الفوائض المالية وإعادة الهيكلة الاقتصادية

[email protected]

شهد الاقتصاد السعودي خلال عام 2006 وحسب التوقعات في عام 2007 نمواً اقتصادياً يبلغ نحو 4.3 و3.5 في المائة بالأسعار الثابتة على التوالي نتيجة لارتفاع أسعار النفط العالمية وإنتاج كميات كبيرة منه تقترب من القدرة الإنتاجية القصوى، ما أدى إلى الحصول على فائض في الميزانية العامة لعام 2007 يقدر بنحو 178.5 مليار ريال. ويعد أداء الاقتصاد السعودي عموماً وتطورات الميزانية العامة والحساب الجاري خصوصاً في وضع ممتاز خلال السنوات الأربع الماضية مقارنة بالنصف الثاني من الثمانينيات ومعظم سنوات التسعينيات.
وعلى الرغم من جودة عدد من المؤشرات الاقتصادية الكلية وبالذات ما يتعلق بتراجع معدل الدين العام ليصل إلى نحو 19 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية عام 2007 مقارنة بنحو 28 في المائة قبل ذلك بعام، إلا أن ارتفاع عوائد الخزانة وتحسن المؤشرات الكلية كالنمو الاقتصادي يجب ألا يقودنا إلى التغاضي عن مخاطر بعض المؤشرات الاقتصادية الكلية الأخرى المهمة كأداء سوق المال، ارتفاع معدلات التضخم، تزايد معدلات البطالة، وتأجيل الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد الوطني. فتبعاً لطبيعة الاقتصاد، لا تسير الأهداف الاقتصادية الكلية بتواز وبطريقة تكميلية دون وجود تضارب يحتم تضحية صناع القرار الاقتصادي بأداء أحد المؤشرات للحصول على نتيجة كلية أمثل عند أخذ جميع المؤشرات الاقتصادية ذات العلاقة في الحسبان، حيث إن النتيجة الكلية الأمثل غالباً ما تقاس بمستوى الرفاه الكلي بما فيه فائض المستهلك والمنتج.
ولكون الأداء والنتائج الاقتصادية تنتج من تراكم القرارات، الإصلاحات، وتفاعل المتغيرات الاقتصادية، فإن الإصلاحات الهيكلية التي تطول الاقتصاد الكلي والتي تم الشروع بها في فترات تراجع أسعار النفط يجب أن تستمر بوتيرتها السابقة نفسها على افتراض أن الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد مطلب استراتيجي للوصول إلى هيكل ووحدات اقتصادية فاعلة تسهم في رفع كفاءة وتنافسية الاقتصاد السعودي العالمية من خلال تحسين معدلات كفاءة وتنافسية القطاع الخاص باعتباره محرك التنمية الأساس والأكثر مرونة للتعامل مع بيئة الأعمال الدولية دون الحاجة إلى الخوض في تعقيدات بيروقراطية. فالتعامل مع الإصلاحات الهيكلية بما فيها التخصيص والتحرير كتحويل الحصص الحكومية في الشركات المدرجة وغير المدرجة إلى المواطنين وفتح باب المنافسة سيضمن رفع كفاءة التشغيل وتنافسية هذه الوحدات الاقتصادية في وقت مبكر تتمتع فيه الخزانة العامة بفوائض بالإمكان الاتكاء عليها بجانب متحصلات التخصيص واستثمارها للحصول على عوائد تغطي جزءاً من العوائد التي ستفقدها الخزانة جراء التخصيص.
كما أن الاعتماد على الإنفاق الحكومي واستثمارات القطاع العام في أوقات توافر الفوائض المالية سيؤدي إلى مزاحمة الاستثمار العام للاستثمار الخاص الذي قد يخرج من حلبة المنافسة والاستثمار في بعض المشاريع الضخمة عند استمرار استحواذ الاستثمار العام على مشاريع معينة. لذلك، فإن في مزاحمة الاستثمار العام للاستثمار الخاص مخاطرة تتمثل بنأي القطاع الخاص عن المشاركة في بعض المشاريع الاستراتيجية التي كان من المفترض أن يقوم بها في حالة غياب الفوائض المالية وبما يشير إلى أن إشراك القطاع الخاص في فترات العجوزات المالية يعود للحاجة إلى رأس المال وليس نابعاً من رؤية استراتيجية مبنية على معدلات الكفاءة وتنافسية تنفيذ المشاريع.
من ناحية أخرى، تعد الخطط المرسومة للإصلاحات الهيكلية جزءاً من استراتيجيات التنمية التي تم تبنيها قبل عدة سنوات بناء على الهيكل الاقتصادي الكلي حينها وتوقعات بشأن التغيرات التي قد تطرأ بعد ذلك. فعلى سبيل المثال، يوصف إشراك المواطنين في ملكية مؤسسات القطاع العام والتمهيد لتحرير القطاعات الاقتصادية من خلال عمليات الطرح العام والإدراج في السوق المالية بأنه من الأهداف الاقتصادية المهمة التي تتقاطع مع عمليات الترخيص لمنشآت أعمال تقوم بالمهام نفسها وكذلك عمليات الاكتتاب العام الأولي لشركات قد تتنافس مع القطاعات والوحدات الحكومية المستهدفة بالتخصيص. لهذا السبب، فإن تأجيل بعض عمليات إعادة الهيكلة الاقتصادية قد يكون سببها بعض التضارب مع المهام التنظيمية والتشريعية التي تقوم بها جهات رسمية أخرى.
وكما أن الفوائض المالية تشكل مسكناً لبعض المشاكل الاقتصادية، فإن الإصلاحات الهيكلية الاقتصادية التي تستهدف رفع مشاركة القطاع الخاص من خلال عمليات التخصيص ورفع كفاءة وتنافسية القطاع الخاص عن طريق التحرير ستؤدي إلى استدامة العوائد الاقتصادية للوحدات الاقتصادية في فترات الركود الاقتصادي بوتيرة وحجم العوائد نفسيهما في فترات النمو الاقتصادي، أي التمكن من استدامة العوائد الاقتصادية في مختلف دورات الأعمال التي يمر بها الاقتصاد. وختاماً، من المهم الإشارة إلى أن استدامة العوائد الاقتصادية من مختلف الوحدات تعتمد على استقطاع أجزاء من العوائد النفطية لتضاف إلى عوائد التخصيص حيث يتم استثمارها بطرق وأساليب ذكية تبتعد عن الطرق التقليدية وتنتهز الفرص التي توفرها الأزمات والظروف الاقتصادية العالمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي