المواطن بين توسع البنوك وقروضها

[email protected]

كنت قد تحدثت كثيرا في مقالات سابقة عن الدور المفقود للبنوك السعودية في النقلة الكمية والنوعية التي تشهدها بلادنا في مجال العمل المصرفي بجميع أطيافه. هذا الدور الذي يجدر بأقوى الصناعات الخدمية أن تأخذ زمام المبادرة فيه, نجدها مع الأسف مدعومة بقوة الاحتكار تتخلى عن أخذ قدر بسيط من المسؤولية في بناء المجتمع.
ومع ذلك فهذا شأنها، ولكن مخاوفي تكمن في استمرار دعم البنوك للنهج الاستهلاكي الذي تقوم البنوك بدعمه داخل أوساط المتعاملين معها هذا مدعوم بما نشهده من نسب تضخم عالية وارتفاع تكلفة المعيشة. إن المؤشرات المستقبلية تقول إننا عن قريب سنشهد نظاما للرهن العقاري يتوقع له أن يكون طوق نجاة لكثير من الحالمين بامتلاك مسكن وهذا نظريا مقبول في ظل معطيات ائتمانية صحية.
إن النمط الاستهلاكي الذي أخذ في التوسع في السعودية يعد ناقوس خطر على مستقبل الصناعة الائتمانية ومن ثم على مجريات الاقتصاد والطبقية المجتمعية. ولا أريد أن أضع التشاؤم محورا لهذا الطرح ولكن التحوط لمخاطر المستقبل الاقتصادي على مستوى المجتمع تجعل من الأهمية بمكان إلقاء الضوء على أسوأ الاحتمالات التي قد يخلفها هذا الطوفان الائتماني البنكي. وهذا ما أوضحته الدراسة التي قدمها الزميل الأستاذ نبيل المبارك في صحيفة "الاقتصادية" بتاريخ 22/9/2007، أن عدد المواطنين الحاصلين على تسهيلات بمختلف أنواعها بلغ نحو 4.8 مليون مواطن ومواطنة، وهو رقم يمثل نحو 99 في المائة من عدد المواطنين القابلين للحصول على قروض شخصية. ألا يمثل هذا الرقم تأكيد على التوجه الائتماني في السعودية, هذا من جهة.
من جهة أخرى، أن سبب قلقي هو عدم قدرة البنوك المحلية على التحوط لكثير من العمليات المالية، ولا زلنا نذكر أن البنوك كانت أحد الأسباب الرئيسة لانهيار سوق الأسهم عن طريق التسهيلات المالية غير المدروسة التي قدمتها لكثير من عملائها لينتهي الحال بالمواطن إلى الإفلاس والبنك إلى الخسارة من الديون المعدومة.
ولكي لا نبتعد كثيرا في الطرح، فإن ما شهدناه في صناعة الرهن العقاري الأمريكية استمرت لتصل إلى صناعة البطاقات الائتمانية ونرى تقارير تؤكد ازدياد نسبة التعثر في تسديد تلك المبالغ التي تقوم البنوك الرأسمالية بنحر المستفيدين إلى العظم ومن ثم نجد نسبة بطالة أعلى وجرائم أعلى وخسائر أكبر للبنوك، هذا الحديث الذي انتقد فيه الكثير من المحللين سياسة ألن جرينسبان رئيس بنك الاحتياط الأمريكي السابق بعد صدور كتابه أخيرا وربطوا ما يحدث من أزمة الرهن العقاري والائتمان بالسياسات النقدية التي كان يتبعها جرينسبان. ومن ناحية محلية فإن هذا الطرح يأتي ونحن نرى ازدياد الإنفاق الحكومي بسبب العائدات النفطية الكبيرة التي نجنيها من ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية. وهو ما يقودنا إلى التساؤل عن مستقبل صناعة الرهن العقاري الائتماني, هل سيستمر هذا الإنفاق الحكومي لمدة طويلة؟ أو لنقل هل ستستمر الثورة الاقتصادية مدى الحياة؟ إن النظرية الاقتصادية الأزلية هي أن هناك دائرة اقتصادية يجب أن يدورها كل اقتصاد مهما كانت قوته. ولذلك فإن الاقتصاد السعودي جزء من النظرية الاقتصادية ولذلك فإن استمرار النمو الاقتصادي بمعدلات عالية سيكون مرحليا تعقبه فترة تباطؤ النمو الاقتصادي أيا كانت حدته وعندها سنرى سياسة شد حزام جديدة وستكون هناك نتائج سيئة على المستوى الاجتماعي إذا استمر في هذا النهج الاستهلاكي الذي تدعمه النظرة الأحادية للبنوك.
إن التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها السعودية تجعل من التنبه إلى المخاطر المالية – الاجتماعية المحتملة أمرا يؤثر بشكل كبير في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي وفي مراحله المتقدمة إلى المستوى الأمني.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي