"فقه العموم"

"فقه العموم"

عند قراءة قول الله تعالى: "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا". وقوله: "قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا"، نرى فيها قصدا إلى بيان عموم رسالة النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى جميع المكلفين، وهذا المعنى جاء تقريره في السنة في مثل قوله، صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيحين "وكان النبي يبعث في قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة"، وما في الصحيح من قوله "وبعثت إلى الأحمر والأسود".
ومن هنا فإن الشريعة جاءت في أصلها عامة في حق المكلفين، فلا يختص خطاب الشارع ببعض المكلفين دون بعض، وموجب هذا أن الشريعة انبنت على تحصيل منافع العباد عامة في الدنيا والآخرة، وهذا من المقاصد الشرعية الكبيرة، ومن تحصيل فقه هذا المقصد أن تكون الشريعة في سائر مواردها على باب العموم من حيث الأصل، لأنها لو وضعت على جهة من الاختصاص لم تتحصل بذلك مصلحة العباد على وجه العموم والإطلاق.
ولا يشكل على هذا ورود بعض أحكام الشريعة على وجه من الاختصاص كما في قول الله: "وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين"، فإن ما هذا مقامه إنما عرف الخصوص فيه بحكم الشارع، فلا يصار إلى القول بالخصوص في الأحكام الشرعية إلا بأثر شرعي صحيح، لهذا صار من قواعد الدلالات عند الأصوليين إمضاء العموم على عمومه إلا لصارف لمقتضى خطاب الشارع.
وإدراك مثل هذا موجب لدفع الاقتصار الذي يعرض للبعض في فهم نصوص الشريعة، والنحو بها في مسار من الظاهرية الشديدة، كما أنه يوجب سعة نظر لدى الناظر في أحكام الشريعة، وحسن اتباع وتفقه في نصوصها، ولا سيما إن أحيط ذلك بفهم لمقاصد الشريعة الكلية، بحيث لا يحصل معه إغراق في إعمال عمومات بعض النصوص على غير ما تجيزه لغة العرب من حيث الدلالة، أو يحصل معه خروج عن مقام السنة إلى جملة من مظاهر الابتداع التي لم يأت النص بمقتضاها لا ظاهرا ولا استنباطا، والله الهادي.

الأكثر قراءة