الخاصة "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم". إن دقة المعلومة وغزارة المعارف والحقائق, وطريقة عرضها لها دور واضح في صياغة العقول, وإكساب طريقة التفكير الموضوعية التي نتطلع إلى تحلي أفراد المجتمع بها بدلاً من تعويدهم على التفكير المتحيز المتأثر بالمصالح الضيقة. البيئة المحيطة بالفرد سواء كانت بيئة المنزل أو المدرسة أو العمل أو بيئة المجتمع العامة تلعب دوراً كبيراً في التأثير السلبي, أو الإيجابي في الفرد, وقد تكون البيئة بيتاً فاسداً أو مدرسة متسيبة تنتشر فيها المخدرات, وتمارس فيها الممارسات الخاطئة أو قد تكون وسيلة إعلامية ماجنة ليس لها هم إلا عرض البرامج والأفلام المنحلة, وتسوق لسلوكيات الطرب, والمجون، والانحلال. البيئة سواء كانت البيئة الصغيرة أو الكبيرة لها ثقافة، وإن كانت الثقافة المنزلية غالباً تتأثر بالثقافة الاجتماعية أو العامة, فما يلاحظه الأبناء على آبائهم أو إخوانهم الذين يكبرونهم يعتبر نموذجاً يحتذى ويقتدى به كما يقول الشاعر:
إذا كان رب البيت بالدف ضارباً
فشيمة أهل البيت والرقص
كما أن البيئة قد تكون بيئة صالحة نقية يجد فيها الفرد المناخ المناسب لنموه النمو القويم. إن ثقافة الانفتاح وتعدد الرأي الذي يسود في البيت, أو في المدرسة, أو في المجتمع الكبير يمثل مناخاً حافزاً على التفكير الرزين دونما خوف, أو وجل من أب يزجر أو مسؤول يؤنب على إبداء الرأي. إذا كان هدفنا إيجاد فرد نشط وحيوي وفاعل فلا بد والحال هذا من توظيف قانون الحوافز الإيجابية، ورفع المعنويات, والتشجيع على فعل الخير وقول الرأي السديد دونما مجاملة, أو خوف من أحد وقد وجدت دراسات علم النفس أن التحفيز الإيجابي الذي يقدم في وقته, ومكانه، وظروفه الصحيحة يعطي نتائج أفضل من أسلوب التوبيخ, والتأنيب, والتحقير, والذي يكون نتيجته شخصا تعيسا محطما كارها لذاته, ولمن حوله ويمتد كرهه هذا إلى المجتمع الكبير. إن مخالفة الأنظمة, والقوانين, والإضرار بالمرافق العامة كالحدائق, المدارس، الأرصفة, وإنارة الشوارع لا يمكن أن يأتي من فراغ بل هو نتاج منظومة قيم سلبية اكتسبها الفرد من بيئته حتى أصبحت هذه المرافق لا تعني له شيئاً, ولا قيمة لها في ذاته, ولذا فالإضرار بها يعد شيئاً عادياً, وطبيعياً بالنسبة له دون تأنيب ضمير. تعد الاتجاهات من الموضوعات التي اهتم بها المربون وعلماء النفس, والاتجاهات ليست حكراً على موضوع, أو فرد, أو شيء من الأشياء, بل إن الفرد من الممكن أن تتشكل لديه اتجاهات إما إيجابية وإما سلبية نحو الأهل أو المدرسة أو المجتمع, أو نحو فئة في المجتمع, أو نحو مهنة من المهن, وإذا كانت هذه الاتجاهات إيجابية حسنت علاقة الفرد بهذه العناصر واهتم بها وحافظ عليها ودافع عنها بالغالي والنفيس, وإذا كانت الاتجاهات سلبية ساءت العلاقة وبناءً عليه يتأثر السلوك والفعل الصادر من الفرد تجاه هذه الأشياء التي شكل نحوها هذه الاتجاهات.
الإنسان الذي نريد يتشكل من مجموعة جوانب عقلية, وانفعالية, وسلوكية, ومهارية ومجموعة قيم, وبنية جسمية سليمة، وفوق هذه جميعاً عقيدة صحيحة صافية. لو تأملنا واقعنا لوجدنا أن هناك من الأفراد من لم تساعدهم الظروف التي نشأوا فيها على اكتساب الخصائص التي تساعدهم على التكيف مع محيطهم, ومع مجتمعهم, كما أنهم يشعرون بالغربة, والبعد عن المجتمع لأنهم لم يتشربوا قيم المجتمع وثقافته بالشكل الصحيح, أو أن ما اكتسبوه منها لا يمثل إلا أجزاء يسيرة قدمت لهم بصورة عامة لم يتمكنوا من فهمها, واستيعابها حتى أنهم أصبحوا أشبه بمن لديه عسر هضم, وارتباك معوي شديد, ولذا يكون سلوكهم, وتصرفاتهم شاذة، وغريبة, ومصادمة للمجتمع. إن شعور الفرد بالتهميش داخل الأسرة أو داخل المجتمع الكبير يحدث لديه اتجاهاً سلبياً نحو من يعتقد أنه سبب تهميشه وقد يقود، في بعض الحالات، إلى التمرد على هذا الواقع سعياً منه لتغييره, وبما يتناسب مع ما يعتقده، أو مع شهواته, ورغباته. بقي أن نقول إن الإنسان الذي نريد هو ذلك الفرد الذي يشبه المطر أينما وقع نفع, وهذا لا يتحقق بالأماني, أو بالشعارات البراقة الفارغة, بل يتحقق من خلال المعرفة, والاتجاهات الإيجابية, ومن خلال المهارات المناسبة للمجال ويتحقق بالعطاء الفكري لمن يستطيع ذلك على أن توجد بيئة محفزة تقدر الفرد, وتحترمه وتتعامل مع الرأي بإيجابية بدلاً من رفض الرأي لمجرد الرفض, حتى وإن كان هذا الرأي درة من الدرر, وذا قيمة في مجال العمل الذي يمارسه الفرد أو على الصعيد الاجتماعي العام. الفرد الذي نريد هو من يقدر الوقت, ويحترمه, ويحافظ على المواعيد, ويأتي في الأوقات المحددة لأن الوقت الضائع لا يعوض, كما أن الفرد الذي نريد هو من يستشعر المسؤولية فيما يوكل إليه من أعمال ويقوم بها خير قيام ويتعامل مع الشأن العام كما لو أنه شأن خاص به. الفرد الذي نريد هو من ينظر للأمور بعين ثاقبة ويقرأ ما وراء الأشياء وليس من يكتفي بالظاهر منها لأن الحقيقة ليست دائماً هي ما يبدو لنا. إن مدافعة الإنسان عن دينه ووطنه ومجتمعه واعتزازه بقيمه ومثله هي من أهم خصائص الفرد الذي نريد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي