شراء المتصدق زكاته من الفقير غير جائز ويمكن شراء التي لا تحمل

شراء المتصدق زكاته من الفقير غير جائز ويمكن شراء التي لا تحمل

أكد الشيخ عبد الله بن جبرين عضو الإفتاء سابقا أن صاحب الزكاة المريض الذي لا يستطيع إخراجها بنفسه معذور لعجزه عن إخراج هذه الصدقة بنفسه، وله أن يوكل أخاه أو صديقه ليخرجها عنه وعن أهل بيته، بل يجوز التوكيل حتى للقادر القوي، فإن تفرقة الزكاة عمل زائد على إخراجها من المال، فمتى وكل المالك من يقبض الزكاة ثم يعطيها لمستحقها جاز له ذلك، وهكذا لو دفع إليه ثمن الفطرة ليشتريها ثم يتصدق بها على الضعفاء والمعوزين، أو أمره أن يأخذ من بيته بإذن أهله مقدارها طعاما ويعطيه الفقراء، فكل ذلك لا بأس به.
وأوضح فضيلته أن الزكاة هي الصدقة التي تخرج في آخر رمضان، وفي ليلة عيد الفطر وصباح عيد الفطر، وسميت بزكاة الفطر لأنها شرعت عند إتمام الشهر، وفي الزمن الذي يفطر فيه الصائمون من رمضان، فهي زكاة الإفطار، أو صدقة عيد الفطر الذي يأتي بعد إكمال رمضان.
وتطرق فضيلته إلى من يتصدق بزكاته على شخص ثم يشتريها منه، فقال لقد وردت أحاديث كثيرة في نهي المتصدق أن يعود في صدقته، والمهدي أن يعود في هديته، وتمثيل ذلك بهذا المثال المستقذر: "العائد في هبته كالعائد في قيئه"، وهناك حديث عن عمر، رضي الله عنه، وابن عمر وهو في قصة واحدة، رواه عمر نفسه، ثم رواها ابنه عبد الله أنه كان له فرس ثم إنه وقفه، سبله، ولما سبله كأنه أعطاه لإنسان، وقال: هذا وقف على يديك، لك أن تغزو عليه، وتحج عليه، منفعته لك مع أنه وقف، ذلك الرجل أهمله، فيظهر أنه هُزل الفرس، ولما هُزل، أو لم يكن من أهله الذين يعرفون قدره عند ذلك عرضه للبيع، ولما عرضه للبيع رآه عمر يباع، وظن أنه سوف يبيعه برخص، فأراد أن يشتريه لأنه يعرف أصله، أنه من أشراف الخيل، أراد أن يشتريه، ولكن لم يتجرأ حتى يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بأن هذا رجوع في صدقة تصدق بها، وفي وقف وقفه، ولو أنه رخيص "لا تشتره ولو أعطاكه بدرهم، ولا تعد في صدقتك - أو في هبتك ـ فإن العائد في هبته كالعائد في قيئه".
الحاصل أنه نهى عمر أن يشتريه ـ ولو كان برخص ـ فأخذوا من ذلك أنه لا يجوز شراء الصدقة، أن تشتري صدقتك التي تصدقت بها من صاحبها الذي أهديتها له، أو تصدقت بها عليه، لا يجوز ذلك، ولعل الحكمة في ذلك أنه إذا رآك وأنت الذي أهديت له فقد يتغاضى لك، وقد يتسامح، فيبيعكه برخص، على حياء منه وعلى خجل؛ فلذلك لم يكن لك شراؤه حتى ولو دفعت فيه الثمن.
لذلك على المسلم إذا تصدق مثلا على إنسان بطعام، فلا يشتره منه إذا باعه، أو تصدق عليه بثوب ورأيته يبيعه فلا تشتره منه أو مثلا بهيمة كفرس أو شاة فلا تشتره منه، فإن ذلك عود في الصدقة، وقد مُنع منه في هذا الحديث.
أما إذا باعه ذلك الرجل على طرف ثالث فالظاهر أنه يجوز؛ لأنه لم يعد في صدقته من ذلك الذي تصدق به عليه، أو وهب له، أو أهدي له، إنما ذلك المتصدق قد أخرجها من ملكه.
وأبان فضيلته أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في الصدقة: "ورجل اشتراها بماله" لما ذكر الأولياء الذين تحل لهم الصدقة، اشتراها بماله، في هذه الأزمنة العاملة إذا دُفع إليهم مثلا بنت مخاض، أو بنت لبون، أو حِقة، يقولون: ما نستطيع أن نحملها، ماذا نفعل بها؟ نبيعها، فأحيانا يشتريها صاحبها؛ وذلك لأنهم قدروا لها ثمنا، ففي هذه الحال لا يكون هذا عودا في الصدقة؛ ذلك لأنهم قدروا لها قيمة، وأحيانا يبيعونها على طرف آخر، وصاحبها أيضا قد يعرف قدرها فيشتريها من الطرف الثاني ـ ولو بأكثر من ثمنها الذي اشتراها به ـ فيكون هذا مستثنى، ويكون داخلا في دفع القيمة، أنه يجوز للمزكي إذا كانت زكاته من بهيمة الأنعام أن يدفع القيمة للعامل، إذا صعب على العامل أن يحمل معه هذه الدواب التي هي صدقة، فيدفع القيمة أو يدفع العين، ثم يشتريها منهم، ولا يكون هذا عودا في الصدقة، بل يكون من الذي اشتراها بماله، إنما إذا تصدق بها على الفقير، فأما هنا فإنما دفعها للعامل، والعامل لم يملكها، فهي لا تزال صدقة غير معينة المالك، فظهر بذلك أن المنع من شرائها إذا سلمها للفقير أو أهداها لإنسان فلا يشتريها، وأما إذا سلمها للعامل والعامل لم يسلمها لفقير أو نحوه، فلا بأس بشرائها، ولعل ابن عمر كان يشتري من العامل لا يشتريها من الفقير، وهذا جائز كما ذكرنا، كذلك أيضا يستدل بقوله في الحديث السابق: "ورجل اشتراها بماله".

الأكثر قراءة